الاتفاق الأميركي الروسي مؤجل: موسكو تحاول استثمار تطورات حلب

05 سبتمبر 2016
كيري: هناك قدر مخيف من الأشياء الفنية أُنجز(فرانس برس)
+ الخط -
بدا أن الملف السوري، أمس الأحد، كان يشهد سباقاً بين التطورات السياسية والعسكرية في محاولة لاستثمار تبدل موازين القوى الميدانية في حلب لحساب النظام، في فرض حل سياسي على المعارضة لا يتوافق مع ثوابتها.
وبينما كانت المشاورات الأميركية الروسية تتكثف في محاولة لإيجاد توافق حول سورية، بما يتيح لموسكو وواشنطن الخروج والإعلان عن اتفاق مشترك، كان الميدان السوري يشهد تطورات عسكرية ذات أبعاد سياسية تحاول قلب موازين القوى خصوصاً في حلب، بهدف إعادة المعارضة إلى موقع المحاصرة سياسياً وعسكرياً عقب التطورات التي صبت لصالحها في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد نجاح عملية "درع الفرات" التي أطلقتها قوات الجيش السوري الحر أخيراً، بدعم مباشر من تركيا، وأفضت إلى خسارة تنظيم "داعش" آخر معاقله على الحدود التركية السورية، مع ما ينطوي عليه هذا الأمر من تجهيز الأرضية لإقامة المنطقة الآمنة وإنهاء مشروع التوسع الكردي. 

ففي موازاة هذه الانتصارات للمعارضة، كان النظام يشن هجوماً هو الأعنف على قوات المعارضة لإعادة فرض الحصار على مناطقها في الأحياء الشرقية في حلب. وهو ما تمكن النظام من تحقيقه أمس، بعدما شن هجوماً عنيفاً، شاركت فيه المليشيات المحلية والأجنبية المتحالفة معه، وأفضى إلى استعادته السيطرة على الكليات العسكرية الثلاث إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب. وبإعادة قوات النظام السوري فرض الحصار على مناطق سيطرة المعارضة في حلب، عاد المشهد الميداني في المدينة إلى ما كان عليه قبل السادس من شهر أغسطس/آب الماضي، حين كانت مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة حلب محاصرة بالكامل.

ولا يمكن فصل هذه التطورات الميدانية عن المخطط، الذي تقوده روسيا لفرض حل سياسي وفقاً لرؤيتها، وهو ما يفسر تأخيرها التفاهم مع الولايات المتحدة حتى تحقيق اختراق عسكري. ويصبح هذا المخطط أكثر وضوحاً إذا ما تم ربطه بالتسريبات حول بنود الاتفاق الأميركي الروسي والذي تولى المبعوث الأميركي إلى سورية، مايكل راتني، إبلاغها إلى المعارضة.

الاتفاق الروسي الأميركي مؤجل

وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، حسم أمس الأحد، عقب لقاء جمعه بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، استمرار وجود عراقيل روسية تحول دون الإعلان عن الاتفاق، بقوله إنه "جرى حل بعض النقاط الفنية المخيفة في اتفاق أميركي روسي بشأن سورية، لكن لا تزال هناك نقطتان صعبتان"، دون أن يحددهما، لكنه سرعان ما قرن حديثه بالتوقف عند أولويتين هما آلية الرد على انتهاكات النظام السوري، وضبط جبهة فتح الشام، (النصرة سابقاً).

وترك كيري الباب موارباً لإنقاذ الاتفاق، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة وافقت على الاجتماع مع الجانب الروسي ثانية اليوم، الإثنين، لسد الفجوة في هاتين النقطتين. وأوضح أن "النصرة هي القاعدة ولا يمكن أن يخفي تغيير اسمها حقيقتها وما تحاول فعله". وأضاف "سنراجع بعض الأفكار الليلة (ليلة الأحد - الإثنين)، ومن بينها مسألتان صعبتان، وسنعود ونرى أين وصلنا". وتابع في حديث مع الصحافيين، "لن نتسرع"، مؤكداً على أهمية التوصل إلى اتفاق "لإنهاء هذه المهمة".

كما أكد مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية، وفقاً لوكالة "فرانس برس"، "تراجع الروس عن بعض القضايا التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها، لذلك سنعود إلى عواصمنا للتشاور". وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الأوضح في التعبير عن حجم التباين مع روسيا بحديثه عن "خلافات كبيرة". ونقلت وكالة "رويترز" عنه قوله، على هامش قمة العشرين، إن واشنطن تتعامل مع المحادثات "ببعض التشكيك لكن الأمر يستحق المحاولة".

