تصرّ آلة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي الأردنية، على التغنّي بـ "الإنجاز الكبير" الذي تجسّد في إجراء الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات (اللامركزية)، وترديد الأسطوانة المملّة على مسامع الأردنيين، القائلة، إن "الإقليم يحترق، والدولة الأردنية قادرة على إجراء انتخابات ديمقراطية، بكل شفافية ويسر".
في الحقيقة، لم تكن الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات، في المستوى المطلوب، بل كانت دون الهدف المنشود على الأقل، وعرفت العملية الانتخابية ككل فشلًا ذريعًا، ولم تكن"عرسًا" بالمعنى الذي أراده الأردنيون، وفق الكاتبة جلنار الراميني.
فمن الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، تقول الراميني، "لم تحظ العملية الانتخابية بالنجاح، ولم تحقّق أدنى متطلبات العرس الديمقراطي، نتيجة لوجود الفوضى التي سيطرت على المشهد الانتخابي، عدا عن عدم قناعة غالبية الأردنيين بماهية الانتخابات الجديدة، فباتت خيارات النوم والبقاء في المنزل والاستجمام مع العائلة، والزيارات الاجتماعية أهم ما سيطر على يوم العطلة الرسمية الذي صادف الانتخابات".
ففي الوقت، الذي كان فيه التلفزيون الوطني الرسمي، يحلّق في سماء التغطية المتواصلة، لسير العملية الانتخابية، من خلال شبكة مراسلين، وإن كان جلّهم يفتقر للخبرة الإعلامية، لتهويل المشاركة في عملية الاقتراع، كان الاستياء يتصاعد لدى المواقع الإخبارية المحلية الخاّصة، فضلًا عن الفضائيات المحليّة والإذاعات، التي تحدّثت عن قلة المشاركة، وعزوف أطياف كبيرة من الشعب عن "الرقص" في "العرس الديمقراطي".
شحنات الاستياء هذه، برزت جليًا في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، فهاجمت التعليقات"الهيئة المستقلّة للانتخاب"، وهي الجهة التي أشرفت على هندسة العملية كاملة، ما شكّل موقفا موحّدًا لدى الأردنيين، عنوانه "الخيبة".
استقالة معظم الشباب الأردني من العملية الانتخابية خيّبت الآمال، وكان التركيز على مشاركتهم هو أحد الأهداف "الكبيرة" للهيئة، التي سعت منذ الأيّام الأولى، وفي كل برامج وخطط الترويج لديها، لجذب الشباب للمشاركة في الاقتراع، فسخّرت لهذا الهدف، جيشًا إلكترونيًا، كان قريبًا من "هموم الشباب"، ولغتهم في العالم الافتراضي. وكانت الهيئة، أطلقت حملة إلكترونية، تستهدف تشجيع الشباب وحضّهم على الترشّح لرئاسة وعضوية البلديات ومجلس المحافظة اللامركزية، فضلًا عن المشاركة في الاقتراع، تحت عنوان "شو ناقصنا"؟
وفي المنشور، الذي تصدّر صفحات الهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي طيلة الفترة الماضية، وقبل يوم الاقتراع، تمّ توجيه أسئلة عدة من خلاله، في محاولة لحضّ الشباب على خوض هذه الانتخابات، فيما كانت ردود الفعل من الشباب الأردنيين، وهم يجيبون عن هذه الأسئلة، رفع شعارات الإحباط واليأس، التي تصيب أصلًا المجتمع الأردني، من مجلسه النيابي، وتنسحب أيضًا على خيارهم في المشاركة في انتخابات المجالس المحليّة.
حالة الإحباط هذه، يوضّح الصحافي والناشط عيسى الغزاوي، غدت مزروعة في قلوب الشباب، حتى قبل الانتخابات الأخيرة، موضحًا، أن "المبادرات التي أطلقتها الهيئة، تأتي في وقت وصل الشباب إلى مرحلة اليأس من الانتخابات والمشاركة في الشأن العام، وتنامي الشكّ لديهم، مما تعلنه الحكومة من حملات تستهدف مشاركتهم في صناعة القرار سواءٌ الخدمي أو السياسي".
ويرجع ذلك إلى أسباب عدة؛ يبيّن الغزاوي، منها، عدم جديّة الحكومة في استهداف الشباب ضمن برامجها، مشيرًا إلى أن هذه الحملات، التي أطلقتها الهيئة المستقلّة ضعيفة وتقليدية، ولن تصل إلى شرائح كبيرة.
الجدير ذكره، أن غالبية التعليقات التي ردّت على أسئلة الهيئة في المواقع الالكترونية، خاصة فيسبوك، أعلنت رفضها المشاركة في العملية الانتخابية، اقتراعًا وترشحًا، معلّلة ذلك، بأن "الحكومة أساسًا غير جادّة في إشراك الشباب في صناعة القرار، وأن إجراءاتها، لا تتعدّى كونها مجرّد معالجة لأعراض المرض، وليس المسبب له، وأنه لا يوجد أي دور فعلي للشباب في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية".
من جانبه، يوضّح الكاتب رومان حداد في حديث إلى"جيل"، أن الأردنيين لم يستوعبوا تمامًا فكرة اللامركزية، وهذا نتيجة ضعف في تسويق الفكرة من قبل الحكومة، حيث غابت الدعاية الحكومية أو برامج التوعية والتثقيف الضرورية ليفهم المواطن البعد الحقيقي للامركزية ودورها في إدارة المحافظة.
كما أن غياب الشخصيات ذات الدلالة السياسية عن المشهد، أضعف الإقبال على الانتخابات، بالإضافة إلى غياب الأحزاب عن المشهد الذي أعطى دلالة واضحة على ضعف الأحزاب وابتعادهم عن التأثير على الشارع، وتحديدًا الشباب، يضيف حداد.
وعلى ما يبدو، فإن الإجابة السريعة عن سؤال عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، يمكن تلخيصها في عبارة واحدة، وهي "الاستقالة من العمل العام"، تحت وطأة الإحساس بالخيبة، أو اللاجدوى، أو "وأنا مالي"؟ بحسب تعبير الكاتب الصحافي حسين الرواشدة.
وأكثر ما يلفت النظر في هذه المعضلة، أن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة، يتركّز في المحافظات الكبرى، مثل عمان والزرقاء وإربد، رغم أن هذه المحافظات، تتركّز فيها الشريحة الواسعة من المتعلّمين وقادة الرأي، والشباب، في الوقت الذي تشهد فيه محافظات الأطراف، ارتفاعًا في نسب التصويت.
أخيرا، سجّل ظهور الأردنيين، وخاصّة الشباب والشابات منهم، عند صناديق الاقتراع في الانتخابات، رقمًا متواضعًا، هو 31.7 %، ويُشير هذا المعدّل الخاص بالمشاركة في انتخابات وطنية، إلى خلل أساسي في العلاقة بين المواطن، وفكرة الانتخابات، كوسيلة لمشاركة الناس في تقرير مستقبلهم، وفق الكاتب علاء الدين أبو زينة.