تتعاطى كل وسائل الإعلام العربية، "المحلية" منها، و"الإقليمية"، مع التقارير التي تصدر عن وكالات الأنباء الكبرى، بنوع من "الفوبيا" (الرُّهاب) تمنعها من تجاهل أي خبر أو تقرير عن الشأن العربي، يصدر عن تلك الوكالات، بغض النظر عن أهميته. ويصبح خبر الوكالة هو محور بحث وتوسع من خلال زوايا معالجة مختلفة لدى وسائل الإعلام العربية، لدرجة تشعر أن هناك رقيباً داخلياً لدى إدارات تحرير تلك الوسائل يمنعها من تجاهل تقرير جاءت به إحدى الوكالات الكبرى عن منطقة يفترض أنها ملعب وسائل الإعلام العربية ويفترض أنها الأقدر من تلك الوكالات على الإحاطة بتفاصيل كل الأحداث.
وطبعاً يستثنى من هذه الوسائل العربية، وسائل الإعلام الحكومية وشبه الحكومية، ووسائل الإعلام الحزبية، التي تتعاطى مع أخبار الوكالات بما يتوافق مع سياساتها وتوجهاتها، إذ تسلط الضوء على الأخبار التي تخدم سياساتها وتستخدمها كنقاط قوة لها، فيما تهمل الأخبار التي قد تتعارض معها، كما أن بعض تلك الوسائل أحياناً تلجأ إلى تحريف أخبار الوكالات بما يتوافق مع توجه الجهة التي تملكها.
اقــرأ أيضاً
ولعلّ الأمر الخطير في موضوع تعاطي وسائل الإعلام العربية مع تغطية الوكالات للحدث العربي، هو تحول وكالات الأنباء الكبرى إلى وسيلة لقيادة كل وسائل الإعلام العربية، إلى نقاط تركيز محددة تريدها أن تكوّن قضايا رأي عام في تلك المناطق، الأمر الذي يحول الكثير من وسائل الاعلام عن رسائلها الإعلامية لصالح الترويج لقضايا أخرى تريد الوكالات الترويج لها. فوكالات الأنباء الكبرى هي من جهة مؤسسات لها هدفٌ ربحيٌّ تسعى من خلاله لإثارة القضايا التي تثير جمهورها، ومن جهة أخرى وهي الأهم تعمل وكالات الأنباء على صناعة قضايا رأي عام في مناطق تغطيتها، تخدم أجندات الدول التي تدعمها وذلك من خلال التركيز على قضايا معينة وإهمال قضايا أخرى، ومن خلال استخدام فن التأطير الإعلامي الذي يساعدها في إيصال رسائلها بشكل أكثر تركيزاً.
والنظرية التي تقول أن مهمة الإعلام هي نقل الحقيقة الى الجمهور بشكل مجرد دون وجود رسالة إعلامية، ما هي إلا كذبة نظرية موجودة في كتب الإعلام فقط، ولا وجود عملياً لها في الواقع، ووكالات الأنباء الكبرى هي الأبعد عن تطبيق هذه النظرية، وهناك الكثير من الشواهد على دور وكالات الأنباء في صناعة قضايا رأي عام بمساعدة وسائل الإعلام العربية من أجل خدمة أجندات مالكي تلك الوكالات، التي اعتمدت على القاعدة الاعلامية التي تقول أن الحدث المهم هو الذي يراه رئيس التحرير مهماً وليس الحدث المهم بحد ذاته.
