يردد الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي باستمرار أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في تونس لن تكون محددة للسنوات الخمس المقبلة فقط، وإنما لخمسين سنة. وعلى الرغم من أن هذا الرأي قد يحمل نوعاً من المبالغة، إلا أن شخصيات سياسية كثيرة في تونس تؤكد أنها ستكون انتخابات حاسمة ومصيرية وقد تغيّر المشهد بشكل كبير، خصوصاً بعد أن اختارت معظم الشخصيات السياسية الرئيسية في تونس الترشح للانتخابات الرئاسية. والمؤكد أن هذه الانتخابات ستضع تونس نهائياً على سكة الدول الديمقراطية بعد أن أثبتت ذلك في كل الاختبارات السابقة، وخصوصاً بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي وانتقال السلطة بشكل سلس في بضع ساعات فقط، وهو ما نبّه الجميع في الداخل والخارج إلى أن التونسيين، شعباً ونخباً سياسية ومؤسسات، اختاروا نهائياً طريق الصندوق لحسم خلافاتهم واختيار حكامهم وتقييم تجربتهم.
ولكن المؤكد أيضاً أن انتخابات 2019 ستكون مغايرة تماماً لانتخابات 2014، شكلاً ومضموناً، إذ قامت الأولى على استقطاب ثنائي بين معسكري السبسي والمرزوقي، بكل المكوّنات الخلفية لكل منهما، الثورة والثورة المضادة، الحداثة والرجعية، الدولة والفوضى، القديم والجديد، وغيرها من الشعارات التي حملت كمّاً هائلاً من المفاهيم الفكرية والأيديولوجية في تلك المعركة.
وبعكس 2014، يبدو أن جميع المتنافسين على الرئاسة هذه المرة ينطلقون من الخط نفسه، وبالحظوظ النظرية نفسها، إذ سقطت التحالفات مسبقاً، وقررت حركة "النهضة" ألا تدعم أحداً من خارجها بعد ترشيح نائب رئيسها عبد الفتاح مورو للرئاسة، وألا يذهب "صندوق دعمها" إلا لنفسها، على حد تعبير رئيس مجلس الشورى فيها عبد الكريم الهاروني.
وأمام هذا الانفصال السياسي، سقطت فكرة المعسكرات، إلى غاية عودتها الممكنة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وتراجع الخطاب الأيديولوجي بشكل كبير، خصوصاً بعد دخول ملف المساواة في الميراث إلى أدراج البرلمان.
وجاء رحيل السبسي ليغيّر الموازين السياسية تماماً، فلم يقدّم حزبه "نداء تونس" مرشحاً من شخصياته، وسقطت مقولة التوريث، فبحث الحزب عن مرشح غير متحزب، واستقر الرأي أخيراً على وزير الدفاع الذي استقال أمس من منصبه عبد الكريم الزبيدي، الذي يحظى أيضاً بدعم حزب "آفاق تونس"، على الرغم من أن الزبيدي يؤكد أنه سيبقى مرشحاً مستقلاً وعلى المسافة نفسها من الجميع. وقد يتجه إلى دعمه أيضاً حزب "مشروع تونس"، أحد مشتقات "النداء"، بينما توجّه آخرون من الحزب نفسه إلى قائمات لأحزاب أخرى في الانتخابات التشريعية، وبقي الشق الأكبر، "تحيا تونس" ورئيسه يوسف الشاهد، في حيرة أمام هذا الوضع الجديد، الذي عقّده قرار "النهضة" بعدم دعمه، بالإضافة إلى مؤشرات مقلقة لهذا الحزب بسبب نتائجه الضعيفة في تجربتين لانتخابات بلدية معادة أثارت التعجب وكذّبت فكرة الانتشار السريع في زمن قياسي.
وعلى الرغم من أن الشاهد أكد أن حزبه جديد ولم يمضِ على تأسيسه إلا أشهر قليلة، وأنه لا يعمل فقط من أجل هذه الانتخابات، إلا أن تقديمه في صورة المنافس الأقوى تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة، ويُنتظر أن يعلن الشاهد اليوم الخميس عن قراره النهائي بشأن الرئاسية.
ومقابل التعسكر الذي عرفته انتخابات 2014، والذي سهّل نسبياً عملية الاختيار لدى الناخبين في ذلك الوقت، فإن التشظّي والضبابية هما سيدا الموقف في 2019، مع وجود قيادات وشخصيات من الحجم الكبير في هذا السباق. فقد تقدّم حتى الآن تباعاً كل من رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، والأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" محمد عبو، والقيادي في حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" منجي الرحوي، ورئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، ورئيس حزب "البديل التونسي" رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، ونائب رئيس "النهضة" عبد الفتاح مورو.
اقــرأ أيضاً
وحمل أمس الأربعاء دخول شخصيات من الحجم الثقيل، هي الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، واليساري المعروف حمة الهمامي، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، فيما تُنتظر في اليومين المتبقيين مواقف يوسف الشاهد وأحمد نجيب الشابي وربما رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، وقيس سعيد الذي يبرز في كل الاستطلاعات من دون توفيق واضح.
