البعثة الأممية في اليمن بقفص الاتهام: بذخ بلا إنجازات

12 مارس 2020
نالت بعثة الحديدة النصيب الأكبر من الهجوم (فرانس برس)
+ الخط -

لدى اليمنيين بمختلف توجهاتهم السياسية وحتى المحايدين منهم، تحفظات على أداء البعثة الأممية في البلاد، وغالباً ما يتبادل معسكرا الحرب اتهامها بالتحيز لطرف على حساب الآخر. لكن الجديد هذه المرة اعتبار عدد من الناشطين أنّ الأمم المتحدة تحوّلت إلى أحد أمراء الحرب في اليمن، منطلقين من اعتقادهم بأنّ إطالة أمد النزاع لا تعود بالفائدة على تجار الحروب من طرفي الصراع فحسب، بل على بعثات أممية تتكاثر عاماً بعد آخر، من دون تحقيق أي إنجازات أو تقدم على الأرض.

في السياق، برزت موجة سخط واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، عقب الكشف عن النفقات التشغيلية للبعثة السياسية الأممية في اليمن خلال العامين الماضيين، وتم اتهامها بالفساد، خصوصاً أنها عجزت، حتى اللحظة، عن نزع فتيل المعارك، مع اقتراب الحرب من طي صفحة عامها الخامس.

وتتألف البعثة السياسية الأممية في اليمن من مكتب المبعوث مارتن غريفيث، وبعثة دعم اتفاق استوكهولم في محافظة الحديدة، وهو الاتفاق الذي تمّ توقيعه عقب محادثات في السويد منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وبدأت التفاصيل عندما نشرت الناشطة الحقوقية اليمنية المقيمة في كندا، رشا جرهوم، جداول تضمنت النفقات التشغيلية لمكتب غريفيث. وقالت عبر حسابها بموقع "تويتر"، إنها تتخطى ما هو مخصص لبعثة الأمم المتحدة إلى سورية، وهو الأمر الذي تفاعل معه مئات اليمنيين، وبدأوا بمحاكمة البعثة الأممية افتراضياً.

وتحققت "العربي الجديد" من الأرقام المتداولة في موقع الأمم المتحدة، وتحديداً ما يتعلق بـ"الميزانية البرنامجية" المرتبطة بالبعثات السياسية والبعثات الأخرى، ومنها بعثة اليمن. وكشف الموقع الأممي أنّ ميزانية مكتب غريفيث بلغت 17 مليون دولار خلال العام 2019. وعلى الرغم من أنّ المبلغ لا يعدّ تجاوزاً كبيراً لما هو معتاد في حالات مماثلة، وفقاً لمراقبين، إلا أنّ الشلل الذي تعيشه عملية السلام في اليمن وإخفاق مبعوثها في إحراز أي اختراق جوهري، وفشل اتفاق الحديدة على الرغم من أنّ ميزانية البعثة المخصصة للمدينة بلغت أكثر من 56 مليون دولار، كل ذلك ساهم في تأجيج الشارع اليمني.

واستغلت الناشطة اليمنية جرهوم ارتفاع ميزانية مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، عن ميزانية مكتب المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، بمبلغ مليون دولار، كمنطلق لهجومها، فيما تمّ تصوير بعثة دعم اتفاق الحديدة، بأنها تعيش حالة بذخ، بعد استئجار سفينة في عرض البحر من أجل عقد اجتماعات دورية، بمبلغ 810 آلاف دولار في الشهر الواحد.

الحكومة اليمنية بدورها، والتي كانت قد انتقدت إدانة البعثة الأممية بالحديدة للغارات التي شنها "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية بالصليف، السبت الماضي، باعتبارها خرقاً لاتفاق استوكهولم، وجدت هي الأخرى ضالتها بالحملة الإلكترونية، وهاجمت بعثة الحديدة، على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني. وكانت الأمم المتحدة قد أعربت على لسان رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، أبهيجيت جها، يوم الإثنين الماضي، عن انزعاجها الشديد إزاء الغارات الجوية التي نفذها طيران التحالف على مواقع لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في محافظة الحديدة، السبت الماضي.


وقال الإرياني عبر حسابه على موقع "تويتر"، إنه "على الرغم من الميزانية السنوية الضخمة والنفقات الباذخة، وجيش الموظفين، إلا أنّ بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، فشلت في تحقيق أي تقدم بتنفيذ بنود اتفاق السويد أو التخفيف من المعاناة الإنسانية للمواطنين".

