البشير محاصر سياسياً واجتماعياً: أحزاب تسحب دعمها واحتجاجات تتسع

28 يناير 2019
استقطبت المعارضة مبكراً شريحة الشباب لصالحها (فرانس برس)
+ الخط -
تلقى نظام الرئيس السوداني عمر البشير أمس ضربة جديدة موجعة، بعد إعلان حزب الأمة الفيدرالي انسحابه من مجلس الوزراء، ومن الحكومات المحلية والمجالس التشريعية مركزياً ومناطقياً، وذلك اعترافاً من الحزب بمشروعية الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في البلاد منذ الشهر الماضي، واحتجاجاً في الوقت ذاته على قتل المتظاهرين السلميين وفقدان النظام للأهلية والشرعية. ضربة سرعان ما تسببت بانقسام الحزب المذكور وواكبها اتساع التظاهرات أمس، وسط زيادة في أعداد المحتجين في الشوارع، فيما كانت السلطات تحاول مواجهة الاحتجاجات بقطع عام للتيار الكهربائي، وبإغلاق الساحات العامة التي كان مقرراً أن تستضيف تظاهرات الخرطوم. أما البشير فواصل سعيه لتوسيع قاعدة دعمه الإقليمية فحطّ في القاهرة، قبل أن يكمل جولته في المنطقة التي سبق وبدأها من الدوحة، ويُتوقع أن تشمل عدداً من العواصم الخليجية بعد القاهرة.

ويُعد حزب الأمة الفيدرالي واحداً من الأحزاب التي انشقت عن حزب الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي. ودخل منذ تأسيسه في العام 2004، في شراكة سياسية مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مُنح بموجبها عدداً من المناصب الوزارية في المركز والولايات. وفي آخر حكومة شكلها معتز موسى، حصل "الأمة الفيدرالي" على منصب وزير الثقافة والتراث، و3 وزراء ولائيين، و8 نواب في البرلمان القومي و15 نائباً في برلمانات الولايات. وقال رئيس الحزب، أحمد بابكر نهار، في مؤتمر صحافي أمس الأحد، إن قرار الانسحاب اتخذ بشكل جماعي خلال اجتماع المكتب القيادي. وعزاه إلى "نتائج الفشل الذي وصلت إليه الحكومة على المستوى السياسي، وأدى إلى فشل اقتصادي مريع دفع ثمنه الشعب السوداني الذي ظل يعاني من شظف العيش، وعدم توفر الحد الأدنى للمواطن، في الوقت الذي تذهب فيه معظم الموارد المالية، بالرغم من شحها، إلى قطاع الحُكم والإدارة والصرف على الأمن وعلى الحرب ضد أبناء الوطن". وعلى الفور، أعلنت قيادات في "الأمة الفيدرالي" رفضها القرار، وذلك في مؤتمر صحافي شددت فيه على بقاء الحزب في حكومة الوفاق الوطني، وتجميد نشاط رئيسه.

وكان الحزب قد شارك في مؤتمر الحوار الوطني الذي أفضى إلى تشكيل الحكومة الحالية، إلا أن بابكر نهار قال إن طريق الحوار الذي ارتضته القوى السياسية للبلاد كمخرج للبلاد من أزماتها، لم يؤد أهدافه وغايته، موضحاً أنهم ظلوا يدقون ناقوس الخطر أمام هذه الظروف، ويدعون إلى الإصلاح ومحاربة المفسدين ومحاكمتهم، وتفعيل قانون من أين لك هذا، لكن كل الدعوات لم تلقَ آذاناً صاغية. وأكد بابكر نهار "مشروعية الحراك الشعبي المناوئ للحكومة"، مشيراً إلى أن حزبه ظل يحذر في كل بياناته من سوء التعامل مع المتظاهرين، من دون أن يجد استجابة "بل مارست أجهزة النظام الصلف، واستنكرت حتى حق التظاهر السلمي، ما يؤكد أن النظام وصل إلى مرحلة انسداد الأفق، وأنه بات غير قادر على إنتاج الحلول، وغير قادر على التعامل مع المبادرات التي تطرح من وقت إلى آخر". وأضاف أن "الحراك الشعبي الحالي يعبر عن طيف واسع وعريض من أبناء الوطن، وأن النظام فقد الشرعية والأهلية والقدرة على التعاطي مع الأزمة السياسية، وأن تعنته في مواقفه سيقود البلاد إلى سيناريوهات لا يعلم مداها إلا الله"، مطالباً البشير بالتنحي وتشكيل حكومة انتقالية.