وتتنازع هذه الأسماء القواعد الانتخابية نفسها تقريباً، وستكون المنافسة على أشدها داخل مختلف القواعد الأصلية، القوى الثورية (بمختلف تنويعاتها)، العائلة الدستورية والتجمعية، العائلة اليسارية، بالإضافة إلى وافدين جدد من خارج هذه السياقات مثل القروي والزبيدي، اللذين جاءا من خارج المنظومة الحزبية التقليدية ولم تتحدد هويتهما السياسية لدى الناخبين على الرغم من وجود ملامح مختلفة لكل منهما.
وأعلن الزبيدي أمس استقالته من منصبه وزيراً للدفاع، إثر إيداع ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، متعهداً بمواصلة مهامه في تسيير الوزارة إلى حين تعيين وزير جديد، واضعاً بذلك ضغطاً كبيراً على يوسف الشاهد إذا كان ينوي الترشح، ولكن الأخير أعلن منذ أيام أنه لا يرى تعارضاً بين مواصلة مهامه والترشح للانتخابات، وكذلك الشأن بالنسبة لعدد من وزرائه الذين يترأسون قائمات حزبية في التشريعية. وتعرّض الزبيدي في مواقع التواصل الاجتماعي إلى حملة تشويه كبيرة طاولت حتى عائلته، وشهدت الأيام الأخيرة بروز تسريبات واتهامات لمختلف المرشحين، ما دفع المرزوقي إلى التأكيد أن "نجاح تونس في الاستحقاق الانتخابي المقبل مرتبط بالأساس بابتعاد الطبقة السياسية عن السب والشتم والتجريح".
وأوضح المرزوقي في ندوة صحافية عقدها أمس، أن الشعب التونسي هو الذي سيقرر من يصل إلى الدور النهائي وهو الذي سيختار من يمثله، مضيفاً أن الشعب التونسي لا يجب أن ينصت إلى استطلاعات الرأي لأنها تدخل في إطار حرب نفسية، وعليه أن يبني خياره على أسس التجربة والخبرة والأخلاق وهي مقاييس معروفة، مشيراً إلى أن الانتخابات المقبلة مفصلية لأنها ستبني مستقبل تونس لسنوات.
وقال المرزوقي إنه مارس حقه في الترشح للرئاسيات بكل شفافية وديمقراطية وهو سعيد لأن التونسيين بإمكانهم الترشح بكل حرية، موضحاً أنه في عهد الديكتاتورية تم القبض عليه من قبل البوليس السياسي واقتياده للتحقيق فقط لأنه أعلن عن رغبته في الترشح وتنظيم مؤتمر صحافي. ودعا المرزوقي الطبقة السياسية لأن تكون في المستوى وأن تكون المنافسة في ما بينها على البرامج والأفكار، فالمتخاصمون اليوم هم أصدقاء الغد خصوصاً أنه على يقين من أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة توافق وطني وأن رئيس الحكومة ورئيس البرلمان لن يكونا من الحزب نفسه، وفق قوله. وأشار إلى أن النظام الانتخابي يفرض التنوع وسيفرز مشهداً متعدداً، مضيفاً أن "التوافق ضروري لإنشاء حكومة مستقرة وللمضي في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لنرتقي إلى تطلعات الشعب التونسي".
وبقطع النظر عن حظوظ المتنافسين، فإن عاملاً مهماً دخل على الخط ويتمثل في مليون ومائتي ألف ناخب جديد، لم تتوضح خياراتهم بشكل جلي، وأغلبهم من الشباب والنساء، مع أن معايير التصويت لن تكون هذه المرة على أسس الهوية والانتماء كما حصل في الانتخابات السابقة، وإنما بالأساس حول الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية، والآمال المعقودة على المستقبل القريب للخروج سريعاً من الأوضاع الصعبة التي تمر بها تونس. وستكون شعارات البدائل ومنظومات الحكم ونتائجها في قلب هذه المعركة التي ينتظر أن تكون حامية، وتداعياتها على الانتخابات التشريعية كبيرة، وقد تأتي برسم جديد لمشهد تونسي متقلب يبحث عن الاستقرار أخيراً والتفرغ لأهداف الثورة الأساسية، إنقاذ المناطق المنسية وتقليص البطالة، والأهم بث آمال جديدة في التونسيين.
اقــرأ أيضاً
ولكن المؤكد أيضاً أن انتخابات 2019 ستكون مغايرة تماماً لانتخابات 2014، شكلاً ومضموناً، إذ قامت الأولى على استقطاب ثنائي بين معسكري السبسي والمرزوقي، بكل المكوّنات الخلفية لكل منهما، الثورة والثورة المضادة، الحداثة والرجعية، الدولة والفوضى، القديم والجديد، وغيرها من الشعارات التي حملت كمّاً هائلاً من المفاهيم الفكرية والأيديولوجية في تلك المعركة.
وبعكس 2014، يبدو أن جميع المتنافسين على الرئاسة هذه المرة ينطلقون من الخط نفسه، وبالحظوظ النظرية نفسها، إذ سقطت التحالفات مسبقاً، وقررت حركة "النهضة" ألا تدعم أحداً من خارجها بعد ترشيح نائب رئيسها عبد الفتاح مورو للرئاسة، وألا يذهب "صندوق دعمها" إلا لنفسها، على حد تعبير رئيس مجلس الشورى فيها عبد الكريم الهاروني.
