البرتقال السيساوي لا يثمر بالتبنّي

29 اغسطس 2019
+ الخط -
شجرة البرتقال السيساوي التي تم غرس شتلتها في بداية ثورة يناير في مصر، شجرة مصرية خالصة جدا، ولا بد أن تكون تربتها من حنّاء، تربة ناعمة، لا تربة تونس ولا ليبيا ولا السودان ولا الجزائر ولا حتى سورية. تربة نيلية بمواصفات خاصة، فهي قريبة جدا من ليونة "كعب ليلى" الذي التوى في ميدان التحرير في 30/6، فالتفّ حوله الروائيون والشعراء والتشكيليون والنقاد، وتركوا قهوة الثورة، حتى بردت بجوار ثلاث من أكتاف وزراء الداخلية، وقريبة جدا تلك الشجرة من ضحكة يسرا وتنفيذها الأوامر العليا، على الرغم من انشغالاتها بدراما الشخصية الرمضانية، ودموعها الكثيفة مع الجلسرين.
شجرة رحّبت بـ"خمار صافينار" في المظاهرات. أول ظهور علني لشتلة شجرة البرتقال السيساوية كان في القاعدة الحربية لغرب القاهرة، بوجود الفنانين يتقدمهم عادل إمام بالطبع. وهل تنبت شتلة إلا بضحكات عادل إمام في مصر؟ عرفت ساعتها أن التربة بدأت تحنو على الشتلة، رغم أنف الثورة والدم والتاريخ أيضا، طالما الشتلة محروسةٌ بالرصاصة.
تحتاج تربة الشتلة السيساوية لحنو التربة الإسرائيلية بالطبع من الشرق، بشهادة النائب والمحلل الاستراتيجي، دكتور عماد جاد، كما أعلنها هو بنفسه، وهو من بنبان 30/6 المرصوص وأعمدته الخرسانية القوية جدا قلبا وقالبا.
شتلة سيساوية يحميها البحر المتوسط من الشمال وقبرص واليونان، والغاز أيضا تحت البحر، والبحر الأحمر من الشرق، من غير تيران وصنافير بالطبع، فيأتيها "الرز" من كل حدب وصوب حتى من البنك الدولي. شتلة محظوظة. تربة ناعمة جدا تدرّبت على المهرجانات في باب زويلة وباب الفتوح واحتفالات القلعة وفيضانات النيل والأفراح الملكية، وابتلاع المسامير والأمواس وقَرْش الزجاج والنار أيضا، وشق البطون وترقيص الثعابين، والقرد يقلد فيها عجين الفلاحة، ويقلد راعي الغنم أيضا وبيّاع الملح.
تربة تنبت بجوار استوديوهات ماسبيرو ووفود جمال عبد الناصر التي أتت من قراها بالسعف والدموع، رغم أنف الهزيمة. تربة الشتلة السيساوية يحميها الأزهر من الشرق، وقلّايات وادي النطرون من الغرب، وتعابير سكينة فؤاد من الوسط، وبلاد النوبة من الجنوب، وعلى رأسهم محمد منير ومعه نعناع الجنينة، حتى وهو في شرم الشيخ، واليسار وقد نسي الفقراء، و"الوفد" وقد نسي دستوره ورماه في البحر. شتلة عجيبة، نسي كل حبيبٍ من أجلها ماضيه.
تربة الشتلة السيساوية ناعمة، فيها اللحن واستقبال السوّاح وبابا الفاتيكان أيضا. تربة ناعمة تحرُسها الموسيقى، والمراكب العائمة، والمسلسلات الرمضانية، والأجهزة الأمنية، وفساتين رانيا يوسف، من غير بطانة أو حتى ببطانة. تربة ما زالت ترعى باروكة مفيد فوزي من خمسين سنة من دون أن تتغير ملامحها بجوار باروكتي سمير صبري وسمير غانم. تربة الشتلة السيساوية تحوّل الفسيخ إلى شربات، ويحرسها أيضا الحسين بن علي والسيدة زينب ونفيسة وسكينة وآل البيت وإيزيس والمرسي أبو العباس، وكذلك عبد الحليم قنديل قبل أن يدخل السجن وبعده أيضا. تربة الشتلة السيساوية عجيبة، ويرقص في موكبها شاعر الشعب، أحمد فؤاد نجم، باللاسة الحرير والجلباب في قلب قنوات رجال الأعمال، ناسيا الفقراء وأخوالهم وأعمامهم وأمهاتهم وجيفارا أيضا، فماذا يمتلك السودان أو تونس أو الجزائر أو سورية أو ليبيا من سخاء لتربةٍ تشبه الحنّاء، مثل تلك، كي ينبت البرتقال السيساوي لديهم؟
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري