الاقتراض العراقي الخارجي ومستقبل الاستثمار

12 أكتوبر 2015
اقتصاد العراق أمام مفترق طرق (فرانس برس)
+ الخط -
خلال عقد كامل دخلت إلى العراق مبالغ مالية تصل إلى عشرة أضعاف ما دخل إلى الدولة العراقية منذ تأسيسها وحتى عام 2003، مبالغ لم تستثمر في بناء الاقتصاد، الذي يعاني اليوم من انكماش بعد انخفاض أسعار النفط وفقدان القدرة على تصدير كمية النفط المطلوبة منه يومياً، وزيادة النفقات التشغيلية جراء الحرب، التي يخوضها ضد تنظيم "داعش"، الأمر الذي جعل الدولة العراقية تعود إلى الاقتراض الخارجي.

مسودة الموازنة المالية لعام 2016 بلغت 100 مليار دولار، وبعجز مالي قدره 25 مليار دولار، وبيّنت أنها ستقلص فجوة العجز عن طريق اقتراض 10.7 مليارات دولار، من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبعض الدول العربية والآسيوية. وستقترض بغداد أيضاً، خلال الأيام المقبلة، عندما تروج لسندات دولية بقيمة ستة مليارات دولار من مصرفي "سيتي غروب" و"جيه.بي مورغان" الأميركيين و"دويتشه بنك" الألماني، وبفائدة كبيرة تبلغ 10.37% وحتى عام 2028.

بلغت ديون العراق، التي اقترضها النظام السابق بزعامة صدام حسين لتسديد نفقات الحروب، 140 مليار دولار، وبعد عام 2003 صنفت إلى ديون دول نادي باريس، ودول خارج نادي باريس، والدائنين التجاريين وديون مجلس التعاون الخليجي، وأسقط الدائنون 100 مليار دولار منها، والتزمت البلاد بتسديد المتبقي في فترة زمنية بدأت منذ عام 2004 وتنتهي في 2028.

واقترح العراق، في تلك الفترة، على الدائنين لتسديد الأموال المتبقية، أفكاراً عديدة منها إعطاء استثمار منتج في العراق مقابل التنازل عن دينه وإسقاط الدعوى، أو إعطاء نفط أسود (مخلفات النفط الخام) مقابل التنازل عن الديون، أو عقد اتفاق ثنائي مع صاحب الدين بإعطائه قيمة الفائدة المقدرة بـ 10.25% ومنحه أصل المبلغ وتقسيطه على مدى 10 سنوات.

حصل العراق أخيراً على تصنيف ائتماني غير جيد، بعدما وضعته مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني في تصنيف (B سالب) وهو أقل بست درجات من التصنيف الاستثماري، بسبب المخاطر السياسية وغياب الأمن، وقد يقوض هذا التصنيف جهود الحكومة في الحصول على مبالغ الاقتراض الخارجي، بالرغم من أنها اقترضت خلال العام الحالي من مصارف، بينها الرشيد والرافدين والتجارة العراقي (اقتراض داخلي)، حوالى 25 مليار دولار لسد عجز الموازنة الحالية، إذ من المعروف أن التصنيفات الائتمانية أساسية لدى الجهات الدولية والمصارف لاكتشاف إمكانية الدول على سداد ديونها من عدمه.

وتقول الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إنّ "أموال القروض الخارجية يمكن أن تبني البلد أو تدمره، إذا استخدمت في تطوير القطاعات الإنتاجية ستتحول إلى خزان اقتصادي للأجيال المقبلة للانطلاق ببناء اقتصاد البلد"، مضيفة أن "هذه الأموال إذا أنفقت على سداد الالتزامات المالية للدولة كالرواتب والأجور فهذا يعني أن كارثة ستصيب البلد، وستحمّل الأجيال المقبلة عبء تسديد هذه المبالغ مع فوائدها الكبيرة". وتوضح أن "الأجيال المقبلة ستستلم البلد فقيراً وذلك لنضوب ثروته، وسيكون البلد دون خط الشروع للوصول إلى أدنى مستوى في التنمية". وتعزو سميسم التدهور في الاقتصاد إلى خلل في السياسة الاقتصادية والمالية، التي ما زالت تطبق سياسات مغلوطة وغير منطقية.

ويمكن التخلي عن الاقتراض الخارجي بنظر سميسم، عن طريق إعادة النظر في الهيكل الإداري للدولة، التي تعاني من ترهل كبير في عدد موظفيها، وإعادة تفعيل مسألة التمويل الذاتي في قطاعات الزراعة والصناعة والتعليم والصحة، وخصخصة الشركات بطريقة مدروسة، ورفع سعر الفائدة للقروض المالية وطرح سندات داخلية.

وتبلغ نسبة القروض الداخلية والخارجية 40% من الناتج الإجمالي، وستشكل خطراً كبيراً على البلاد إذا تجاوزت الـ 60%. وهونت الحكومة العراقية من قضية الاقتراض الخارجي، لأنها تعتقد أن الاقتصاد يتحمل ذلك. ويقول المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، لـ "العربي الجديد"، إنّ "العراق يقترض من مؤسسات دولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تشترط صرف الأموال في تطوير البنى التحتية"، في حين تقول اللجنة المالية في البرلمان العراقي إنها لا تعرف إن كانت أموال الاقتراض ستذهب إلى النفقات التشغيلية أو الاستثمارية. ويتحدث عن ذلك عضوها، جبار عبد الخالق، مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "الحكومة لجأت إلى الاقتراض الخارجي بعد سنة من انخفاض أسعار النفط، وفقدان القدرة على الحصول على إيرادات غير نفطية، إذ هناك التزامات لدى الحكومة، منها رواتب الموظفين ونفقات الحرب والنازحين. ونحن طلبنا من وزارة المالية توضيح الاتفاقات، التي حصلت مع المصارف الأجنبية". ويتابع: "سيكون لدى اللجنة المالية النيابية رأي في رفض القروض الأجنبية أو قبولها بعد الأجوبة، التي ستقدمها الحكومة حول شروط المصارف".
المساهمون