في زيارته الأميركية الأولى كبابا للفاتيكان وكخورخي ماريو بيرغوليو (الاسم الحقيقي للبابا قبل انتخابه في عام 2013)، لاحقت التفسيرات كل تفاصيل الزيارة. وعكس ما حصل مع أسلافه أو حتى رؤساء الدول، استقل البابا سيارة صغيرة غير مصفّحة من ماركة "فيات 500" بعد انتهاء مراسيم الاستقبال، في مطار عسكري خارج واشنطن، والتي حضرها الرئيس باراك أوباما وعائلته ووفد دبلوماسي رفيع المستوى.
تقصّد البابا بخطوته هذه الإشارة إلى البيئة والتغيير المناخي كأزمات "لا يُمكننا أن نتركها للأجيال المقبلة"، كما قال في كلماته التي ألقاها لاحقاً في زيارته للبيت الأبيض وأمام الكونغرس، أمس الخميس، في مواجهة نوابٍ يرفضون التصديق بوجود مشاكل كبيرة في مجال البيئة والاحتباس الحراري.
ومن المتوقع أن يحتل الملف البيئي مكانه في كلمة البابا، اليوم الجمعة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 70، والتي افتُتحت في نيويورك. لكن هناك مواضيع أخرى لا تقلّ أهمية، سيركز عليها البابا في كلمته، التي يتوقع أن تستغرق 30 دقيقة. ومن بين تلك المواضيع: الفقر واللامساواة الاقتصادية والهجرة والتسامح والتآخي.
اقرأ أيضاً في البيت الأبيض: البابا يدعو الأميركيين لبناء مجتمع متسامح
وستتضمن كلمته أمام الجمعية العامة، بحضور وفود عن أكثر من 193 دولة عضو وبعض رؤساء الدول، انتقادات حادة للسياسات الأوروبية ومعاملتها للاجئين من الشرق الأوسط ودول أخرى تشهد صراعات. بالإضافة إلى انتقادات لتعاملها مع المهاجرين إليها لأسباب اقتصادية، وغرق الآلاف منهم أمام الشواطئ الأوروبية. ولن "تسلم" الولايات المتحدة وسياستها بحقّ "اللاجئين غير القانونيين"، أو الجدل الحامي الوطيس داخلياً حول مسائل الهجرة، من انتقادات البابا.
في السياق، لم تكن صدفة أن يأتي البابا من جنوب القارة الأميركية إلى الولايات المتحدة، أي من كوبا، فالفاتيكان أدى دوراً في التقارب الأميركي الكوبي الأخير. لكن البابا الأرجنتيني، وصف نفسه في أول خطاب رسمي له على أرض الولايات المتحدة، بأنه "ابن مهاجرين". وهو ما قاله كذلك قبل دخوله الولايات المتحدة، حين تحدث عن قدومه إليها كـ"مهاجر من الجنوب، لا فقط كضيف".
كما يلقي البابا خلال زيارته إلى الولايات المتحدة 18 خطاباً وكلمة، أربعة منها فقط باللغة الإنجليزية والبقية بلغته الأم، الإسبانية. وفي زيارته إلى نيويورك، التي بدأت أمس، التقى طلاب مدرسة تقع في منطقة فقيرة، شرقي حي هارلم في منطقة مانهاتن، تسكنها أغلبية من المهاجرين وأبناؤهم المنحدرون من أميركا الجنوبية.
بعث البابا في زيارته المدرسة رسالة قوية لدعم هؤلاء المهاجرين، في ظلّ توجيه الجمهوريين انتقادات حادة لهم، وسط الجدال الذي تشهده الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، والتصريحات العنصرية بحق المهاجرين المنحدرين من أميركا الجنوبية والمكسيك تحديداً.
ولم يسلم البابا نفسه من الانتقادات، وهذه المرة من السكان الأصليين للبلاد، فحين أعلن عن "قداسة" الأسقف يونيبيرو سيرا، اعترض السكان الأصليون على ذلك، لأنهم يعتبرونه من المسؤولين عن إجبارهم على اعتناق المسيحية الكاثوليكية، وعن المجازر ونشر الأمراض، قبل 250 عاماً في كاليفورنيا.
ومن المواضيع المهمة التي سيتناولها البابا في خطابه أمام الجمعية العامة: الفقر والفروق الاقتصادية في العالم ومسألة مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة. كما انتقد البابا أكثر من مرة النظام الرأسمالي وتبعاته وآثاره السلبية في الولايات المتحدة وخارجها. ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الكتاب اليمينيين المعروفين، مثل جورج وول وآن كولتير انتقدوا البابا بشدة، واتهموه بـ"الفوضوية والراديكالية".
وتشكل زيارة البابا فرانسيس تحدياً لقوات الأمن والاستخبارات والشرطة الأميركية، فهو معروف بحبّه للتقرب من الناس، وكثيراً ما يهمل تعليمات رجال الأمن ويتوجه لمعانقة الناس والحديث معهم عندما يرغب بذلك أو يرى أشخاصاً يحاولون قطع الحواجز الأمنية للوصول إليه. كما تأتي زيارته لنيويورك وسط اجتماعات الجمعية العامة، الأمر الذي يشكل تعقيدات لوجستية وأمنية شديدة تشهدها المدينة، بما في ذلك إغلاق شوارع ومناطق عديدة بشكل كامل أمام السيارات الخاصة وبعض الباصات العمومية. وسيحيي البابا أكثر من قداس في نيويورك ولعل أبرزها، في حديقة "سنترال بارك"، ومن المتوقع أن يحضره 80 ألف شخص. وسيشرف على حراسة البابا والأمن في المناطق المختلفة حوالى 6 آلاف شرطي وأكثر من ألف سيارة شرطة.
كانت زيارات بابا الفاتيكان للولايات المتحدة دائماً حدثاً مهماً وذلك يعود طبعاً لأهمية الولايات المتحدة كقوة عظمى ولأن عدد رعايا الكنيسة الكاثوليكية يصل إلى 70 مليوناً. لكن زيارة البابا فرانسيس تثير ضجة وصدى استثنائياً، بسبب مواقفه وتصريحاته الجريئة وخطابه المختلف، الذي يحاول من خلاله التناغم مع هموم البشرية. وليس مفاجئاً إذاً الاهتمام المتزايد من الشباب ومن الأميركيين غير الكاثوليك بزيارة البابا.
اقرأ أيضاً الدورة الـ70 للأمم المتحدة: نووي والقدس ولاجئون