البطالة في السعودية [4/4]... توظيف وهمي لخداع وزارة العمل

15 يونيو 2017
السعودة الوهمية تدمر سوق العمل في المملكة (فرانس برس)
+ الخط -

حصل الشاب السعودي ثامر العتيبي على عرض عمل في شركة خدمات صغيرة، في مقابل أجر شهري يبلغ ألف ريال سعودي (267 دولارا أميركيا)، على الرغم من أنه ما يزال في عامه الأول بالكلية التقنية في القطيف (شرقي السعودية)، غير أنه لم يكن مضطرا للقيام بأي عمل حقيقي، أو حتى للحضور إلى مقر الشركة مطلقا، وكل ما توجب عليه فعله هو أن يوقع  عقد عمل "وهمي" والسماح للشركة بتسجيله في التأمينات الاجتماعية، من دون أن يدفع شيئا.

نال العتيبي فرصة العمل بعد أن عرف بها من أصدقائه الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة عشرة والعشرين عاما، ونجحوا في الحصول على عمل بمؤسسة تعهدات خاصة تقوم بتوريد مشتريات حكومية، وفق عقود سنوية، في مقابل قيامهم بدفع 650 ريالا (173 دولارا) لمسؤول التوظيف في الشركة الذين يتقاضى هذا المبلغ مقابل منحهم وظيفة "وهمية" براتب ألفي ريال سعودي (533 دولاراً)، يتبقى لهم منها نحو 1350 ريالا (359 دولارا)، في الوقت الذي يواصلون فيه دراستهم.

العتيبي وأصدقاؤه العشرة ليسوا سوى موظفين وهميين، يمكنون الشركة التي توظفهم من الخروج من النطاق الأحمر لدى وزارة العمل، وهو ما يعني أن الشركة أخفقت في تحقيق نسبة الـ10 في المائة من سعودة وظائفها، الأمر الذي يتسبب في توقيع العديد من العقوبات عليها، وتلجأ الشركات الصغيرة والمتوسطة، وحتى بعض الشركات الكبيرة، إلى هذا النوع من التوظيف، من أجل تلافي عقوبات وزارة العمل التي تطبق بصرامة نظام (نطاقات) الذي يصنف الشركات وفق نطاقات ملونة (أحمر وأصفر وأخضر) بناء على نسبة السعودة لديها، ويوفر النطاق الأخضر مميزات كبيرة للشركة، من أهمها تسهيلات في الحصول على تأشيرات الاستقدام، وتستغل الشركات حاجة بعض الشباب للعمل عبر تقديم رواتب متدنية لهم، من دون أن يمارسوا عملا فعليا، ومع أن هذا الفعل مخالف للأنظمة السعودية، إلا أن ثامر العتيبي لم يفكر كثيرا قبل قبول العرض، معتقدا أنها فرصة جيدة حتى ولو كانت غير نظامية، إذ إنه ما يزال طالبا في الكلية التقنية، قائلا لـ"العربي الجديد": "مبلغ ألف ريال لشاب لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره دون عمل ليس سيئا، إنه مال سهل، كل رفاقي يقومون بذلك، ويحصلون على مبالغ من الشركات مقابل استخدام أسمائهم باعتبارهم موظفين لديها".

غير أن كثيرين لا يعتبرون هذه العروض فرصة للحصول على المال السهل، إذ لا يجد بعضهم طريقة للحصول على دخل سواها، من بينهم علي الموسى الذي تم تسجليه موظفا في قسم التخزين بشركة كبيرة تملك عدة وكالات لتوريد المنتجات الاستهلاكية، ليحصل على 1500 ريال (400 دولار) مع أنه لا يحضر للشركة إلا للحصول على مرتبه.

حتى المعاقين لم يسلموا من هذه الممارسات، إذ تلقى ماجد الذي يعاني من إعاقة حركية، عرضا للعمل في مقابل 5700 ريال سعودي، (1500 دولار)، اندهش ماجد من العرض في البداية، ولكن استغرابه تلاشى بعد أن عرف أن توظيف معاق يتم احتسابه في نظام نطاقات بأربعة موظفين.

