تعود منطقة الباقورة، التي استعادها الأردن، نظرياً، من إسرائيل بموجب معاهدة السلام الأردنيّة الإسرائيليّة، الموقّعة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، إلى عهدة المملكة بعد خمس سنوات مقبلة، حين ينتهي عقد تأجيرها للإسرائيليين المحدّد بـ25 عاماً.
والباقورة أرض أردنية خالصة، تبلغ مساحتها ستة آلاف دونم، احتلتها إسرائيل عام 1950، من دون ضجيج، إذ بقي الأردن صامتاً على ذلك الاحتلال، الذي لا تعرف تفاصيله، بلا ذكر أو مطالبة صريحة باستعادة أراضيه، حتى أفاق الأردنيون عام 1994 على أن أجزاءً من بلادهم محتلة، وأن معاهدة "وادي عربة" ستعيدها.
تعيد المعاهدة إلى السيادة الأردنيّة، نصاً وتطبيقاً، ما مساحته 850 دونماً من الأرض المحتلة، ويقضي العقد بتأجير إسرائيل المساحة المتبقية، من دون أن تنصّ الاتفاقية على مدّة الإيجار أو البدل المالي.
وعلى الرغم من أنّ مدّة الإيجار غير واردة في المعاهدة، لكنّ تصريحات المسؤولين الأردنيين والإسرائيليين، الذين كانوا طرفاً في المفاوضات، تكشف المدّة. فرئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي، الذي وقع المعاهدة، أكد في تصريحات صحافية متعاقبة أنّ مدة إيجار الباقورة هي 25 عاماً، وهو ما أكده أيضاً رئيس الموساد الأسبق افرايم هاليفي، في مذكراته التي نشرها تحت عنوان "رجل في الظلال".
يدعي هاليفي في كتابه، أنه هو الشخص الذي فاوض الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، حول مدة إيجار الباقورة، والتي كادت أن تودي باتفاقية السلام، نتيجة إصرار إسرائيل على التمسّك بها. ويكشف في الكتاب نفسه، مدى تفريط الطرف الأردني بالباقورة، حين انتزع في لقاء مع الملك الراحل إيجاراً لمدة 25 عاماً، في ما يشبه مزاداً علنياً بدأ بخمس سنوات وانتهى بما انتهى إليه.
يبرر المجالي موافقة الأردن على تأجير الباقورة، أو استغلالها، كما يطيب له أن يقول، بأنّ أرضها مملوكة ملكاً خاصاً لإسرائيليين منذ عام 1926. لكن كيف أصبحت تلك الأرض ملكيّة خاصة لإسرائيليين؟ تعود بداية انتقال ملكية أرض الباقورة إلى الإسرائيليين، مع منح الحكومة الأردنية عام 1928 عقد امتياز على كاملة المساحة إلى الصهيوني بنحاس روتنبرغ، لإقامة مشروع توليد كهرباء فلسطين، في مقابل حُدد حينها بثلاثة جنيهات فلسطينية لكل دونم.
واللافت أن عقد الامتياز المحفوظ في دائرة الأراضي والمساحة في مدينة إربد، شمالي الأردن، حتى الآن، يشترط عدم تنازل صاحب الامتياز عن هذه الأرض أو بيعها لأي جهة، على أن تعود ملكيّة أيّ مساحة تزيد على حاجة المشروع إلى الحكومة الأردنيّة، وأن تعود ملكيّة الأرض للحكومة الأردنيّة حال انتقال ملكيتها لأيّ جهة أخرى.
غير أن روتنبرغ تعمّد، وهو صهيوني متحمّس شارك في تأسيس عصابات "الهاغانا"، بيع الأراضي التي حصل على حقّ استغلالها ضمن عقد الامتياز إلى "الوكالة اليهوديّة" التي باعتها إلى شخصيّات إسرائيليّة لتصبح أملاكاً خاصة بهم، وهو البيع الذي أقر به المفاوض الأردني عندما أجّر الباقورة لإسرائيل، من دون أن يطالب بتطبيق عقد الامتياز الذي يحصّن الأراضي الأردنيّة من البيع.
يصرّ الأردن الرسمي، على أنّه حقق نصراً، عندما أعاد أراضي الباقورة، حتى المؤجّرة منها للطرف الإسرائيلي إلى سيادته، لكنّ تلك السيادة تظهر مشوّهة كما ينظمها الملحق الأول، في القسم الثاني (ب) من معاهدة "وادي عربة".
ينصّ الملحق على اعتراف إسرائيل بأنّ المنطقة تقع تحت السيادة الأردنيّة، وفيها حقوق ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلياً، لكنّها تفرض على الرغم من اعترافها بالسيادة الأردنيّة، على الأردن، عدم تطبيق تشريعاته الجمركيّة أو المتعلّقة بالهجرة على مستعملي الأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين عبروا إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض.
كما يلتزم الأردن، تطبيقاً للاتفاقية، بعدم فرض ضرائب تميزيّة أو رسوم تميزيّة على الأرض أو الأنشطة فيها، ويسمح الأردن بدخول ضبّاط الشرطة الإسرائيليين، بزيّهم العسكري وبأسلحتهم، إلى تلك الأراضي، وأكثر من ذلك في ظلّ سيادته المنصوص عليها، يمتنع الأردن عن تطبيق قوانينه الجنائية على الأنشطة في تلك المنطقة.
تبقى أمام عودة الأرض إلى الأردن تطبيقاً لعقد الإيجار خمس سنوات، وهي العودة التي لا يتفاءل فيها غالبية الأردنيين، وخصوصاً أنّ عقد الإيجار يقترب من عقد الإذعان.