الانتفاضة الشاملة للقدس مؤجلة بانتظار الضفّة

01 نوفمبر 2014
إجراءات أمنيّة مشدّدة في القدس (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
 

يستفيد التصعيد الحاصل في القدس المحتلّة في مواجهة الاحتلال، في الأسابيع الأخيرة، من انقشاع غبار الحرب على غزة، والتي غطّت على واقع الانتفاضة في القدس المحتلّة، بفعل هول الجرائم الإسرائيليّة اليوميّة التي ارتكبت في القطاع.
ويتيح استمرار الانتفاضة، التي أشعلت جريمة قتل الشهيد محمد خضير نيرانها، في يوليو/تموز الماضي، لسكان القدس المحتلّة، متسعاً لانتفاضة أطلقت عليها الصحف الإسرائيلية، في ظلّ غياب استخدام الأسلحة الناريّة، مسميات عدّة، بدءاً من "انتفاضة الأطفال"، مروراً "بالانتفاضة الهادئة" وانتهاء بـ "الهبّة الشعبيّة".
وعلى الرغم من ارتفاع لهيب ألسنة الانتفاضة الهادئة، حول بوابات المسجد الأقصى، بين حين وآخر، لكنّ حكومة الاحتلال تمكّنت من التعتيم عليها وتجزئتها إلى "أعمال شغب" متفرّقة هنا وهناك، نسبتها لأولاد وفتية غير منظمين، لا ينضوون تحت لواء فصيل من دون سواه.

وتمكّنت عمليّة الدهس التي نفّذها الشهيد عبد الرحيم الشلودي من سلوان، قبل أقلّ من أسبوعين، من إسقاط كلّ الستائر والحواجز، عمّا يحدث في القدس المحتلّة. لم تعد المسألة إعلامياً وإسرائيلياً، مجرّد عمليّات "كرّ وفرّ" في باحات الأقصى، ولا حوادث رشق، ما دفع الاحتلال إلى الاعتراف بواقع الانتفاضة في القدس، وتشديد إجراءاته، الاحتلاليّة عسكرياً، والإجرائيّة داخل القدس "الموحّدة"، من خلال تشديد العقوبات الجنائيّة على الشبان وعلى أهاليهم. وكان رئيس بلدية الاحتلال، نير بركات، وقبل محاولة اغتيال المتطرف يهودا غليك، قرّر تكثيف تطبيق القانون الإسرائيليّ في القدس المحتلّة، عبر زيادة وتيرة هدم البيوت وإغلاق المحال التجارية بدون تصاريح، وفرض غرامات مالية على أهالي الشبان المتّهمين برشق الحجارة، في محاولة للضغط على الأهالي، لعلّهم "يردعون أبناءهم وشبابهم عن المضي في عمليّات تخرق روتين الحياة في المدينة العاصمة".

وإذا كانت عملية الشلودي، قد أسدلت ستائر التعتيم على ما يحدث في القدس، مع تكثيف الصحافة الإسرائيليّة في الأسبوعين الماضيين تغطية أحداث الانتفاضة، ودعوات اليمين الإسرائيلي، لاستعادة السيادة الإسرائيلّية في القدس، فإنّ محاولة اغتيال غليك، قبل يومين، أسقطت إسرائيلياً وباعتراف محللين إسرائيليين أيضاً، الأوهام التي باعها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للإسرائيليين، حول ضبط الأمن وفرضه طيلة سنوات حكمه. ويبدو أنّ الانتفاضة الحالية، وفق إقرار الصحافة الإسرائيليّة ومسؤولين مختلفين، مستمرّة في القدس، من دون أن يحظى أهلها بأي دعم جماهيري من الضفّة الغربيّة ومدنها، بفعل التنسيق الأمني القابض على أهالي الضفّة قبضاً محكماً، لا يتيح لهم حتى الخروج بتظاهرة تضامن مع القدس. وعلى الرغم من الكلام المعسول الصادر عن مسؤولي السلطة الفلسطينيّة وتهديدهم بأنّ ما يحدث في القدس "إعلان حرب"، لكنّهم يواصلون في الوقت ذاته، إعطاء الأولويّة للتنسيق الأمني، الذي أحدث وفق تقارير "الشاباك" الإسرائيلي، انقلاباً في موازين العمل الفلسطيني منذ عام 2008، تزامناً مع طموحاتهم بعودة السلطة للانتشار في قطاع غزّة ومحاصرة "حماس".