اقــرأ أيضاً
على سبيل المثال في دول ثورات الربيع العربي عملت وكالات الأنباء الكبرى على تضخيم تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الجهادية، وصنعت منها بعبعاً لكل دول العالم، منذ اللحظة الأولى لتشكلها. فكلنا يذكر كيف أن الوكالات هي أول من أعلنت أن تنظيم "داعش" قد سيطر على الموصل في الوقت الذي كانت فيه نسبة التنظيم من القوى التي سيطرت على المدينة لا تتعدى العشرة بالمئة، وكيف بدأت الوكالات بالعمل كمروج مجاني لكل أجندة التنظيم، ونقلت كل تفاصيل أخباره، كأولوية في تغطياتها. وكانت وسائل الإعلام العربية تسير خلف تلك الوكالات لناحية إيلاء الأولوية لأخبار التنظيم وعدم القدرة على تجاهل أي تفصيل منها، على حساب أحداث قد تكون أكثر أهمية ومن المفترض أن تكون هي أولوية في التغطية لدى تلك الوسائل. وكذلك الحال كان بالنسبة لتنظيم جبهة النصرة في سورية الذي ساهمت الوكالات في تعظيم شأنه وتصديره الى الرأي العام كقوة كبرى، الأمر الذي مكّنه من كسب سمعة ساعدت على زيادة شعبيته. فعلى سبيل المثال حين سيطرت فصائل من المعارضة على منطقة وادي الضيف "الذي كان حصناً منيعاً للنظام" في ريف إدلب الجنوبي كانت القوة التي اقتحمت الوادي في غالبيتها هي من فصائل المعارضة نحو 50 بالمئة من حركة أحرار الشام و20 بالمئة من الجيش الحر وكانت نسبة مشاركة جبهة النصرة لا تتعدى الثلاثين بالمئة، سوقت الوكالات الخبر على أن جبهة النصرة سيطرت على وادي الضيف وتبعتها كل وسائل الإعلام العربية.
وهناك أمثلة كثيرة على تصنيع الوكالات لقضايا رأي عام بمساعدة الإعلام العربي هي ليست ضمن أولويات تلك الوسائل ولكنها ساهمت فيها بسبب الفوبيا من عدم القدرة على تجاهل المواضيع التي تطرحها الوكالات.
ولو بقينا في مناطق ثورات الربيع العربي نجد أن وسائل الإعلام العربية المنحازة في رسالتها الإعلامية لتلك الثورات، تمتلك من المراسلين ومصادر المعلومات أضعاف ما تمتلكه الوكالات الكبرى، الأمر الذي يجعلها الأقدر على توجيه الرأي العام، والتأثير في الجمهور بشكل أكثر فاعلية فيما لو امتلكت تلك الوسائل استراتيجية عامة موحدة تخدم المشترك في رسائلها الاعلامية اتجاه جمهورها، ولاستطاعت إجبار الوكالات على عدم تجاهل ما تنشره من تقارير بحسب نقاط تركيز هي من تحددها، وليس العكس.
ولكي تتمكن تلك الوسائل من التأثير بشكل أكبر، عليها أن تفكر بهدف أبعد من مجرد ضخ الأخبار والتقارير، وتعمل على وضع تصور يمكنها من إيصال رسالتها الإعلامية بشكل أكثر تأثيراً ودراسة هذا التأثير على الجمهور، وهي تمتلك كل الوسائل التي توصلها لهذا الهدف، وذلك من خلال وضع استراتيجية عامة للتغطية تقوم على وضع نقاط تركيز عامة على المدى البعيد تتعلق ببعض الافكار والمفاهيم التي يهمها الترويج لها، وأخرى مرتبطة بالأحداث الآنية بحيث يتم التركيز من قبل كل الوسائل على زوايا معينة بنفس التوقيت بحيث تجعل منها قضايا رأي عام. بالاضافة إلى الاتفاق على المصطلحات المركبة التي تعبر عن العلاقات بين الجهات المختلفة، مثل العلاقات بين الأنظمة الديكتاتورية والدول التي تدعمها وذلك من أجل أن يكون تأثيرها أقوى لدى المتلقي، كما يمكن استخدام فن التأطير الإعلامي، سواء في النصوص أو الصور من أجل أن يكون تأثيرها أقوى لدى المتلقي، علماً أن الوكالات الكبرى ومعظم الأنظمة الديكتاتورية تستخدم التأطير الإعلامي في تغطيات وسائل إعلامها، بما يخدم رسائلها الاعلامية، وبما أن وسائل الإعلام العربية هي الأكثر وصولاً الى مناطق التغطية في مناطق ثورات الربيع العربي يمكن لها أن تنسق مع معظم الجهات الفاعلة في مناطق ثورات الربيع العربي من أجل اعتمادها كمصدر أول للمعلومات الخاصة بالقرارات المصيرية والهامة، قبل نقلها للوكالات، الأمر الذي يجبر الوكالات على الاعتماد على تلك الوسائل كمصدر معلومة لتلك الأحداث الهامة والقرارات، ويعزز من مكانة الوسائل.
