الاحتجاجات في المغرب.. "20 فبراير" مختلف

20 فبراير 2018
تجددت التظاهرات أخيراً في المغرب (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

منذ اندلاع الاحتجاجات التي شهدها المغرب في فبراير/شباط 2011، التي دعت إليها في حينه "حركة 20 فبراير"، لمحاربة "الفساد والاستبداد"، وذلك بموازاة الحراك العربي في بعض بلدان المنطقة العربية، كانت نقطة التحوّل في البلاد هي ظهور احتجاجات قوية في منطقة الريف، تلتها احتجاجات أخرى في جهات متفرقة من البلاد.

في هذا السياق، تأججت الاحتجاجات الجديدة التي بدأت العام الماضية في منطقة الريف شمالي البلاد، وتلتها احتجاجات في زاكورة جنوبيها، ثم في جرادة في الشرق المغرب، وأخرى في بني ملال وخنيفرة في الوسط. وتزامن ذلك مع حراك "20 فبراير" في بعض النقاط والدوافع، لكنها اختلفت عنها في سمات كثيرة أخرى.

نقطة التشابه الرئيسية بين "الربيع المغربي"، كما سماه متابعون للمشهد السياسي في المغرب، مع الاحتجاجات التي انطلقت في مناطق وجهات متفرقة سنوات بعد 20 فبراير 2011، أنها حركات احتجاجية دعت إلى إرساء العدالة الاجتماعية وضمان الكرامة الإنسانية للمواطنين، والقطع مع ثقافة الريع وتبني مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وظهرت نقطة التمايز الأولى في أن تظاهرات 20 فبراير كانت شاملة وعامة شملت عشرات المدن والمناطق دفعة واحدة، بخلاف الاحتجاجات الجديدة التي توزعت عبر الزمان والمكان إلى أكثر من جهة في البلاد. ونقطة التمايز الثانية في كون "حركة 20 فبراير" انطلقت بإيحاءات من الربيع العربي الذي أزهر في بلدان مثل تونس ومصر وغيرهما من دول المنطقة العربية، بينما الاحتجاجات الحالية انطلاقتها من الداخل بالأساس، وليست متأثرة بأي حال بالسياق الجيوسياسي، ولا هي تبنت شعارات الربيع العربي مثل "20 فبراير".

نقطة التمايز الثالثة تجسّدت في أن "حركة 20 فبراير" استندت إلى شعارات ومطالب سياسية بالأساس، كإرساء نظام الملكية البرلمانية عوض الملكية التنفيذية، لكنها شملت أيضاً مطالب اجتماعية مثل الكرامة والعدالة، وأخرى اقتصادية من قبيل القطع مع الريع الاقتصادي وعدم الجمع بين الثروة والسلطة، في الوقت الذي انحسرت فيه مطالب الاحتجاجات الجارية في البلاد في مطالب اجتماعية فئوية بشكل رئيسي.



التوزيع الجغرافي شكل نقطة رابعة في التمايز بين "20 فبراير" والحراك الاجتماعي حالياً، فالأول امتد في المدن والحواضر بشكل لافت، وخرج نشطاء وحقوقيون انطلاقاً من دعوات في العالم الافتراضي، بيْد أنه في النوع الثاني من الاحتجاجات الجارية شملت المناطق القروية والمهمشة بشكل أكبر. ودامت الاحتجاجات بمدينة الحسيمة في الريف أشهراً عدة قبل خفوت توهجها باعتقال عدد من "قادة" الحراك، الذين طالبوا برفع التهميش عن الريف وتطبيق مشاريع التنمية على أرض الواقع وتلتها احتجاجات شعبية بمنطقة زاكورة بسبب ندرة الماء الصالح للشرب. واتسعت الاحتجاجات شاملة إقليم الخنيفرة وبني ملال وتنغير ومناطق أخرى، آخرها إقليم جرادة بعد وفاة 3 شبان في مناجم الفحم.

وتوزعت مواقف قوى وأطراف سياسية بالمغرب حيال تمدد رقعة الاحتجاجات الاجتماعية في المغرب، بين من اعتبرها امتداداً طبيعياً لزخم وروح "حركة 20 فبراير"، من خلال الحفاظ على عمق المطالب الاجتماعية برفع التهميش وضمان الكرامة للمواطن، وبين من اعتبرها مجرد وقفات ومسيرات احتجاجية فئوية لا ترقى إلى حركة احتجاجية ولا إلى ربيع مغربي مستمر.

