الاكتئاب الحاد.. سمة زوجات الشهداء والأسرى بالضفّة

26 يوليو 2014
الزوجة هي الأكثر تضرّراً بعد استشهاد زوجها(ماركو لونغاري/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

مرّ أحد عشر عاماً على استشهاد حسين، زوج فاطمة رمانة، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي بمدينة رام الله، وسط الضفة الغربيّة. لكن فاطمة ما زالت تشعر بحاجة إليه، كأنه لم يفارق حياتها يوماً. حتى أنها عودّت أبناءها على التصرّف في المنزل وكأن والدهم الشهيد ما زال حياً.

تحكي فاطمة عن حبها له. فتقول، لـ"العربي الجديد"، إنه كان بالنسبة إليها "أباً وزوجاً وأخاً. عوّدني على فراقه شيئاً فشيئاً، خصوصاً أنه اعتقل من قبل الاحتلال ثم من السلطة الفلسطينيّة، ليُغتال في العام 2003". تتحدّث عن افتقادها له. وتشدّد على أنها "بحاجة إلى مَن يقف إلى جانبها وتتسامر معه". وتروي أنها قبل الذهاب إلى المملكة العربيّة السعودية لأداء مناسك العمرة قبل بضع سنوات، توجهت إلى قبره لتطلب منه الإذن.

لبنى خضر، أيضاً، وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن تربية طفلَين، بعدما استشهد زوجها في العام 2001. تقول، لـ"العربي الجديد"، إن "فقدان الزوج أمر صعب، ويحمّل الزوجة أعباءً كثيرة". أما والدة الشهيد إبراهيم أبو الرب، من مدينة جنين، فتوضح أنه "بعد مرور 11 عاماً على استشهاد ابني، ما زلت أشعر بالألم كلّما ينادي أحد عليّ بأم إبراهيم". تضيف: "ما زلت أرتدي قميص ابني حتى اليوم، علّني أشمّ رائحته".


الزوجة.. المتضرّر الأول

يقول مدير البحث والتوثيق وبناء القدرات في مركز "ضحايا التعذيب"، وسام سحويل، لـ"العربي الجديد"، إن "المركز أجرى دراسة أخيراً شملت 358 عائلة من عائلات الشهداء والأسرى، أظهرت أن 66 في المئة من زوجات الشهداء والأسرى يعانين مشاكل نفسيّة نتيجة فقدان أزواجهن".

يضيف أن "الزوجة غالباً ما تكون المتضرّر الأكبر، بفارق خمسة في المئة فقط عن الوالدة، لأنها تتولى دور الأم والأب معاً، ما يؤثر على نفسيتها، بالإضافة إلى فقدان زوجها الذي يعدّ مصدر الحنان بالنسبة إليها وإلى أبنائها". ويتابع أن "ضغط الأقارب والتدخلات في حياتهن، جميعها عوامل تساهم أيضاً بزيادة الضغط عليهن. فبعض الأقارب يعتبرهنّ نذير شؤم على العائلة، ويمنعهنّ من الزواج مجدداً".

ويشير سحويل إلى أن "نسبة النساء اللواتي لم يتزوجن بعد استشهاد أزواجهن هي 70 في المئة، بسبب ثقافة المجتمع السائدة حول ضرورة وفاء الزوجة لزوجها". ويضيف أن "79 في المئة من زوجات الأسرى والشهداء يعتبرن خارج نطاق العمل المنتج، إذ كنّ يعتمدن على أزواجهن. وهو ما يدفع الأرملة إلى العمل، الأمر الذي قد يعارضه أقارب الزوج. وهذا يزيد من معاناتها بطبيعة الحال، إذ لا تجد مَن يعيلها". ويشدّد على أنه "يجب حل هذه المشكلة من خلال انخراط زوجات الشهداء والأسرى في التدريب والتأهيل على فرص عمل مهنيّة، ليتمكنّ من دخول سوق العمل".

ويلفت سحويل إلى أن "30 في المئة من الشهداء والأسرى متزوجون، ما يستدعي وضع خطة وطنيّة تؤهل أسرهم للاستمرار".

مشاكل نفسيّة
وكانت وزارة الصحة الفلسطينيّة قد أعلنت أن "75 في المئة من زوجات الشهداء يعانين مشاكل نفسيّة كالاكتئاب الحاد". ويقول مدير مركز المعلومات في الوزارة، جواد البيطار، لـ"العربي الجديد"، إن "انتهاكات الاحتلال اليوميّة أدّت إلى وجود مشاكل نفسيّة كثيرة لدى المواطنين، بمَن فيهم ذوي الأسرى". ويلفت إلى أن "هذه المشاكل تتركز لدى الأطفال. فأقل ما يمكن أن يعانوه هو التبوّل اللاإرادي".   

يُضيف البيطار أن "ألفين و192 شخصاً يعانون مشاكل نفسيّة في الضفة. وقد بلغت نسبة الاضطرابات العصبيّة 25 في المئة، والإعاقة الذهنيّة 14.6 في المئة، والاضطرابات في المزاج 9 في المئة، والانفصام 12.02 في المئة، والصرع 10 في المئة (...)". ويتابع أن "معظم هؤلاء ينتمون إلى فئة الشباب ما بين 19 و29 عاماً للذكور، و30 و39 عاماً للإناث". 

ويوضح البيطار أن "الوزارة تؤمّن مركزاً علاجياً في كل مديرية صحيّة، ويوجد في الضفة الغربيّة 12 مركزاً حكومياً لعلاج الأمراض النفسيّة، وخمسة مراكز في قطاع غزّة، بالإضافة إلى مستشفى لعلاج الأمراض النفسيّة في بيت لحم وآخر في غزّة"، لافتاً إلى أن "الوزارة تسعى إلى تحسين الخدمات الطبيّة فيها".

ويؤكد البيطار على أن وزارة الصحة بصدد "تجهيز تقرير لتفنيد الأمراض النفسيّة في الأراضي الفلسطينيّة، بما فيها المشاكل الناتجة عن الاحتلال، من أجل إرساله إلى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة".

المساهمون