كما تحتاج هذه الوسائل لمركز أبحاث مشترك خاص بالدراسات الإعلامية يقوم على دراسة الجمهور ودراسة أثر المحتوى الإعلامي الذي يضخ إليه عبر تلك الوسائل، ومعرفة شكل التأثير لهذا المحتوى، الأمر الذي يمكن تلك الوسائل من الاستفادة من مواردها المتاحة في خلق تأثير أكبر على جمهورها ويجعلها تتجنب رويداً رويداً حالة الفوبيا التي تصيب كوادرها من أية معلومة عن مناطق تغطيتها تأتي عبر وكالة كبرى.
وطبعاً يستثنى من هذه الوسائل العربية، وسائل الإعلام الحكومية وشبه الحكومية، ووسائل الإعلام الحزبية، التي تتعاطى مع أخبار الوكالات بما يتوافق مع سياساتها وتوجهاتها، إذ تسلط الضوء على الأخبار التي تخدم سياساتها وتستخدمها كنقاط قوة لها، فيما تهمل الأخبار التي قد تتعارض معها، كما أن بعض تلك الوسائل أحياناً تلجأ إلى تحريف أخبار الوكالات بما يتوافق مع توجه الجهة التي تملكها.
ولعلّ الأمر الخطير في موضوع تعاطي وسائل الإعلام العربية مع تغطية الوكالات للحدث العربي، هو تحول وكالات الأنباء الكبرى إلى وسيلة لقيادة كل وسائل الإعلام العربية، إلى نقاط تركيز محددة تريدها أن تكوّن قضايا رأي عام في تلك المناطق، الأمر الذي يحول الكثير من وسائل الاعلام عن رسائلها الإعلامية لصالح الترويج لقضايا أخرى تريد الوكالات الترويج لها. فوكالات الأنباء الكبرى هي من جهة مؤسسات لها هدفٌ ربحيٌّ تسعى من خلاله لإثارة القضايا التي تثير جمهورها، ومن جهة أخرى وهي الأهم تعمل وكالات الأنباء على صناعة قضايا رأي عام في مناطق تغطيتها، تخدم أجندات الدول التي تدعمها وذلك من خلال التركيز على قضايا معينة وإهمال قضايا أخرى، ومن خلال استخدام فن التأطير الإعلامي الذي يساعدها في إيصال رسائلها بشكل أكثر تركيزاً.
والنظرية التي تقول أن مهمة الإعلام هي نقل الحقيقة الى الجمهور بشكل مجرد دون وجود رسالة إعلامية، ما هي إلا كذبة نظرية موجودة في كتب الإعلام فقط، ولا وجود عملياً لها في الواقع، ووكالات الأنباء الكبرى هي الأبعد عن تطبيق هذه النظرية، وهناك الكثير من الشواهد على دور وكالات الأنباء في صناعة قضايا رأي عام بمساعدة وسائل الإعلام العربية من أجل خدمة أجندات مالكي تلك الوكالات، التي اعتمدت على القاعدة الاعلامية التي تقول أن الحدث المهم هو الذي يراه رئيس التحرير مهماً وليس الحدث المهم بحد ذاته.
على سبيل المثال في دول ثورات الربيع العربي عملت وكالات الأنباء الكبرى على تضخيم تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الجهادية، وصنعت منها بعبعاً لكل دول العالم، منذ اللحظة الأولى لتشكلها. فكلنا يذكر كيف أن الوكالات هي أول من أعلنت أن تنظيم "داعش" قد سيطر على الموصل في الوقت الذي كانت فيه نسبة التنظيم من القوى التي سيطرت على المدينة لا تتعدى العشرة بالمئة، وكيف بدأت الوكالات بالعمل كمروج مجاني لكل أجندة التنظيم، ونقلت كل تفاصيل أخباره، كأولوية في تغطياتها. وكانت وسائل الإعلام العربية تسير خلف تلك الوكالات لناحية إيلاء الأولوية لأخبار التنظيم وعدم القدرة على تجاهل أي تفصيل منها، على حساب أحداث قد تكون أكثر أهمية ومن المفترض أن تكون هي أولوية في التغطية لدى تلك الوسائل. وكذلك الحال كان بالنسبة لتنظيم جبهة النصرة في سورية الذي ساهمت الوكالات في تعظيم شأنه وتصديره الى الرأي العام كقوة كبرى، الأمر الذي مكّنه من كسب سمعة ساعدت على زيادة شعبيته. فعلى سبيل المثال حين سيطرت فصائل من المعارضة على منطقة وادي الضيف "الذي كان حصناً منيعاً للنظام" في ريف إدلب الجنوبي كانت القوة التي اقتحمت الوادي في غالبيتها هي من فصائل المعارضة نحو 50 بالمئة من حركة أحرار الشام و20 بالمئة من الجيش الحر وكانت نسبة مشاركة جبهة النصرة لا تتعدى الثلاثين بالمئة، سوقت الوكالات الخبر على أن جبهة النصرة سيطرت على وادي الضيف وتبعتها كل وسائل الإعلام العربية.
