الاتفاق النووي والتنازلات المتبادلة: العقوبات مقابل القنبلة

15 يوليو 2015
لن تكون إيران قادرة على تصنيع السلاح النووي(فرانس برس)
+ الخط -
انتهت "الحرب النووية"، أمس الثلاثاء، بعد 12 عاماً من المفاوضات والنزاعات بين إيران ودول الغرب، من خلال اتفاق يوقف تعاظم قوة إيران النووية ويزيح شبح الخوف الغربي. 40 لقاء بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأكثر من 100 جولة، و5 زيارات بين ذهاب وإياب لمستشاري الدول المعنيّة إلى فيينا، انتهت بساعة أطلق عليها الجميع "ساعة السعادة" فجر أمس.

كان وقع النتيجة ساراً للبعض ومقلقاً للبعض الآخر. الرئيس الإيراني حسن روحاني اعتبر أنّ الاتفاق يفتح صفحة جديدة في العلاقات مع العالم. أمّا الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي بثّ الإعلام الإيراني الرسمي تصريحه، في سابقة تاريخية أيضاً، فاستغل الاتفاق ليكون فرصة لتبني توجه جديد في الشرق الأوسط، محذراً الكونغرس من أنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي تشريع سيحول دون نجاح تطبيقه. في المقابل، رفضت إسرائيل الاتفاق، وتوعّدت بإسقاطه. عربياً، بدت التمايزات أكثر من واضحة خصوصاً في صفوف "البيت الخليجي"، بين سعادة إماراتية وحذر سعودي.


وقضى الاتفاق برفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة على إيران مقابل موافقتها على فرض قيود طويلة المدى على برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب بأنه يهدف إلى صنع قنبلة ذرية. ولكن حتى بالنسبة لإيران نفسها، فقد كان للاتفاق النووي، وقع مختلف لدى كثيرين. فتفاصيل الاتفاق كثيرة، وتلك الفنية كانت أكثر تعقيداً من السياسية.

بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين، وأوّلهم الرئيس الإيراني حسن روحاني فإن ما جاء في هذا الاتفاق يعني تحقيق أهداف عدة، وقد عددها روحاني وركز فيها على مكاسب الاتفاق بشكل رئيسي. فتحدث عن اعتراف المجتمع الدولي عموماً والغرب خصوصاً بإيران كعضو رسمي في النادي النووي العالمي. فالحوار مع أبرز القوى الفاعلة والمؤثرة في العالم، أمر ليس بالبسيط كما قال روحاني وظريف، الذي أكّد على هذا الأمر من فيينا، وتحقيق النجاح على هذا الصعيد كان كفيلاً بإعطاء إيران ثقل إقليمي ودولي عالي المستوى.

الهدف الثاني الذي حققته هذه المفاوضات حسب روحاني هو الاعتراف بإيران النووية والسماح لها بالاحتفاظ بهذه التكنولوجيا والاستمرار بتطوير نشاطها العلمي والبحثي النووي على الأراضي الإيرانية، وهذا أمر كان على رأس الخطوط الحمراء التي حددها المرشد علي خامنئي والذي أشرف على كل تفاصيل المفاوضات، كما أن قرار عدم إغلاق أي منشأة من المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق رغم حد وتقليص العمل في عدد منها منح طهران مكسب الاستفادة من هذه التكنولوجيا والوقوف جنباً إلى جنب مع باقي الدول النووية. حديث روحاني وما جاء في نص الاتفاق الذي نشرته عدد من المواقع الرسمية الإيرانية إبان الإعلان عن نجاح المحادثات، صب كذلك لصالح إخراج هذا الملف من مجلس الأمن الدولي، ومن تحت الفصل السابع أيضاً، وكلها أمور تعني أن إيران ستتفرغ لمشاريع وقضايا أخرى في وقت لاحق.

اقرأ أيضاً: اتفاق نووي "تاريخي" بين إيران والغرب .. والسعودية تنتقد

ولكن المكسب الأبرز الذي حققه الإيرانيون كان قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد بموجب هذا الاتفاق المعلن عنه في فيينا؛ فقد تم الإعلان عن إلغاء كافة العقوبات المالية والمصرفية والسماح بالإفراج عما تبقى من الأرصدة الإيرانية المجمدة في بنوك الخارج، فضلاً عن إخراج 800 شخص ومؤسسة من لائحة العقوبات الغربية، والسماح بشراء طائرات مدنية وتحسين وترميم الأسطول الجوي الإيراني الذي يعد من أقدم الأساطيل في العالم وكبدت حوادثه البلاد الكثير، كما كبدها الحظر النفطي الذي تم تشديده بموجب قرارات عقوبات أقرها مجلس الأمن الدولي قبل سنوات قليلة ثمناً باهظاً وكل هذا سيجعل البلاد تتنفس الصعداء خلال السنوات القليلة المقبلة، وسيفتح باباً عريضاً أمام الشباب الإيراني للتخلص من أبرز المشكلات التي يعانيها المجتمع الإيراني وهي البطالة.


