الإعلام الفرنسي وانتخابات اليسار: صف واحد

27 يناير 2017
الصحف الفرنسية... موقف شبه موحّد (جايسون لانغلي)
+ الخط -
من سوء حظّ الحزب الاشتراكي الفرنسي ومناضليه أنه محكوم عليهم بالاختيار بين يَسَارَيْن "غير قابلين لأي مصالحة"، باعتراف المرشح مانويل فالس نفسه. والمراقب الذي يقرأ برنامَجَي المرشحَّيْن معاً، بونوا هامون وفالس يكتشف أنهما على طرفي نقيض، وبالتالي فلا وجود لشعرة معاوية بينهما. ولن تؤدي نتائج يوم الأحد المقبل إلا إلى تكريس أجواء انفجار داخلي، ستتطلب معالجته وقتاً طويلاً.
وعلى الرغم من أنه يصعب النظر إلى المرشح مانويل فالس خارج الحصيلة الاشتراكية في السلطة، وهو ما لا ينكره، وإن اعترف، أحياناً، بأنه كان مدفوعاً إلى اتخاذ قرارات صعبة، إلا أن وسائل الإعلام الفرنسية في أغلبها، أكثر تسامحاً معه، مقارنة مع مواقفها من بونوا هامون. وهو ما يكشف أن برنامج هذا الأخير، الذي يتمتع بتفرد وأصالة، يزعج الطبقة السياسية الفرنسية، التي تتحكم في قسم كبير من وسائل الإعلام الفرنسي.
ويعثر المراقب لوسائل الإعلام الفرنسية التبرير لـ"واقعية" برنامج فالس الانتخابي في مواجهة برنامج حالم وطوباوي لبونوا هامون. وتصل الانتقادات إلى درجة تقمص لغة قاسية، كما وصف فرانز- أوليفيي غيسبرت، أحد أعمدة مجلة "لوبوان" الأسبوعية، حين وصف برنامح هامون بـ"ترامبيّة اليسار"، نسبة إلى الرئيس الأميركي ترامب. ولا يجد بونوا هامون من داعم سوى شبكات التواصل الاجتماعي وقليل من المواقع الإخبارية، من بينها ميديا بارت.
صحيفة "ليبراسيون" اليسارية تحاول من جهتها التوفيق بين المرشَّحَين مع خفقان القلب، قليلاً، نحو مانويل فالس. فيكتب لوران جوفرين، في افتتاحيته ليوم الثلاثاء 24 يناير/كانون الثاني، أنّ ناخبي الدورة الأولى لانتخابات اليسار الفرعية، أكّدوا أن "اليسار لا يمكن له أن يتخلى عن مشروع طويل الأمد وعن الأمل في التغيير، وعن فكرة جديدة عن المجتمع"، باختصار: لا يمكن التخلي عن "اليوتوبيا".
ويرى مدير تحرير ليبراسيون أن التصويت لصالح هامون، رغم كل الشكوك التي تحوم حول برنامجه، وهل من الممكن أن تجد التمويل لها أم لا، وهل تحظى بالمصداقية أم لا، هي "رغبة في إعادة الصلة بروحية حملة انتخابات 2012". ويميز جوفرين بين شعار الحملة التي قادها الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، وهو: "التغيير، الآن"، وشعار بونوا هامون: "التغيير، غداً".
ويعترف الصحافي الفرنسي أن بونوا هامون عرف كيف يتحدث إلى جيل متعطش إلى التجديد. وهو جيل يقول عنه الصحافي "إنه حَضريّ، بالتأكيد، ومندمج ولكنه، أيضاً، كريم ومتضامن".
ورغم كل المديح، الذي كَاله جوفرين، للمرشح الشاب الذي فاجأ الجميع، إلا أنه وصل إلى النتيجة التي لا يريد الكثيرون سماعها، وهي أن "هذا الجيل غيرُ قادر على وضع قواعد أغلبية في انتخابات رئاسية".
وليس سرّاً أن خط صحيفة ليبراسيون غيرُ بعيد عن خط مانويل فالس، أي الخط الاجتماعي الديمقراطي، كما يفهمه مانويل فالس نفسه، وليس كما تفهمه مارتين أوبري وأنصارها، فرغم "إفراج" الصحيفة عن كثير من المقالات التي تنتقد مانويل فالس وسياساته وتسلّطه ونفوره من الثقافة ومن علم الاجتماع، إلا أنها كانت تحاوره وتنشر مقالاته حين يجد منفعة في ذلك.
ويكشف مدير صحيفة ليبراسيون أن مانويل فالس الذي تعرّض لصعوبات في هذه الانتخابات بسبب "انبثاق أنصار عولمة بديلة في قلب الحزب الاشتراكي العجوز، نفسه" على حق حين يقول بأن هذا الجيل الجديد لن يصنع انتصاراً. "لأنه لا يكفي، كما يؤكد جوفرين امتلاك برنامج جديد حتى يتحقق النصر".
ولأن المرشحَّيْن الاشتراكيين الاثنين، إن تعلق الأمر بالمدافع عن السلطة الحكومية أو بالمدافع عن الأمل المُناضل، يتقاسمان التفاحة الواحدة، فإنه يتوجب، من أجل الحفاظ على حضور لليسار الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما يخلُصُ إلى ذلك، جوفرين، إمّا أن يبرهن بونوا هامون على أن مشروعه قابلٌ للتطبيق، هنا والآن، ولو اقتضى الأمر تحديد المراحل، وإمّا أن يبرهن مانويل فالس على أنه لن يكتفي بإجراء إصلاحات فورية ومعقولة، ولكن يبرهن، أيضاً، على أنه يستطيع رسمَ المستقبل.
يعرف جوفرين أن مهمة المُرشَّحَين، معاً، مستحيلة، في نظر كل المراقبين، وحتى في نظر مانويل فالس نفسه. ولكنه فضّل أن يرى المهمة "شاقة". وهي إشارة إلى الأمل. وليس لليسار، بعد ولاية فرانسوا هولاند الرئاسية، سوى الأمل.

دلالات
المساهمون