وهناك أمثلة كثيرة على تصنيع الوكالات لقضايا رأي عام بمساعدة الإعلام العربي هي ليست ضمن أولويات تلك الوسائل ولكنها ساهمت فيها بسبب الفوبيا من عدم القدرة على تجاهل المواضيع التي تطرحها الوكالات.
ولو بقينا في مناطق ثورات الربيع العربي نجد أن وسائل الإعلام العربية المنحازة في رسالتها الإعلامية لتلك الثورات، تمتلك من المراسلين ومصادر المعلومات أضعاف ما تمتلكه الوكالات الكبرى، الأمر الذي يجعلها الأقدر على توجيه الرأي العام، والتأثير في الجمهور بشكل أكثر فاعلية فيما لو امتلكت تلك الوسائل استراتيجية عامة موحدة تخدم المشترك في رسائلها الاعلامية اتجاه جمهورها، ولاستطاعت إجبار الوكالات على عدم تجاهل ما تنشره من تقارير بحسب نقاط تركيز هي من تحددها، وليس العكس.
ولكي تتمكن تلك الوسائل من التأثير بشكل أكبر، عليها أن تفكر بهدف أبعد من مجرد ضخ الأخبار والتقارير، وتعمل على وضع تصور يمكنها من إيصال رسالتها الإعلامية بشكل أكثر تأثيراً ودراسة هذا التأثير على الجمهور، وهي تمتلك كل الوسائل التي توصلها لهذا الهدف، وذلك من خلال وضع استراتيجية عامة للتغطية تقوم على وضع نقاط تركيز عامة على المدى البعيد تتعلق ببعض الافكار والمفاهيم التي يهمها الترويج لها، وأخرى مرتبطة بالأحداث الآنية بحيث يتم التركيز من قبل كل الوسائل على زوايا معينة بنفس التوقيت بحيث تجعل منها قضايا رأي عام. بالاضافة إلى الاتفاق على المصطلحات المركبة التي تعبر عن العلاقات بين الجهات المختلفة، مثل العلاقات بين الأنظمة الديكتاتورية والدول التي تدعمها وذلك من أجل أن يكون تأثيرها أقوى لدى المتلقي، كما يمكن استخدام فن التأطير الإعلامي، سواء في النصوص أو الصور من أجل أن يكون تأثيرها أقوى لدى المتلقي، علماً أن الوكالات الكبرى ومعظم الأنظمة الديكتاتورية تستخدم التأطير الإعلامي في تغطيات وسائل إعلامها، بما يخدم رسائلها الاعلامية، وبما أن وسائل الإعلام العربية هي الأكثر وصولاً الى مناطق التغطية في مناطق ثورات الربيع العربي يمكن لها أن تنسق مع معظم الجهات الفاعلة في مناطق ثورات الربيع العربي من أجل اعتمادها كمصدر أول للمعلومات الخاصة بالقرارات المصيرية والهامة، قبل نقلها للوكالات، الأمر الذي يجبر الوكالات على الاعتماد على تلك الوسائل كمصدر معلومة لتلك الأحداث الهامة والقرارات، ويعزز من مكانة الوسائل.
كما تحتاج هذه الوسائل لمركز أبحاث مشترك خاص بالدراسات الإعلامية يقوم على دراسة الجمهور ودراسة أثر المحتوى الإعلامي الذي يضخ إليه عبر تلك الوسائل، ومعرفة شكل التأثير لهذا المحتوى، الأمر الذي يمكن تلك الوسائل من الاستفادة من مواردها المتاحة في خلق تأثير أكبر على جمهورها ويجعلها تتجنب رويداً رويداً حالة الفوبيا التي تصيب كوادرها من أية معلومة عن مناطق تغطيتها تأتي عبر وكالة كبرى.