ولم يكتف الوزير اليمني بذلك، بل طالب الأمم المتحدة بـ"تقييم أداء بعثتها لدعم اتفاق الحديدة خلال الفترة الماضية ومراجعة ميزانيتها، التي تعكس مستوى الاستهتار بمعاناة ملايين الجوعى والمعدمين، والحيلولة دون تحولها مظلة لأنشطة المليشيا الحوثية التي تستهدف خطوط الملاحة الدولية"، حسب تعبيره.

في موازاة الانتقادات، قالت مصادر أممية لـ"العربي الجديد"، إنّ البعثة السياسية لمكتب غريفيث موجودة في ثلاثة مكاتب موزعة في ثلاث مدن، هي العاصمة الأردنية عمان، والتي تضم المكتب الرئيسي، بالإضافة إلى مكتبين داخل الأراضي اليمنية، واحد في صنعاء وآخر في عدن.

وذكرت المصادر أنّ "الأمم المتحدة تعتمد الشفافية في ميزانية البعثة، ومن أجل ذلك يتم نشر تقرير تفصيلي بالميزانية السنوية على الموقع الرسمي للأمم المتحدة"، مضيفةً أنه "عندما يحصل وفر في بعض الحالات، تُرفع المبالغ للعام المقبل".

ووفقاً لموقع الأمم المتحدة، بلغ عدد طاقم مكتب غريفيث 95 موظفاً خلال العام 2019، وقد يتم رفع العدد إلى 101 خلال العام الحالي 2020.

من جهته، اعتبر المحامي اليمني وائل نبيل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الضجة المثارة حول فساد البعثة غير منطقية، خصوصاً أنّ المبلغ المرصود لمكتب المبعوث هو 17 مليون دولار في السنة". وقال نبيل، الذي عمل سابقاً في منظمات دولية عاملة في اليمن، إنّ "الأرقام الموجودة معقولة إلى حدّ كبير بالنظر إلى عدد الموظفين، وإيجارات المكاتب في ثلاث مدن، وبدل مخاطر للموظفين في بلد مثل اليمن، وتأمينات صحية، بالإضافة إلى مصاريف السفر، وترتيب مشاورات، سواء بشكل سياسي رفيع أو مباحثات على مستوى لجان الأسرى وغيرها".

وأضاف المحامي اليمني: "الفساد الحقيقي موجود في المنظمات الشريكة للأمم المتحدة في اليمن، فهناك منظمات تتجاوز ميزانيتها السنوية الـ6 ملايين دولار، ولكن عدد موظفيها لا يتجاوز الثمانية أشخاص، في حين لا نرى شفافية من قبلهم بشأن كيفية تشغيل تلك الموازنات".

ويذهب جزء كبير من الميزانية السنوية لمكتب غريفيث على الجوانب اللوجستية، إذ قال مصدر لـ"العربي الجديد"، إنّ مكتب المبعوث الأممي يمتلك أكثر من 30 سيارة مدرعة.

ونالت بعثة الحديدة النصيب الأكبر من الهجوم، خصوصاً مع تصاعد الخروقات في المدينة، وفشل البعثة في تثبيت هدنة هشة منذ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2018. وكشفت الأرقام أنّ ميزانية بعثة الحديدة المعروفة بـ"أونمها" بلغت 56 مليون دولار خلال العام 2019، وذلك بمعدل مصاريف شهرية تصل إلى 4 ملايين ونصف المليون دولار، فيما بلغ قوام طاقمها 138 خلال العام 2019، ومن المقرر أن يرتفع العدد إلى 159 خلال العام الحالي 2020.

وركّز الناشطون اليمنيون على ارتفاع إيجار سفينة المشاورات قبالة ميناء الحديدة، بمبلغ 810 ألف دولار شهرياً، على الرغم من أنّ فريقاً أممياً، وفقاً للموقع الإلكتروني التابع للأمم المتحدة، أوصى بوقف استئجارها ابتداءً من مارس/ آذار الحالي، وترميم واستئجار فلل سكنية داخل مدينة الحديدة.

وتُتهم البعثة الأممية التي مدّد مجلس الأمن الدولي في يناير/ كانون الثاني الماضي مهامها لستة أشهر إضافية، بالعجز عن تطبيق الهدنة في الحديدة، والإشراف على انسحاب متبادل للقوات العسكرية، إذ نصّ اتفاق استوكهولم على انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة وتسليمها لقوات محلية كانت تعمل فيها قبل الحرب، في مقابل انسحاب القوات الحكومية من منطقة كيلو 16 ومداخل المدينة، بما يضمن فتح الممرات الإنسانية والطرقات أمام تدفق البضائع والمعونات.