ولم يعد انسحاب حزب الأمة الفيدرالي من الحكومة هو الأول من نوعه منذ بداية الحراك الشعبي في البلاد في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وكان أكثر من 20 حزباً، شريكاً أيضاً في مؤتمر الحوار الوطني، وقعوا على مذكرة تطالب البشير بالتنحي وتشكيل حكومة انتقالية، مع التأييد التام للاحتجاجات الشعبية. بل مضت تلك الأحزاب أبعد من ذلك بكثير حين طالبت الجيش السوداني بالانحياز للشعب ووقف قتل المتظاهرين. وفي الوقت الذي وقع فيه حزب "الإصلاح الآن"، على المذكرة، فقد أعلن رئيسه غازي صلاح الدين عن سحب ممثلي الحزب من البرلمان القومي وبرلمانات الولايات في ضربة نوعية للحكم، ذلك أن أعضاء الحزب محسوبون على التيار الإسلامي، ورئيس الحزب نفسه شغل في يوم من الأيام منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم.

أما "حزب الأمة" الذي يقوده النائب السابق لرئيس الحكومة، مبارك الفاضل، فقد سحب أولاً وزير الصحة في حكومة الولاية الشمالية، عبد الرؤوف قرناص، احتجاجاً على قتل المتظاهرين وحاول الاحتفاظ بممثليه في البرلمان القومي وبرلمانات الولايات، لكنه فشل بهذا الأمر، إذ نشر نواب موالون للحزب، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل يومين، استقالاتهم من البرلمان القومي، ومنهم العضو الأبرز فتحي مادبو. وفي دوائر "المؤتمر الشعبي"، فقد بدأت حركة قاعدية واسعة تدعو قيادة الحزب لاستصدار قرار فوري بترك الحكومة والتمثيل في الأجهزة التشريعية على مستوى البلاد، وهو أمر محتمل، خصوصاً بعد دعوة طارئة قدمتها الأمانة العدلية بالحزب للهيئة القيادية للانعقاد واتخاذ قرار يفضي للخروج عن الحكومة. وذكرت الأمانة العدلية، في بيانها أخيراً، أنها تقف مع "الحق في حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي وانطلاق المواكب، مع حماية وتأمين المتظاهرين وعدم قمعهم أو استخدام القوة ضدهم إلا وفقاً لما يقرره القانون"، مطالبة "بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في أحداث القتل والإصابات، مع تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف ومحاسبة مرتكبيها أو المحرضين عليها، على أن يتم فيها تمثيل لبعض الخبراء والناشطين ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في مختلف أنحاء السودان فوراً، خصوصاً النساء وصغار السن". كما حددت الأمانة العدلية مطالب أخرى، منها عدم تعديل الدستور للسماح للبشير بالترشح مرة أخرى، ومراجعة قانون الانتخابات وحل المفوضية القومية لحقوق الإنسان وإعادة تشكيلها بالتوافق السياسي، لكي تعبر عن إرادة الأحزاب المحاورة. واقترحت فض الشراكة الحالية مع المؤتمر الوطني الحاكم، مع تحريض أعضاء الحزب على الانخراط المنتظم في التظاهرات والالتحام ببقية فئات الشعب لإحداث التغيير في واقع البلاد.

