الإعلانات السياسية: ما وراء التناقض بين "فيسبوك" و"تويتر"

07 نوفمبر 2019
تتباين رؤى جاك ومارك (أندرو كاباليرو رينولدس/برهان كينو/Getty)
+ الخط -

اختارت "تويتر" التخلي عن نشر الإعلانات ذات الطابع السياسي على المستوى العالمي. وتسبب القرار بجدل حول التعريف الحقيقي للإعلانات السياسية، كما زاد الضغوط على "فيسبوك" التي ترفض الإقدام على خطوة مماثلة.


أعلن الرئيس التنفيذي لـ"تويتر" جاك دورسي، عبر حسابه الرسمي في المنصة، أن الشركة قررت التخلي عن نشر كل الإعلانات ذات الطابع السياسي على موقعها، وأوضح أن القرار سيسري اعتباراً من نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وقال دورسي إن الدوافع وراء هذا القرار تعود إلى كون الانتشار العضوي للرسائل السياسية على الإنترنت "لا ينبغي مقايضتها بالمال". وتابع أن الحالة المتقدمة لتكنولوجيا الإعلان الرقمي، بما في ذلك "التحسين التلقائي القائم على التعلم والاستهداف الجزئي والتلاعب المعمق، إلى جانب تلوث بيئة المعلومات عبر الإنترنت بسبب المعلومات الخاطئة، تحديات جديدة تماماً على الخطاب المدني".


ما هي الإعلانات السياسية؟
أثار قرار دورسي الجدل عبر الإنترنت على مستويات عدة، على رأسها التعريف الحقيقي لماهية الإعلانات السياسية. غرّدت الناشطة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والتنوع، لورا غوستميز، "سعيدة بإعلان جاك دورسي، لكن دعنا نتوقف ونفكر في معنى (سياسي) أولاً"، وأعادت نشرت تغريدة تتساءل "هل خدمات الصحة الإنجابية سياسة؟".
تساؤل رد عليه دورسي بإعادة نشر تغريدة مسؤولة القانون والسياسة والثقة والسلامة في "تويتر" فيجايا جاد، التي فصّلت في ما تعتبره "تويتر" إعلاناً سياسياً.

وقالت التغريدة إن الإعلانات السياسية تعني "الإعلانات التي تشير إلى انتخابات أو مرشح، أو الإعلانات التي تنادي أو تعارض القضايا التشريعية ذات الأهمية الوطنية، مثل تغير المناخ، الرعاية الصحية، الهجرة، الأمن القومي، والضرائب".

وصب هذا التعريف الزيت على نار الجدل المستعر أصلاً، وأثار المعلقون مخاوف بشأن ما إذا كان سيتم حظر تغريدات تتحدث عن تغير المناخ مثلاً بشبهة أنها إعلانات سياسية.
ونقلت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية عن الأستاذ المساعد في الاتصالات بجامعة كورنيل، ج. ناثان ماتياس، أن الحظر قد يكون له عدد من العواقب غير المقصودة ، بما في ذلك دفع الحملات لاستخدام المزيد من برامج الروبوت وحيل الغش الأخرى.

وأضاف "من الصعب للغاية تحديد الأشياء (السياسية) من الخطاب غير السياسي"، "إذا كانت سياساتها فضفاضة للغاية أو فرضها خبيثاً جداً، فقد يتسبب (تويتر) في إلحاق ضرر حقيقي بالصحة العامة واستيعاب الخدمات الحكومية والحياة المدنية".
شانون س. ماكغريغور، أستاذة مساعدة في قسم الاتصالات في جامعة ولاية يوتاو وباحثة في الاتصالات السياسية، ووسائل الإعلام الاجتماعية، والرأي العام، تشير إلى أن ترامب لا يحتاج كثيراً إلى إعلانات "تويتر".

وأوضحت في مقال عبر صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أن بحثها أشار إلى أن ما يصل إلى 80 في المئة من تغريدات ترامب ينتهي بها المطاف في الأخبار، ما يكسبه ظهوراً هائلاً في وسائل الإعلام.

وهل تعني نهاية الإعلانات السياسية نهاية أرشيف إعلانات "تويتر"؟ تتساءل الباحثة، إذ ترى أنه، حتى مع تطبيق سياسة الحظر، يجب أن تستمر "تويتر" في تبني الشفافية وتطبيق طريقة ما لعرض الإعلانات المرفوضة بسبب اعتبارها سياسية، إلى جانب ضرورة إنشاء آليات واضحة ومحددة للطعن في هذه القرارات.



زيادة الضغوطات على "فيسبوك"
زاد قرار "تويتر" من الضغوطات على منافستها "فيسبوك" التي ترفض حتى حدود الساعة الإقدام على خطوة مماثلة. وفي الساعات التي تلت إعلان دورسي، جاء الدعم من منظمات وناشطين يدعون "فيسبوك" إلى السير على خطى "تويتر".

من بين هذه الأصوات مؤسسة Open Knowledge Foundation، التي أثنت رئيسيتها التنفيذية، كاثرين ستيهلر، على قرار "تويتر" واصفةً إياه بأنه "مرحب به للغاية".
ودعت ستيهلر "فيسبوك" إلى العمل على "المطالب المتزايدة لمزيد من الشفافية". وقالت "من الضروري ألا نسمح للتضليل أن يفسد الانتخابات العامة في المملكة المتحدة هذا العام، والانتخابات المقبلة في جميع أنحاء أوروبا، والانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل".
وانتقد السيناريست آرون سوركين، الذي يكتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، مارك زوكربيرغ لتمكينه من نشر "الأكاذيب المجنونة التي تضخ وتفسد أهم القرارات التي نتخذها معاً".