ومنذ شهرين، نشطت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تروج للتوظيف الوهمي مقابل 215 ريالا (58 دولارا) رسوما لاستيفاء إجراءات الالتحاق بالمنشأة طالبة التوظيف، وفق ما رصدته وزارة العمل، التي أعلنت أن الوظائف المعلن عنها غير حقيقية والهدف من ورائها السعودة الوهمية.


صعوبات في التوظيف

قبل عامين أفتى عبدالعزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة، بأن قيام الشركات بالتوظيف الوهمي يعتبر أمرا خطيرا وخاطئا كونها لا تعود على المواطن بأي منفعة، إلا أن تلك الممارسات ما تزال قائمة، كما يؤكد المحلل الاقتصادي ربيع سندي، والذي يعتقد أن نسبة لا تقل عن 30 في المائة من الوظائف في السعودية وهمية، قائلا لـ"العربي الجديد": "بحسب إحصاء للتأمينات الاجتماعية صدر في عام 2014، فإن 33 في المائة من الموظفين السعوديين في القطاع الخاص يتقاضون مبلغ 1500 ريال شهريا، وهو ما يعد مبلغا قليلا للمواطن السعودي قياسا إلى متوسط الدخل الشهري للمواطن، والذي بلغ 6500 ريال، بحسب بيانات لمصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات السعودية صدرت في فبراير/شباط 2016"، ويضيف موضحا: "الموظفون الوهميون مجرد أوراق فقط، وفي الحقيقة لا يقومون بأي عمل، سوى مساعدة الشركة بطريقة ملتوية لتحسين مستوى النطاقات لديها، وتسهيل حصولها على تأشيرات جديدة".

ويكشف مدير توظيف في إحدى شركات الدمام (طلب عدم الكشف عن هويته) أن النساء هن أكثر من يقبل على هذا النوع من التوظيف، لصعوبة حصولهن على عمل، بالإضافة إلى عدم رغبة بعضهن في الخروج إلى العمل فعليا، ويقول لـ"العربي الجديد":"تتلقى النساء المنخرطات ضمن السعودة الوهمية مبالغ زهيدة لا تتعدى ألفي ريال شهرياً، ويليهن في الإقبال على هذا الأمر طلاب وطالبات جامعيون"، ويردف متابعا: "يتورط في هذه المخالفات شركات الخدمات، والمقاولات، وصيد الأسماك، وبعضها مضطر إلى ذلك لعدم وجود سعوديين يعملون في المجالات اليدوية".


موظفون تم تعيينهم من دون علمهم

بعض المتورطين في "السعودة الوهمية" لا يعلمون بذلك من الأساس، من بينهم ماجد الشويع الذي فوجئ بأنه يعمل مديرا في شركة منذ خمس سنوات من دون أن يعلم، ويروي الشويع لـ"العربي الجديد" ما حدث معه، قائلا: "لم أكتشف استغلال اسمي في السعودة الوهمية إلا بعد أن تقدمت للعمل في وظيفة حقيقية، إذ وجدت الشركة الجديدة أن اسمي مسجل في التأمينات الاجتماعية، وأني أعمل منذ خمس سنوات في شركة وضعت اسمي ضمن عدد من الأسماء التي احتاجتها لتحقيق معدل سعودة الوظائف المطلوب. فتقدمت بشكوى رسمية ضد الشركة للحصول على حقوقي ومرتبي الذي كان على درجة مدير".

ويُحمّل خبراء في الاقتصاد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مسؤولية ما يحدث من فوضى في سوق العمل، لاختراعها برنامج نطاقات الذي يحدد مستوى الشركة وأحقيتها في تأشيرات الاستقدام بحسب ما لديها من موظفين سعوديين، وهو ما دفع كثيرا من الشركات إلى التحايل على النظام عبر تسجيل موظفين ورقياً للحصول على المزيد من التأشيرات، وفق إفادة الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز المغلوث والذي شدد على أن "السعودة الوهمية"، ثغرة مهمة في برنامج نطاقات حذر الاقتصاديون منها طويلا، وتابع قائلا لـ"العربي الجديد": "تسعى بعض الشركات للتلاعب بالنظام، بهدف الحصول على تأشيرات، وللاستفادة من الخدمات والمميّزات المتوافرة في البرنامج، خاصة الشركات الصغيرة، ولهذا فشل البرنامج في رفع مستوى التوظيف، وللأسف منذ تطبيق البرنامج قبل خمس سنوات، انخفض متوسط رواتب الموظفين السعوديين في القطاع الخاص من متوسط 6280 ريال إلى أقل من 4967 ريال، بتأثير من عملية التوظيف الوهمي متدنية الرواتب".


