الاتفاقية الملعونة المقدسة

11 سبتمبر 2015

قوة فرنسية في ميناء بيروت بعد اتفاق سايكس بيكو

+ الخط -
مرّ قرن على تلك الاتفاقية التي لا تزال مثيرة للجدل والغموض، إنها الاتفاقية المقدسة والملعونة في الوقت نفسه، إنها معاهدة سايكس بيكو. إنها القصة التي يلجأ إليها أنصار نظرية المؤامرة، عند الحديث عن تقسيم الوطن العربي، وعن الاستعمار الآثم الذي قسّم المنطقة العربية إلى دول، وجعل بينها حدوداً.
إنها المعاهدة والحدود نفسها التي يدافع عنها أيضاً مرّوجو نظرية المؤامرة أنفسهم، عندما يتحدثون عن مؤامرات ومخططات تقسيم وهمية جديدة، حديث مؤامرات لخداع الجماهير، يزعم كذباً أن الثورات التي نادت بالإصلاح مؤامرة.
إنها المعاهدة التي يهاجمها دائماً القوميون العرب، على الرغم من أن هذه المعاهدة كانت نتاج فكرة القومية العربية أمام التتريك العثماني، وهي ما أنشأت دولاً مليئة بالتناقضات والأعراق والطوائف المتنافرة والمتناحرة، دول تم إنشاؤها منذ مائة عام أو أقل، على أساس خاطئ، فاستمرت كوارثها.
إنها اتفاقية سايكس - بيكو، وللدقة، سايكس - بيكو - سازونوف، التي قسمت الولايات العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، إلى دول أو دويلات، مع ترك رسم الحدود، على حسب مصالح المجموعات العرقية مع القوى الإقليمية، وأهمها الشريف حسين في مكة، حيث كانت الثورة العربية الكبرى مشتعلة ضد القوات العثمانية.
ومن سخرية القدر أن من كشفوا المعاهدة هم البلاشفة، بعد سقوط النظام القيصري في روسيا 1917، واستيلاء الثورة البلشفية على محاضر اجتماع بتروجراد الذي تم في فبراير/شباط 1916 بين سايكس وسازونوف. والسير مارك سايكس (1879 - 1919) هو أحد الأرستقراطيين البريطانيين الذي كان على دراية كبيرة بالمنطقة العربية والولايات العثمانية وجغرافيتها وتاريخها، وتم تعيينه مستشاراً لشؤون الشرق الأوسط لمجلس الوزراء البريطاني، بسبب إجادته العربية والتركية، ولمعرفته التامّة بالمنطقة، كما عمل فترة ملحقاً سياسياً للسفارة البريطانية في اسطنبول، وله مؤلفات عديدة مهمة، كان لها دور في إعادة رسم خريطة المنطقة بعد ذلك، مثل "دار الإسلام"، "رحلة في الولايات العثمانية الخمس"، "الإرث الأخير للخليفة". وكذلك كان عضواً في مجلس العموم البريطاني 1911، وكان فكر السير سايكس يميل إلى حق تقرير المصير للأقليات ودعم استقلال الشعوب، ومع حق استقلال العرب عن الدولة العثمانية، وكذلك مع حق اليهود في وطن قومي. وتفيد دراسات تاريخية بأنه، في البداية، اتفق مع الشريف حسين على إنشاء كونفيدرالية عربية داخل مملكة عربية كبرى، بعد الثورة العربية، مكافأة على مساندة العرب لبريطانيا في حربيها ضد الأتراك. ولكن، حدثت تغييرات كثيرة بعد ذلك مع زعماء طوائف وأمراء، ما أدى إلى التقسيم الحالي للمنطقة.

أما فرنسوا جورج بيكو (1870-1951)، فهو ديبلوماسي فرنسي، وأحد معديّ الاتفاقية التي نصّت على تقسيم إرث الإمبراطورية العثمانية تحت مسمى الانتداب، وقد فازت فرنسا ببسْط سيطرتها على سورية الكبرى، إلى أن تم اقتطاع لبنان من سورية 1926، إثر الثورة السورية ضد الفرنسيين. وسيرجي سازونوف (1860-1927) هو وزير خارجية روسيا في ذلك الوقت، أحد أهم الذين ضغطوا من أجل تدخل روسيا لدعم الصرب والجنس السلافي، في مواجهة الإمبراطورية النمساوية - المجرية والإمبراطوريتين الألمانية والعثمانية، بهدف التوسع والاستيلاء على مناطق البوسفور والدردنيل ومناطق البلقان التي كانت مقسمة بين الإمبراطوريتين، العثمانية والنمساوية المجرية.
وبذلك، كان للتفاهم السري بين بريطانيا وفرنسا بمصادقة روسيا على اقتسام دول الهلال الخصيب تداعياته الخطيرة المستمرة حتى اليوم. لذلك، وجب التذكير بأن تلك الحدود وتلك الدول والممالك لم يكن لها وجود منذ مائة عام أو 80 عاماً وربما أقل، ومعظم الدول التي تعاني اليوم من مشكلات طائفية وعرقية لم يكن لها وجود حتى أقل من 50 عاماً، وهي الدول التي لم تنشأ على أساس قومي، لكنها نشأت بناء على تفاهمات بين بعض العائلات والوجهاء والأمراء مع الاستعمار، فنشأت دول وممالك ليس فيها تجانس طائفي أو عرقي، بالإضافة إلى غياب ثقافة التعايش والتنوع عن منطقتنا من الأساس. فلم تكن هناك حدود مرسومة لمعظم الدول العربية التي تقع على شرق حدود مصر المعروفة منذ القدم.
وكانت بداية الدعوة لإنشاء وطن قومي لليهود تقترح أوغندا، قبل تأثر الحركة القومية الصهيونية بالتفسيرات التوراتية، وتشير دراسات كثيرة إلى تأثر الحركة القومية اليهودية بالثورات العربية ضد الأتراك ومساعي الاستقلال ومشروع فيصل - الشريف حسين بإنشاء مملكة عربية كونفيدرالية في منطقة الجزيرة العربية والشام، وتتحدث دراسات كثيرة عن تعاطف قادة الثورة العربية الكبرى مع فكرة إنشاء وطن قومي لليهود. وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، هربرت سكويث (1852 - 1928) أن تفكيك الامبراطورية العثمانية هدف استراتيجي للحرب، وهو ما توافق مع مساعي بريطانيا وفرنسا أن تكون فلسطين تحت سيطرة أوروبية، وليس تركية. وعلى الرغم من زعم السير ونستون تشرشل والسير مارك سايكس، وكذلك توماس لورانس المعروف بلورانس العرب، أن مساعيهم إلى إنشاء كونفيدرالية عربية مصلحة لفكرة القومية العربية والاستقلال عن تركيا، إلا أنه كانت هناك مراسلات أخرى، تتحدث عن ضرورة ربط الثورة العربية الكبرى ضد الأتراك بمصالح بريطانيا، وقد تبلورت فكرة جامعة الدول العربية بعد ذلك بسنوات، وكان عمودها الفقري محور الرياض القاهرة. وهناك كتابات تزعم أن قرار جامعة الدول العربية في 1948 رفض قرار التقسيم كان بإيعاز بريطاني، وهو ما أضاع فرصة كبرى.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017