سيحقق هذا الاتفاق لإيران مكاسب كبيرة تتلخص في تحقيق مصلحة عليا للبلاد من خلال إلغاء العقوبات واستمرار التخصيب وإن كان بنسبة 3.67% وحسب، فضلاً عن عدم إغلاق المنشآت النووية برمتها واستمرار العمل فيها، لكن في الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب مقابل لكل هذه الامتيازات. أبرز النقاط العالقة على طاولة الحوار والتي عقدت التوصل لاتفاق خلال الأشهر القليلة الماضية يبدو أنها ستبقى نقاطاً صعبة التطبيق خلال الأشهر المقبلة، رغم التوصل لاتفاق، فمطلب إيران بإلغاء الحظر عن استيراد الأسلحة لم يتحقق، وبموجب الاتفاق لا يمكن لإيران أن تحصل على أي أسلحة غير دفاعية ولا على معدات ذات أغراض مزدوجة لمدة خمس سنوات، كما مُنعت طهران بموجب اتفاق فيينا من الحصول على الصواريخ الباليستية لثماني سنوات، وهذا كان تنازلاً بالفعل ولاسيما مع إصرار البلاد مراراً على عدم وضع موضوع منظومتها الصاروخية على طاولة الحوار أولاً، ومع إصرارها على إلغاء كل أنواع العقوبات المفروضة عليها ثانياً.

أما الملف المتعلق بتفتيش بعض المواقع العسكرية وغير النووية والتي تشكك الوكالة بقيام إيران بتجارب تحاكي تفجيرات نووية، فيها فشمله نص الاتفاق النووي أيضاً، إذ نصّ على أن تسمح إيران بالدخول لبعض هذه المواقع، ولكنه تفتيش مشروط ومضمون وتستطيع طهران الاعتراض عليه وعدم السماح به. كما أنها تستطيع الاحتكام للجنة دولية لحل هذه الأزمة المرتقبة مستقبلاً في حال عدم اقتناعها بالحجج. لكن تجدر الإشارة إلى أنه قبل الإعلان عن نص الاتفاق نقل كل من رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنهما اتفقا على خارطة طريق لحلحلة مسألة الشكوك المرتبطة بوجود أبعاد عسكرية للبرنامج النووي الإيراني. كما ذكر صالحي وفق وكالة "إرنا" أن طهران ستفتح موقع بارتشين العسكري أمام المفتشين وهو الموقع الذي تقول الوكالة أنه تم إجراء تجارب فيه تحاكي تفجيرات نووية، هذا يعني نية إيرانية بحلحلة هذا الملف. لكن صقور الداخل الإيراني يتربصون بأي قرارات لا تراعي الاتفاق بحذافيره وقد تتجاوز الخطوط الحمراء بذات الوقت.

اقرأ أيضاً: نتنياهو يتهم "القوى العظمى" بالتخلي عن بلاده بسبب إيران

كثر في الداخل الإيراني ينظرون بعين الحذر والانتقاد لهذا الاتفاق، والسبب يعود إلى أن ما جاء في بعض البنود عبارة عن تنازلات، فإيران كانت تخصب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمائة، وفرض عليها مشروع الاتفاق هذا الذي سيقره مجلس الأمن خلال أيام أن تحتفظ بالتخصيب على أراضيها على شكل مكسب لكن دون أن تتجاوز نسبته 3.67% على أن يبقى الحال هكذا لخمسة عشر عاماً. من جهة ثانية تمتلك طهران 19 ألف جهاز طرد مركزي، وستكون مجبرة على تعطيل معظمها بعد أن نص الاتفاق على استمرار عمل ستة آلاف جهاز طرد فقط في فردو ونتانز، ألف منها لأغراض بحثية وللتحقيقات وما تبقى للتخصيب.


الاتفاق النووي بعد إقراره في مجلس الأمن سيدخل مرحلة إقراره في عواصم الدول المتفاوضة في فيينا لتحويله لاتفاق نهائي حقيقي يبدأ تطبيقه عملياً آنذاك أي بعد ثلاثة أشهر على الأقل. ويحتاج هذا الاتفاق لموافقة لجنة الأمن القومي العليا في الداخل الإيراني بالدرجة الأولى ومن ثم البرلمان الذي أقر قانوناً بهدف "حفظ المنجزات النووية". لكن هذا لا يعني أن البرلمان المحافظ سيخلق تحدياً صعباً أمام حكومة الرئيس حسن روحاني المعتدلة والداعمة للإصلاحيين.

سيكون على وزير الخارجية ورئيس الوفد المفاوض محمد جواد ظريف التوجه لقاعة البرلمان لتقديم تقرير بموجب القانون الجديد ليعطي كل تفاصيل الاتفاق النووي بوضوح وشفافية للنواب، وسيكون أمامه مهمة صعبة وخصوصاً إذا ما قررت الحكومة إقناع النواب بتوقيع البروتوكول الإضافي والذي سيحل أزمة التفتيش كون بنوده تسمح بدخول المواقع غير النووية، وهذا أمر إن تحقق في إيران، فسيسرع آلية إلغاء العقوبات وسيفتح أبواب البلاد عريضة أمام الخارج من جهة، وسيحقق المكسب الإيراني الأبرز من جهة ثانية، وهو الذي تحدث عنه المسؤولون مراراً، ويرتبط بالتعاون مع القدرات الإقليمية والعالمية للوقوف بوجه "الإرهاب" في المنطقة، ما قد يعني ترتيبات لصفقات إقليمية جديدة قد تكون إيران مؤثرة فيها.

اقرأ أيضاً الإمارات تهنّئ إيران: فرصة لفتح صفحة جديدة