خارج أميركا
يبدو أن الضغوطات لحذف الإعلانات السياسية لن تظل حبيسة الأروقة الأميركية. بريطانيا لا تمتلك الوقت الكافي لحل مشاكل الإعلانات السياسية عبر الإنترنت قبل الانتخابات العامة، لذا بدأت الضغوطات على "فيسبوك"، إلى جانب "غوغل"، من أجل تعليق هذه الإعلانات طوعاً.
وفي رسالة موجهة إلى الرئيسين التنفيذيين لـ"فيسبوك" و"غوغل"، مارك زوكربيرغ وسندار بيشاي، بالإضافة إلى رؤساء سياسات الشركات المعنية، كتب المشاركون "يعني الإعلان عن كون الانتخابات المقبلة ستكون بعد ستة أسابيع فقط، أنه لا يوجد وقت للتنظيمات للحاق بواقع الإعلان عبر الإنترنت".

وتابعت الرسالة "إن النقطة السوداء التشريعية تثير قلقاً خاصاً في ضوء سياسات فيسبوك الأخيرة للسماح للسياسيين بنشر المعلومات المضللة بشكل علني من خلال الإعلانات. ومما يثير القلق بالقدر نفسه عدم وجود شفافية بشأن البيانات المستخدمة للاستهداف بالإعلانات وكيف يتم". ووقّع الرسالة ممثلون عن منظمات، من بينها "موزيلا" و"دوتفيريون" ومعهد البيانات المفتوح وجامعة شيفيلد.



حرية التعبير والديمقراطية
كان توقيت دورسي مناسباً تماماً لزيادة الضغط على "فيسبوك"، إذ أعلن القرار قبل ساعة فقط من عقد زوكربيرغ مؤتمراً لإعلان النتائج الفصلية لـ"فيسبوك". 

رفض موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حظر الإعلانات السياسية أو حتى التدقيق في مدى صحتها. وكان متحدث باسم "فيسبوك" قد صرّح بأن إعلانات السياسيين غير مؤهلة للمراجعة والتحقق من صحتها من جهة خارجية.

وأعلن نائب رئيس الشؤون العالمية والاتصالات في "فيسبوك"، نيك كليغ، أنه "لا نعتقد أنه من المناسب لنا أن نحكم في المناقشات السياسية ونمنع خطاب السياسي من الوصول إلى جمهوره ويخضع للنقاش العام والتدقيق. ولهذا السبب يعفي فيسبوك السياسيين من برنامج التحقق من الحقائق من جهة خارجية".

وفي خطاب بجامعة جورج تاون، قال المدير التنفيذي لـ"فيسبوك" مارك زوكربيرغ، إن الشركة ألقت نظرة مرة أخرى على حظر الإعلانات السياسية، وأنها لا تشكل جزءاً كبيراً من النشاط التجاري.
وحذّر زوكربيرغ من صعوبة الحسم في مثل هذه السياسة، وقال: "عندما لا يكون واضحاً تماماً ما يجب فعله، يجب أن نخطئ إلى جانب حرية تعبير أكبر".

وبينما لجأ "فيسبوك" ومؤيدوه إلى حرية التعبير كمبرر لعدم حظر الإعلانات السياسية، رد دورسي بأن "هذا لا يتعلق بحرية التعبير"، "هذا يتعلق بالدفع مقابل الوصول. والدفع لزيادة مدى الخطاب السياسي له تداعيات كبيرة على البنية التحتية، الديمقراطية اليوم قد لا تكون مستعدة للتعامل معها".

وتابع دورسي عبر سلسلة تغريداته الرد على منطق "فيسبوك" بالقول "ليس من المعقول بالنسبة لنا أن نقول (نحن نعمل بجد لمنع الناس من استخدام أنظمتنا لنشر معلومات مضللة، وفي الوقت نفسه نسمح لمن يدفعون من أجل الاستهداف وإجبار الناس على رؤية إعلانهم السياسي بقول ما يريدون)".


حسابات المال والأرباح

انخفض سهم "تويتر" بأكثر من 1 في المئة بعد ساعات من التداول أعقبت الإعلان. لكن يبدو أن جاك دورسي قد حول نقطة ضعف إلى قوة، بحيث قطع مجرى إيرادات ضئيل من أجل الضغط على منافسه الرئيسي "فيسبوك". زوكربيرغ من جهته، أوضح أنه، كما هو الحال مع "تويتر"، لم تكن الإعلانات السياسية مصدر دخل رئيسي، وتمثل "أقل من 0.5 في المئة من إيراداتنا العام المقبل".

وفي جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، قام 21 معلناً فقط بإدارة إعلانات سياسية خلال الفترة التي نظمت فيها الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، وفقاً للمعلومات الواردة على موقع "تويتر".

على النقيض من ذلك، حصل "فيسبوك" على أكثر من 390 ألف دولار أميركي في الأسبوع الماضي من أبرز عشرة معلنين سياسيين بريطانيين.
وتقول "ذا غارديان" إن الحجم الصغير للإعلان السياسي على "تويتر" يجب أن يساعد الشركة في تجنب الجزء الأكبر من النقد.

دلالات
المساهمون