ليس عيباً أن تُراجع دولة ذات موارد دخل محدودة سياسات الدعم الحكومي لديها، سواء لبعض المواد الغذائية أو لمشتقات البترول.
فشد الحزام آتٍ قريباً كان أو بعيداً، والرفاهية المتوفرة في معظم دول الخليج لن تدوم إلى ما لا نهاية، خاصة أن هذه الدول لم تُنوّع حتى اﻵن مصادر دخلها بما يتناسب وتحديات تقلبات أسعار سوق النفط، فضلاً عن الاستعداد لمواجهة شبح انقراضه.
ولكن اﻹقدام على مثل هذه الخطوة الحساسة، والتي تمس بشكل مباشر رفاهية الشعب وبالتالي، وبشكل مباشر ومنطقي أيضاً، مستوى رضاه عن نظامه الحاكم، يجب أن تكون بالتدريج وبتوفير حلول تخفف من وطأة تبعاتها، كما يجب أن تُطرح وتُدرس المسألة بكل شفافية مع الشعب من خلال مختلف الوسائل، ﻹشراكه في اتخاذ مثل هذه القرارات الوطنية، فاﻹقدام على مثل هذه الخطوة فيها تضحية من الجميع، نعم تضحية، مهما أكد المسؤولون أن المسألة مجرد إعادة توجيه الدعم فقط وليس رفعه، فالاقتصاد بطبيعته مُعَقّد، والنتائج المترتبة على تطبيق أي سياسات جديدة بعضها معلوم وبعضها غير معلوم، ولا تظهر إلا بعد التطبيق.
تضج البحرين اليوم بموضوع رفع الدعم عن اللحوم، وبسبب الآلية المقترحة من قبل الحكومة (توجيه الدعم بمبلغ رمزي يُدفع شهرياً أو سنوياً لكل مواطن)، وتزامن طرحه مع موعد إقرار الميزانية العامة في مجلس النواب، هناك رأي عام لدى المواطنين أن الأمر مجرد ابتزاز للمجلس ليُمرر الميزانية كما تشتهي الحكومة.
رغم ذلك فهناك من يرى في أنها تهيئة لسنوات عجاف قادمة، خاصة أن الحكومة لم ينقطع حديثها عن تكلفة دعم الكهرباء والماء.
موضوع إعادة توجيه الدعم الحكومي، أو رفعه، لا يتجزأ عن موضوع عام يُعتبر الخوض في تفاصيله من المحرمات تقريباً، ألا وهو موضوع المال العام، تعريفه، مصادره، أوجه صرفه، الرقابة عليه، مخالفة المتسببين في إهداره أو السرقة منه، هذا الموضوع كامل لا يتجزأ. وعندما أقول هنا "تفاصيل" لأن هناك معلومات وأرقاما موجودة وتُعرض على مُمثلي الشعب، ولكن من يستطيع أن يسأل عن، أو يدقق في، صحة هذه اﻷرقام؟ شخصياً لا أثق في دقة أي رقم في هذه الموازنات.
هذا لا يعني بطبيعة الحال دعوة إلى عدم التعاطي مع ما هو متوفر من معلومات، فهي رغم قلتها، أو كثرتها ونقص دقتها، إلا أنها توفّر مساحة لاجتهاد العاملين في الشأن العام.
ما يُغيظ الشعب البحريني اليوم هو أنه كان وما زال ينتظر زيادةً في الرواتب، وحلاً جذرياً لمشكلة اﻹسكان المتفاقمة، فيفاجأ بأن شد الحزام لاح في أفقه القريب، في الوقت الذي يصدر فيه ديوان الرقابة المالية التقارير عاماً بعد عام، لا يمل عن كشف المخالفات من دون أن يُسمع عن محاسبة رادعة، تتناسب والشح المُعلن عنه في موارد الدولة.
رفع الدعم أو إعادة توجيهه، ومستوى رفاهية الشعب، ومدى رضا هذا الشعب عن نظامه الحاكم، ثلاثية مترابطة لا يمكن فصل واحدة منها عن اﻷخرى، فلا تستغرب إن قارن فقير في أحد أحياء المحرق أو على شاطئ سترة ارتفاع أسعار اللحم أو البنزين بقيمة علف خيول سباقات القدرة أو تكلفة تنظيم بعض اﻷحداث الرياضية أو الثقافية، أو ما يحصّله أبناء بعض العوائل دون سواهم من مخصصات شهرية، ﻷن اﻷمر كذلك، مترابط في فهم المواطن البسيط والاقتصادي الصادق!
(البحرين)