وعلى الرغم من التماسك الظاهري داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي يقوده وزير الداخلية الحالي، أحمد بلال عثمان، الشريك أيضاً في الحكومة، فإن الأصوات بدأت تعلو داخله مطالبة بالانسحاب من الحكومة. ونشرت وسائل التواصل الاجتماعي رسالة للقيادي في الحزب علي عثمان محمد صالح يدعو فيها بلال إلى قيادة دفة الانسحاب من الحكومة وترك الوزارة وقيادة قاعدة الحزب وجماهيره لميادين الحرية. وإذا اكتمل انسحاب المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي، أو أحدهما، فإنه لن يوجد في صف البشير سوى الحزب الاتحادي الديمقراطي، بزعامة محمد عثمان الميرغني، الذي تشارك قواعده كذلك في التظاهرات تحت لافتة التحالف الاتحادي المعارض. وسيكون مع البشير كذلك أحزاب سياسية منشقة من حركات مسلحة في دارفور، مثل حزب التحرير والعدالة، وأحزاب أخرى صغيرة ليس لديها أي تمثيل على مستوى مجلس الوزراء، ويحتفظ بعضها فقط بمنصب وزير دولة أو تمثيل ولائي محدود أو برلماني تم بالتعيين، في حين لا يستبعد مراقبون حدوث انشقاقات داخل المؤتمر الشعبي وأحزاب أخرى إن لم تنسحب من الحكومة.

وفي الوقت الذي يتضعضع فيه معسكر البشير، يقوى في المقابل معسكر المعارضة المطالب بتنحيه. ويوجد على هذه الضفة تجمع المهنيين السودانيين، وهو تجمع يضم نقابات لا تعترف الحكومة بها، لكنها أثبتت وجودها على الأرض بمشاركتها الكبيرة في الاحتجاجات وفي تنفيذ إضرابات على مستوى قطاعات عديدة. وأيضاً في معسكر المعارضة، يوجد "تحالف نداء السودان"، الذي يضم حزب الأمة القومي المعارض، وحركة العدل والمساواة وحزب المؤتمر السوداني وحركة تحرير السودان وعدد آخر من الأحزاب. كما يضم تحالف قوى الإجماع الوطني، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث والتحالف السوداني وأحزاب أخرى. كما تحاول الجبهة الوطنية للتغيير، التي تشكلت في الأسابيع الماضية، إيجاد موطئ قدم لها في صف المعارضة.

وبين معسكري البشير والمعارضة تدور معركة على كسب قوى إقليمية لها تأثيرها، مثل الجماعات المتصوفة التي بدت منقسمة تماماً، ما بين شيوخ يؤيدون البشير وآخرين لم يتوانوا أن يكونوا في الصف الأول للمعارضة وتسجيل أسمائهم ضمن قوائم نشرها "تجمع المهنيين" المعارض. أما الجماعات السلفية فتحاول الوقوف في المنتصف، إذ تدين بشدة قتل المدنيين وتطالب الناس بعدم الخروج على الحاكم، فيما يواصل بعضها المشاركة في الحكومة، مثل جماعة "أنصار السنة". كما تدور معركة أخرى حول كسب ود أئمة المساجد الذين ينحاز غالبيتهم لصف الحكومة، ما أثار في كثير من الأحيان غضب المصلين، إذ بدأت تنتشر ظاهرة الخروج أثناء خطبة الجمعة إذا انحاز الخطيب للحكومة. وعلى جانب الخارطة الاجتماعية، فقد استقطبت المعارضة مبكراً شريحة الشباب لصالحها، بمشاركتهم الواضحة في الاحتجاجات بصورة غالبة على بقية الشرائح، لدرجة أزعجت صف البشير، الذي دعا إلى حوار مع الشباب والاهتمام بقضاياهم الخاصة بالتوظيف والتشغيل، لكن من دون أن تطرح الحكومة أفكاراً مباشرة لذلك الحوار. كما كسبت المعارضة المرأة، التي انحازت بشكل واضح للاحتجاجات وشاركت فيها.


المساهمون