من جهتها، حاولت روسيا التخفيف من وطأة الخلافات. "التطمينات" تولاها كل من نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي قال للصحافيين: "نوشك على التوصل لاتفاق... لكن فن الدبلوماسية يتطلب وقتاً للتنفيذ". أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فقال خلال لقاء غير رسمي لقادة دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، أمس الأحد، إنه لا يمكن تحقيق تسوية نهائية للنزاع في سورية إلا بوسائل سياسية. كما دافع عن التدخل الروسي في سورية بالقول إن "العملية العسكرية الروسية أتاحت الحفاظ على الدولة السورية".





وفي موازاة المحادثات المكثفة، التي تُجرى منذ أيام في مدينة هانغتشو الصينية على هامش قمة العشرين، كشفت مصادر مطلعة في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، أمس الأحد، عن أن المبعوث الأميركي إلى سورية، مايكل راتني، أطلعها على أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها بين الولايات المتحدة وروسيا لإعلان اتفاق جديد حول سورية.

وقالت المصادر إن المبعوث الأميركي أبلغ كبرى فصائل المعارضة السورية، مثل حركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش الإسلام، والجبهة الشامية، تفاصيل اتفاق جديد، مشيرة إلى أن راتني حثّ هذه الفصائل على تعميم النقاط إلى بقية فصائل المعارضة السورية. وبحسب هذه المصادر، فإن ما تم الاتفاق عليه بشكل نهائي بين الروس والأميركيين حتى الآن هو "إجبار النظام السوري على إيقاف الطلعات الجوية، وفي حال أراد استهداف أية منطقة، فعليه أخذ الإذن من موسكو، وإعلامها عن الهدف الذي يريد ضربه.

كما شددت الولايات المتحدة على روسيا عدم قصف المعارضة والالتزام بالهدنة. وأضافت أن "الولايات المتحدة اشترطت انسحاب النظام من طريق الكاستيلو شمال حلب، وإنهاء القتال حول طريق الراموسة، في حين طلبت من المعارضة الالتزام بالهدنة التي سيعلن عن تاريخها قريباً، والتي تشمل حسب المبعوث الأميركي كامل مدينة حلب".

في المقابل، أشارت المصادر إلى أنه لا تزال هناك عقبات بين الروس والأميركيين، وهو ما قد يؤخر صدور الاتفاق، إذ تحدث راتني عن منطقة منزوعة السلاح في حلب، ونقل عن الرئيس الأميركي أنه لن يتم الانتقال إلى الشق السياسي قبل الانتهاء من الشق العسكري". وفيما كانت تسريبات للمعارضة تشير إلى أنها لن تقبل بهدنة مناطقية محدودة، وأنها ترفض أغلب بنود مشروع الاتفاق الروسي الأميركي، اكتفى المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، بالقول في تصريحات إلى "العربي الجديد" إن "الموضوع قيد الدراسة من قبل الفصائل".

ولا تزال المعارضة السورية تؤكد أنها ملتزمة بتنفيذ مرحلة انتقالية من دون رئيس النظام بشار الأسد. وجددت الهيئة العليا للمفاوضات، والتي تضم جميع قوى المعارضة السياسية، القول إن الحل السياسي "هو الخيار الاستراتيجي الأول" الذي تعتمده، مشيرة في ختام اجتماعاتها، السبت، في مقرها بالرياض إلى أن هذا الحل يجب أن "يحقق تطلعات شعبنا الطامح لنيل حريته وصون كرامته، ووفق بيان جنيف1 والقرارات 2118 و2254، القاضية بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، لا وجود ولا دور للأسد ومن اقترف الجرائم بحق الشعب السوري فيها".

وفي حين تصر روسيا على إدراج فصائل معارضة إلى قائمة "التنظيمات الإرهابية"، خصوصاً فصيلي "جيش الإسلام"، وحركة أحرار الشام"، تعارض الولايات المتحدة ذلك وتصر على أنهما ينتميان إلى "المعارضة المعتدلة" بحسب توصيفها، وهما جزء من أي حل سياسي مقبل. ولكن برأي مراقبين، فإن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد هو ما يؤجل إعلان الاتفاق الروسي الأميركي، إذ لا تزال موسكو تصر على أن الأسد جزء من الحل، في حين ترى واشنطن أنه أساس المشكلة ويجب أن لا يكون له أي دور في أي حل سياسي.



المساهمون