غير أن خطورة التوظيف الوهمي تتمثل في أنها تتلاعب بمستقبل الشباب، ما يحرمهم من اكتساب الخبرة، ويضر بثروة المجتمع الحقيقية بحسب ما حذر منه الدكتور المغلوث، مؤكدا أن الشركات التي توظف السعوديين وهميا، تخسر فرصة الاستفادة منهم بشكل فعلي، مستغربا من أن تدفع الشركة إلى آلاف الموظفين ممن لا يعلمون، وهو ما أدى إلى ارتفاع البطالة إلى معدل 12.3% بحسب ما أعلنته الهيئة العامة للإحصاء في عام 2016".

على النسق ذاته يشدد ماجد العمري والذي يملك شركة متخصصة في توظيف الباحثين عن العمل، على أن الشركات تستغل توزع مهمة مراقبة السعودة الوهمية بين وزارة العمل والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، واللتين يغيب التنسيق بينهما، لهذا تدرج بعض الشركات الملفات التي يقدمها طالبو التوظيف من أجل العمل بها، في التأمينات الاجتماعية على أنهم موظفون لديها، وهو ما يتم دون علمهم"، ويحذر العمري من أن هذه الممارسات لها انعكاسات خطرة على المجتمع، إذ تعود الشباب على التراخي والكسل والحصول على دخل دون عمل، وهو ما سيقود إلى خلق مجتمع خامل كسول، ويضيف: "لهذا كان من الطبيعي أن يدخل البلاد 2.2 مليون وافد في العام الماضي فقط".


تحذيرات بلا فائدة

حذرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، أكثر من مرة، كان آخرها في مارس/آذار الماضي من ممارسة السعودة الوهمية، وكشفت الوزارة أن التوظيف الوهمي كان سبباً في إيقاف العديد من الشركات، مؤكدة على لسان المتحدث الرسمي فيها خالد أبا الخيل :"أنها تراقب هذا الموضوع عن كثب"، ويأتي في هذا السياق ما كشفته مصادر في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى ضبط الوزارة 500 قضية سعودة وهمية في إبريل/نيسان الماضي، معظمها لسعوديات تعاونّ مع مؤسسات وشركات بهدف التلاعب بنظام نطاقات، لضمان الخروج من النطاق الأحمر.

وتعاقب الشركة التي تتورط في التوظيف الوهمي بغرامة 20 ألف ريال عن كل موظف، مع المنع من الاستقدام لمدة خمس سنوات، وفق نظام وزارة العمل الذي تم تعديله قبل تسعة أشهر.

وفي حال كان التوظيف دون علم الموظف، يتم تحويل القضية إلى اتهام الشركة بالتزوير، وهي جريمة تصل عقوبتها إلى السجن من خمس سنوات وحتى عشر سنوات، مع غرامة تصل إلى 10 ملايين ريال (2.6 مليون دولار)، وفق ما أدلى به لـ"العربي الجديد" القانوني أحمد الراشد.

وتتضاعف العقوبات خلال الفترة المقبلة، بعد أن تفعل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية غرامة الـ10 آلاف ريال على كل من يقدم بيانات غير صحيحة، أو يحجب البيانات الخاصة بمؤسسته، لتضاف إلى عقوبة السعودة الوهمية التي تطبقها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فيما أكد خالد أبا الخيل أن الوزارة بدأت في ملاحقة صفحات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بالترويج لوظائف تدخل ضمن نطاق السعودة الوهمية، قائلا: "اعتمدت الوزارة أربعة إجراءات للحد من هذا السلوك، منها إيقاف الخدمات عن المنشآت المتلاعبة، وإبلاغ المؤسسة العامة للتأمينات لتطبيق نظامها، وإبلاغ صندوق الموارد البشرية (هدف) لمنع حصول هذه المؤسسات على الدعم، وتطبيق عقوبات الغرامات المالية على هذه المنشآت".