لم يتجاوز عدد عناصر البشمركة الذين توجّهوا قبل أيام الى عين العرب الـ150 عنصراً، إضافة الى 70 عنصراً من الجيش الحر.
وصول هذا العدد القليل من عناصر البشمركة والجيش الحر مع عتاد لم يتجاوز صواريخ "الكاتيوشا" وقذائف "الهاون"، أثار السؤال حول قدرة هؤلاء على تغيير الوضع العسكري في المدينة، ولا سيما أنّ هذه القوات، وبحسب التصريحات، لن تُشارك في مواجهات مباشرة مع "داعش"، إضافة إلى أن هاتين المجموعتين، تنتميان بالأصل إلى تشكيلات عسكرية فشلت في تحقيق أي انتصار عسكري مهم على "داعش" في الفترة الأخيرة من دون مساعدة الطيران الأميركي.
ما أثار الانتباه في الاستقبالات الشعبية الكردية لهذه القوافل في المناطق التركية، هتافات "بيجي أوباما" والذي يعني "عاش أوباما"، ليبدو قيام أنصار حزب العمال الكردستاني ذات الجذور الماركسية بالهتاف بحياة رأس الإمبريالية في العالم (أوباما)، أمراً غريباً، في الوقت الذي كان فيه حزب "الشعوب الديمقراطية" ينتقد بشدة تركيا والتحالف الذي تقوده الإدارة الأميركية على "تقصيرهم" في إنقاذ عين العرب.
وتعكس هذه الهتافات الاعتقاد السائد بين أكراد تركيا بأن أنقرة سمحت فقط بمرور البشمركة بسبب ضغوط كبيرة من واشنطن.
يرى مدير قسم أبحاث السياسات الخارجية في مركز "سيتا" للأبحاث في أنقرة أفق أولوتاس، المقرّب من الحكومة التركية، أن الرسالة الأساسية من السماح للبشمركة بالعبور نحو عين العرب هي رسالة سياسية. ويعتبر أنه "من الناحية الحسابية، لن يكون هناك أي تغييرات في اللعبة العسكرية في المدينة، وذلك نظراً إلى نوعية الأسلحة التي جلبتها معها قوات البشمركة"، مضيفاً "هناك حقيقة أخرى لا يمكن إغفالها، وهي أن داعش خبأ أسلحته الثقيلة بعد الضربات الجوية الأميركية التي استهدفته".
وأشار أولوتاس الى أن "الهدف الرئيسي هو توجيه رسالة مفادها أن تركيا وحكومة إقليم كردستان لن تتخلى عن عين العرب، وبالتالي إسكات اتهامات العمال الكردستاني وأجنحته للحكومة بأنها تقوم بدعم داعش"، مضيفًا "إن رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني عرض إرسال المزيد من القوات، لكن الاتحاد الديمقراطي رفض ذلك لاعتبارات سياسية لا عسكرية، إذ إن الاتحاد لا يريد أن يفقد اليد العليا في المدينة ولو كان ذلك لحساب فقدان المدينة بكاملها".
وعلى الرغم من تأكيد جميع المحللين الاتراك بأن دخول هذه القوات إلى المدينة هو أمر سياسي أكثر منه عسكرياً، فإن هذا لم يخفف من غضب المؤسسة العسكرية التركية من هذه الخطوة.
ومن المعروف أن الجيش التركي على كراهية كبيرة مع حكومة إقليم كردستان والبشمركة، إذ لا ينسى الجيش أن حزب "العمال الكردستاني"، الذي يشّن هجمات عسكرية ضد الحكومة التركية منذ منتصف الثمانينيات، لا يزال يستخدم جبال قنديل في شمال العراق كمعسكرات له. كما أن حكومة الإقليم لطالما سهّلت له استخدام المرافق العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وكان "العربي الجديد" قد علم أن الجيش التركي رفض مرافقة قوات البشمركة في عبورها ضمن الأراضي التركية، لتقتصر مهمته على تسهيل عبورها فقط في المناطق العسكرية، وتتولى الاستخبارات التركية إيصال البشمركة إلى منطقة سروج في ولاية أورفا المقابلة للمدينة.
كما كشف "العربي الجديد" سابقاً أن الجيش التركي كان قد عبّر عن استيائه من فكرة مرور البشمركة عبر الأراضي التركية، وذلك في اجتماع الأمن القومي الذي عُقد في الثلاثين من الشهر الماضي بقيادة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان.
وكان الجنرال المتقاعد أرمغان كولو أوغلو، الكاتب في جريدة "يني جاغ" القومية اليومية، قد أكد لـ"العربي الجديد"، أنه من المستحيل تغيير الوضع العسكري في عين العرب مع هذا العدد القليل من مقاتلي "البشمركة"، حتى لو كانوا مسلّحين بالمدفعية الثقيلة، مشيراً إلى أن السبب الحقيقي وراء إرسال المقاتلين الأكراد العراقيين إلى سورية هو سبب سياسي.
ولم يخفِ كول أوغلو المخاوف القومية التي توارثها الجيش التركي، بقوله "إن أحد الأسباب المهمة أيضاً، هو رغبة الإدارة الأميركية بتقوية الأواصر بين أقسام كردستان الكبرى المستهدفة الآن"، مشيراً الى أن واشنطن تحاول أيضاً بهذه الخطوة تخفيف التهديدات التي تواجه "إقليم شمال العراق".
وأعرب كول أوغلو عن استيائه من الطريقة التي دخلت بها البشمركة إلى تركيا، لافتاً الى أنه "كانت هناك مجموعات تحمل العلم الكردي في تركيا وتعبّر عن أفراحها بوصول مقاتلين أكراد، وتهاجم في الوقت ذاته قوات الأمن التركية"، الأمر الذي يشير إلى الغضب المتصاعد بين صفوف القوميين الأتراك وضباط الجيش التركي.