وأمام هذا الانفصال السياسي، سقطت فكرة المعسكرات، إلى غاية عودتها الممكنة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وتراجع الخطاب الأيديولوجي بشكل كبير، خصوصاً بعد دخول ملف المساواة في الميراث إلى أدراج البرلمان.
وعلى الرغم من أن الشاهد أكد أن حزبه جديد ولم يمضِ على تأسيسه إلا أشهر قليلة، وأنه لا يعمل فقط من أجل هذه الانتخابات، إلا أن تقديمه في صورة المنافس الأقوى تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة، ويُنتظر أن يعلن الشاهد اليوم الخميس عن قراره النهائي بشأن الرئاسية.
ومقابل التعسكر الذي عرفته انتخابات 2014، والذي سهّل نسبياً عملية الاختيار لدى الناخبين في ذلك الوقت، فإن التشظّي والضبابية هما سيدا الموقف في 2019، مع وجود قيادات وشخصيات من الحجم الكبير في هذا السباق. فقد تقدّم حتى الآن تباعاً كل من رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، والأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" محمد عبو، والقيادي في حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" منجي الرحوي، ورئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، ورئيس حزب "البديل التونسي" رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، ونائب رئيس "النهضة" عبد الفتاح مورو.
وحمل أمس الأربعاء دخول شخصيات من الحجم الثقيل، هي الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، واليساري المعروف حمة الهمامي، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، فيما تُنتظر في اليومين المتبقيين مواقف يوسف الشاهد وأحمد نجيب الشابي وربما رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، وقيس سعيد الذي يبرز في كل الاستطلاعات من دون توفيق واضح.
وتتنازع هذه الأسماء القواعد الانتخابية نفسها تقريباً، وستكون المنافسة على أشدها داخل مختلف القواعد الأصلية، القوى الثورية (بمختلف تنويعاتها)، العائلة الدستورية والتجمعية، العائلة اليسارية، بالإضافة إلى وافدين جدد من خارج هذه السياقات مثل القروي والزبيدي، اللذين جاءا من خارج المنظومة الحزبية التقليدية ولم تتحدد هويتهما السياسية لدى الناخبين على الرغم من وجود ملامح مختلفة لكل منهما.
وأوضح المرزوقي في ندوة صحافية عقدها أمس، أن الشعب التونسي هو الذي سيقرر من يصل إلى الدور النهائي وهو الذي سيختار من يمثله، مضيفاً أن الشعب التونسي لا يجب أن ينصت إلى استطلاعات الرأي لأنها تدخل في إطار حرب نفسية، وعليه أن يبني خياره على أسس التجربة والخبرة والأخلاق وهي مقاييس معروفة، مشيراً إلى أن الانتخابات المقبلة مفصلية لأنها ستبني مستقبل تونس لسنوات.
وقال المرزوقي إنه مارس حقه في الترشح للرئاسيات بكل شفافية وديمقراطية وهو سعيد لأن التونسيين بإمكانهم الترشح بكل حرية، موضحاً أنه في عهد الديكتاتورية تم القبض عليه من قبل البوليس السياسي واقتياده للتحقيق فقط لأنه أعلن عن رغبته في الترشح وتنظيم مؤتمر صحافي. ودعا المرزوقي الطبقة السياسية لأن تكون في المستوى وأن تكون المنافسة في ما بينها على البرامج والأفكار، فالمتخاصمون اليوم هم أصدقاء الغد خصوصاً أنه على يقين من أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة توافق وطني وأن رئيس الحكومة ورئيس البرلمان لن يكونا من الحزب نفسه، وفق قوله. وأشار إلى أن النظام الانتخابي يفرض التنوع وسيفرز مشهداً متعدداً، مضيفاً أن "التوافق ضروري لإنشاء حكومة مستقرة وللمضي في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لنرتقي إلى تطلعات الشعب التونسي".
وبقطع النظر عن حظوظ المتنافسين، فإن عاملاً مهماً دخل على الخط ويتمثل في مليون ومائتي ألف ناخب جديد، لم تتوضح خياراتهم بشكل جلي، وأغلبهم من الشباب والنساء، مع أن معايير التصويت لن تكون هذه المرة على أسس الهوية والانتماء كما حصل في الانتخابات السابقة، وإنما بالأساس حول الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية، والآمال المعقودة على المستقبل القريب للخروج سريعاً من الأوضاع الصعبة التي تمر بها تونس. وستكون شعارات البدائل ومنظومات الحكم ونتائجها في قلب هذه المعركة التي ينتظر أن تكون حامية، وتداعياتها على الانتخابات التشريعية كبيرة، وقد تأتي برسم جديد لمشهد تونسي متقلب يبحث عن الاستقرار أخيراً والتفرغ لأهداف الثورة الأساسية، إنقاذ المناطق المنسية وتقليص البطالة، والأهم بث آمال جديدة في التونسيين.