ولم ترَ أحزاب الأغلبية الحكومية هذه الاحتجاجات الاجتماعية "ربيعاً مغربياً" ولا استمراراً لـ"حركة 20 فبراير"، بل مجرد احتجاجات طبيعية لمطالب اجتماعية آنية تستجيب لها الحكومة، فيما بات الوزراء يزورون هذه المناطق المهمشة من أجل إخماد فتيل الاحتجاجات المشتعلة.

وذهبت أحزاب المعارضة، تحديداً اليسار الراديكالي وجماعة العدل والإحسان، أكبر تنظيم إسلامي في البلاد، إلى حدّ اعتبار الاحتجاجات "نموذجاً مصغراً للربيع المغربي المستمر، بدليل أن عدداً من هذه الاحتجاجات ضد التهميش أو ضد العطش قد أفضت إلى الإطاحة برؤوس كبيرة في الحكومة والداخلية".

ودعا اليساريون إلى "تخليد ذكرى حركة 20 فبراير من خلال توفير شروط إحياء هذه الذكرى بما يوفر لها بعدها الجماهيري، بغية التأكيد على استمرار نضال الشعب المغربي من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة وضد الفساد والاستبداد".



في هذا الإطار، اعتبر الناشط في الحزب الموحد اليساري، عماد العريج، أن "ما يحصل في المغرب هو من ثمرات 20 فبراير التي كسرت خوف الناس من الخروج إلى الشارع، والقيام بتظاهرات احتجاجية سلمية وحضارية تتسم بالرقي، للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية المشروعة ورفضهم للسياسات الحكومية المتعاقبة التي اتسمت بالفشل في تلبية حاجات المواطنين". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "من غير العدل القول إن حركة 20 فبراير ماتت من دون رجعة، فهي رغم أنها خفتت وتراجعت قوتها، لكنها عادت إلى الحياة بطرق مختلفة عبر مسيرات ووقفات احتجاجية تجاوزت الأحزاب السياسية لتطالب بالتفاوض مباشرة مع الحكومة"، مبرزاً أن "منسوب الوعي السياسي تطور عند المغاربة، ما يجعلهم قادرين على خلق ربيعهم الخاص كل يوم".

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش، عبد الرحيم العلام، أن "الذي أحدثه الحراك في البلدان العربية، هو أنه أزاح الغطاء عن البركان الهامد منذ مئات السنين، وستتكفل السنون اللاحقة باستكمال هذا المسلسل الممتدّ"، مردفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "كان متوقعاً بالفعل أن الحركات لن تنجح في أيام أو سنوات في تحقيق أهدافها المتجلية في تحقيق العدالة والاجتماعية والحرية ومجابهة الفساد والاستبداد، بل تلزمها عقود من الزمن".

ولفت العلام إلى أن "هذا حال كل الحركات والثورات التي عرفها العالم منذ الثورة الفرنسية التي استمرت أكثر من 100 سنة، وفي هذا السياق تأتي الأحداث التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة"، متابعاً أن "هاجس الخوف انكسر فوق صخرة إصرار العديد من المواطنين على تحسين شروط عيشهم".

واسترسل قائلاً إن "مفعول التخويف والتحذير من الفوضى والفتنة وما يحدث في بعض البلدان، لم يدم طويلاً أمام ثقل الأوضاع الاقتصادية، واستدامة الفقر، واتساع الفوارق الطبقية، وفي ظل تهميش وتقزيم مؤسسات الوساطة، مثل الأحزاب، والنقابات، وتمييع المجتمع المدني، وفي ظل ضعف المؤسسات السياسية وصورتها، والتركيز على تنمية وديمقراطية الواجهة، من دون الاهتمام بالعمق التنموي، وتكريس الديمقراطية بما هي قيم قبل أن تكون إجراءات ومؤسسات".

ولفت العلام إلى أنه "يمكن القول إن المغرب، على غرار باقي الدول العربية، يعيش في سياق الحراك الذي عرفته المنطقة منذ أواخر 2010، بصرف النظر عن المسميات"، مضيفاً أنه "ينبغي على السلطة السياسية عدم التعويل كثيراً على الإجراءات الأمنية في مجابهة الاحتجاجات، وأن تعمد إلى الاهتمام بالجانب الاقتصادي، وتقوية المنظومة التعليمية، ومجابهة الفساد، وتقوية فرص الاستثمار، وخلق أجواء الفعل والمبادرة الحرة، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات السياسية كتقوية العمل الحزبي والنقابي، ودعم المجتمع المدني الحقيقي، وإطلاق الحريات السياسية والمدنية، والاهتمام بالمناطق المهمشة والمقصية، إضافة إلى إصلاح العدالة".



المساهمون