وترصد تقارير "الشاباك" منذ عام 2008، وفق ما أوردته صحيفة "هآرتس"، تراجعا في المقاومة الشعبيّة والرسميّة في الضفّة، مقابل تعاظم هذه المقاومة والعمليات داخل مدينة القدس، لا سيّما بعد أن حطّمت إسرائيل القيادات الفلسطينيّة المقدسيّة، ولم يبق لها تأثير أو حتى مقار تنشط منها، خصوصاً بعد إغلاق "بيت الشرق"، الذي أداره الشهيد فيصل الحسيني حتى وفاته. وتتعلّق المعضلة الأساسيّة في سياق مواجهة الاحتلال للسيناريوهات المحتملة، وفق تقارير الشاباك، بمنفّذي العمليات، وهم من الأفراد الذين لا يمكن الوصول إلى معلومات عنهم أو عن عملياتهم، قبل تنفيذها.
فلسطينياً، يضع الواقعُ الجغرافي للقدس المحتلة، أحياءها وقراها تحت رحمة أطواق الشرطة والعسكر، في حال استمرار صعود ألسنة اللهب منها، كون معظمها عبارة عن قرى محيطة بالقدس، لكنّها باتت جزءاً منها، وفق قرار الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع رقعة ومساحة المدينة منذ العام 1967. ويمكن محاصرة هذه الأحياء ــ القرى، مثل العيسويّة والطور وأبو ديس وجبل المكبر والعيزرية وحتى وادي الجوز وسلوان، بواسطة عدد قليل من المركبات العسكريّة والشرطيّة تتمركز عند منافذ ومشارف هذه الأحياء، عدا عن إمكانيّة تطويقها واحتواء أيّ عمليات أو تظاهرات شعبيّة من خلال نشر مئات العناصر من حرس الحدود والشرطة. وسيكون بمقدور الاحتلال، في موازاة ذلك أيضاً، التفرّد بكل حيّ أو قرية وتشتيت قوى الشبان، خصوصاً بعد حصر وتقييد حرية التنقّل والحركة، بشكل يحول من دون القدرة مثلا على تنظيم مسيرات وتظاهرات شعبيّة في القدس.

ولن يكون بمقدور انتفاضة القدس الحالية، في ظلّ قمع السلطة الإسرائيليّة، والسلطة الفلسطينية نفسها، للقيادات الفلسطينية المقدسّية وتحديد دورها، أن تصمد طويلاً. ويبدو أنّ الحكومة الإسرائيليّة، قرأت جيداً هذه السيناريوهات، عندما سمحت يوم الإثنين الماضي، لرئيس الحكومة الفلسطينيّة، رامي الحمد الله، بدخول القدس وزيارة الحرم القدسي الشريف.
وكانت القناة الإسرائيلية الأولى، أشارت في معرض تعليقها على الزيارة، إلى أنّ الهدف منها "سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين في القدس وإظهار وجود السلطة الفلسطينيّة، مع إتاحة المجال لتهدئة الأوضاع، خصوصاً في ظلّ الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، في تهدئة الخواطر والأوضاع، وتمنع امتداد حريق القدس إلى قرى ومدن الضفّة الغربيّة، وفق عقيدة التنسيق الأمني المشترك مع إسرائيل".

وفي إطار الإجراءات الإسرائيليّة الاحترازيّة، نشرت سلطات الاحتلال، أمس الجمعة، قرابة ثلاثة آلاف عنصر من الشرطة وحرس الحدود في شوارع وأزقّة القدس المحتلّة، وكثفت من انتشار عناصرها الأمنية حول بوابات المسجد الأقصى، في موازاة إعلانها السماح فقط، لمن هم فوق الخمسين عاماً من الرجال، بالدخول لأداء صلاة الجمعة.
وتؤكّد تقارير إسرائيلية مختلفة، أنّ إسرائيل رفعت حالة التأهّب في القدس لأقصى درجة، فيما تبادل اليمين الاتهامات مع الشرطة الإسرائيليّة، بعد محاولة اغتيال غليك، بدعوى أن الأخير قدّم شكاوى عدّة، حول تلقيه تهديدات بالقتل، كما طُرحت تساؤلات كثيرة حول كيفيّة تمكّن الشهيد معتز حجازي، على الرغم من كونه أسيراً محرراً، من العمل في مقهى قرب "ميراث بيغن"، الذي يؤمّه كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو.