لم تنعم مدينة القدس المحتلة، ولا حتى مواطنيها المسيحيين، يوم الأحد، باستقبال يليق ببابا الفاتيكان فرانسيس الأول، نتيجة تقصد سلطات الاحتلال الإسرائيلي التضييق على الفلسطينيين الذين حاولوا جاهدين استقبال البابا وإيصال معاناتهم له من السياسات العنصرية الإسرائيلية.
فقد حولت قوات الاحتلال مساحة واسعة من محيط البلدة القديمة، لثكنة عسكرية قطعتها بالحواجز ونقاط التفتيش ومئات العناصر الشرطية. وكثّفت هذا الانتشار على نحو خاص في جبل المشارف وحي جبل الزيتون، مقر القاصد الرسولي، فيما أغلقت جميع الطرق المؤدية إلى البلدة القديمة.
وشهدت منطقة باب الخليل تحديداً، مناوشات بين مجموعات من الشبان الفلسطينيين والمستوطنين يرافقهم عناصر من شرطة الاحتلال، التي حاولت منعهم من استقبال البابا واعتقلت ثلاثة منهم.
أما محيط كنيسة القيامة، التي وصل إليها موكب البابا قادماً من دير نوتردام، فقد شهد تدافعاً شديداً بين المواطنين، فيما لم يسمح إلا لكبار الضيوف الأجانب، ورجال الدين فقط بالوصول إلى المكان. ومُنع ممثلو وسائل الإعلام المحلية من التغطية، بعد رفض شرطة الاحتلال منحهم التصاريح.
والتقى بابا الفاتيكان ببطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي، برثلماوس الأول، في كنيسة القيامة في القدس المحتلة، في لقاء مكسوني، الهدف منه دعم الوحدة بين المسيحيين، بحسب ما أفادت وكالة "فرانس برس".
ووقع الزعيمان الروحيان الكاثوليكي والأرثوذكسي، بياناً مشتركاً دعا فيه إلى المضي في التقارب بين الكنيستين بعد نحو عشرة قرون على الانشقاق الكبير عام 1054.
وفي الإعلان المشترك، يلتزم البابا والبطريرك العمل معاً من أجل الوحدة رغم الانقسام. وقد كتبا في هذا السياق يقولان إن "لقاءنا الأخوي اليوم هو خطوة جديدة ضرورية على طريق الوحدة... وحدة الشراكة ضمن التنوع المشروع". وأضافا "مع إدراكنا الكامل لعدم بلوغ هدف الشراكة الكاملة، نذكّر اليوم بالتزامنا مواصلة السير معاً نحو الوحدة".
ويرحب الإعلان المشترك بالتقدم الذي أحرز في الحوار اللاهوتي الذي يشكل "تدريباً على الحقيقة والتسامح"، مكرراً الدفاع عن القيم المشتركة بين الكاثوليك والأرثوذكس، التي تتمثل في "الدفاع عن الكرامة الإنسانية في كل مراحل الحياة وقدسية العائلة القائمة على الزواج وتعزيز السلام والخير المشترك والتعامل مع البؤس الذي يصيب عالمنا".
وتتناول النقاط الأخرى "هبة الحياة (الدفاع عن البيئة)"، "الحق في التعبير عن الإيمان"، الحوار مع اليهودية والإسلام، القلق المشترك على مسيحيي الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية ومصر والعراق.
وسجد البابا والبطريرك طويلاً ثم ركعا عند مدخل كنيسة القيامة على وقع تصفيق الحاضرين. وعلت بعدها التراتيل الدينية خلال هذا الاحتفال المسكوني الذي انضم إليه بطاركة الكنائس الـ13 الأخرى الكاثوليكية والأرثوذكسية في القدس.
وأعرب المواطنون المقدسيون عن سخطهم، لما قامت به قوات الاحتلال من إجراءات، وعبرت المواطنة المقدسية، جانيت حنا عيسى، من سكان عقبة البطيخ في البلدة القديمة، عن امتعاضها لمنعها من الوصول إلى كنيسة القيامة، والتي رغبت برؤية الحبر الأعظم عن قرب.
في حين أعرب المواطن محمود النتشة، لـ"العربي الجديد"، وهو أحد أصحاب المحال التجارية، عن سخطه من منع قوات الاحتلال انتعاش المدينة المقدسة بالحركة التجارية. وقال "تفاءلنا بانتعاش أسواق القدس أثناء زيارة البابا، لكن ما حدث كان العكس تماماً".
من جهته، أوضح المواطن سيمون منصور، الذي قدم من الناصرة، لـ"العربي الجديد"، أن "عناصر الشرطة اعتدوا عليه وعلى شقيقته بالدفع والركل، قرب الباب الجديد لكنيسة القيامة، بعد أن حاولا الوصول إلى الكنيسة".
يشار إلى أن المحطة الثانية من زيارة البابا التاريخية للقدس المحتلة، ستبدأ الساعة الثامنة من صباح يوم غد الإثنين، بزيارة المسجد الأقصى، ولقاء مسؤولي الأوقاف في القبة النحوية، يتبعها زيارة إلى حائط البراق الذي تسميه سلطات الاحتلال (حائط المبكى).
وكان طاقم صحافي (فلسطيني تركي) مؤلف من مدير وكالة أنباء "الأناضول"، والمصوران الصحفيان، عوض عوض، وحمزة نعاجي، رفضوا الخضوع للتفتيش العاري في مطار اللد، بأمر من الشاباك الإسرائيلي، كما قال عوض لـ"العربي الجديد".
وأشار عوض إلى أنه وزميليه غادرا المطار احتجاجاً على هذا الإجراء ضدهم، ودون غيرهم من الصحافيين الأجانب.