الإعلاميّون v/s صحافيي مواقع التواصل

11 نوفمبر 2014
تُساعد مواقع التواصل الصحافيين على إيصال المعلومة أسرع (GETTY)
+ الخط -
ألغت التكنولوجيا احتكار وسائل الإعلام للصحافة. فقد قلّص ظهور الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي العوائق أمام الصحافيين الإلكترونيين إلى الصفر. سابقاً كان لقب "الصحافي" يقتصر على الكتاب المحترفين. أما الآن فبات بإمكان أي شخص يحمل هاتفاً مزوداً بكاميرا أن يلتقط صورةً وينشرها على أحد المواقع الإلكترونية، ويمكن لأي مدوّن طموح أن ينشر قصة لإيصالها للآلاف عبر صفحات "فيسبوك". فهل يشكل صحافيو مواقع التواصل الاجتماعي تهديداً للصحافيين "القدامى"؟ 

الناقل الجديد
يرى الصحافي الجزائري عادل صياد أن "الصحافي الحقيقي هو الأكثر قدرةً على الانسجام التلقائي مع وسائط الاتصال الحديثة، والأكثر استثماراً فيها. فإن لم يكن كذلك، صار عرضةً لاعتباره كائناً آيلا للانقراض. المواقعُ الاجتماعية صارت أسرع من وسائل التبليغ الرسمية، وسرّ الاتصالية في عصرنا هذا، هو سرعة وصول المعلومة".
ويقول صياد: "بحكم اتصالي اللحظيّ عبر الهاتف ومختلف الوسائط في موضوع سجن زميلي
وصديقي عبد الحي عبد السميع، بأفراد أسرته والمقربين منه، صرتُ الأسرعَ في تقديم المعلومة، بغضّ النظر عن المستثمر فيها؛ وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، وكنتُ يومها عضواً قياديا بجمعية الجاحظية زمنَ المرحوم الطاهر وطار وما أدراك بالطاهر وطار، سبقَ هذا الرجلُ الحكومةَ وخبراءَها، وأسّسَ لجمعيته منظومة إعلامية غير مسبوقة، بل وصار يُحاضر لدى "السيريست" عن تلك التجربة والانتقال النوعيّ. وعلى هذا الأساس، فإنَّ الحاصلَ من تطورات على مستوى تقنيات التواصل وتسريع وتيرته إلى الحدود القصوى، هو في الأصل الشرطُ الأساسي للانتساب إلى المهنة".
ويعتبر صياد أنّه "لا يُمكن أن يبقى على القيد من يتفاعل بمنطق "الفاكس" و"قلم اليد". فعدم الانخراط والاستثمار في الوسائط الجديدة، بما تتيحه من مبررات للفشل وتعليقه على مشجبات الاكتظاظ، محضُ قصائد مدح للتراث". ويضيف: "العالم يتطوّرُ، وعلى الصحافي أن يكونَ في الإصغاء والتفاعل مع كلّ التسهيلات التكنولوجية في مجال الاتصال وسرعة تدفيق المعلومة. ومع ذلك يحرجني كثيراً تعامل بعض الزملاء مع الوسيلة بالطرق الأكثر بدائية، فبدلاً من استغلال السرعة، نلاحظ نوعاً من الاستئناس للبطيء، وبدلاً من قول "حدثَ الآن"، يُقالُ "يكونُ قد حدثَ: كأنَّ ما لم يحدث هو الأصل، وهذه مشكلة كبرى، فالانتقال منَ الراعي الرسميّ لنقل الخبر والمعلومة، إلى "ناقلها الجديد" هو الرهان. ينبغي أن نثقَ في الوسائط الجديدة، واستغلالها ببشاعة لتحقيق القدرة الجديدة على التواصل".

أين المصداقية؟
"مشكلة صحافة الإنترنت والبلوجرز والصحافة البديلة أنها يصعب التحقق من صدقها ودقتها، وكثيراً ما تكون غير دقيقة وهو ما قد يفقد الصحافة عموماً مصداقيتها، أمام القارئ الذي قد لا يفرق بين صحافي المطبوعة الورقية العريقة وبين صحافي أشبه بالمخبر الخاص الذي قد لا يكون مؤهلاً للعمل بالصحافة، والفيسبوك كمثال يمتلئ بنماذج لما يتم تداوله على أنه أخبار
ليتضح بعد قليل أنها شائعات"، تقول الصحافية مها مصطفى، من إحدى الصحف المصرية.
وتضيف مصطفى: "من ناحية أخرى، ثمة صحافيون محترفون لم يجدوا فرصهم في مؤسسات الإعلام العادية، فأسسوا مواقع البلوجينج الخاصة بهم؛ والتي تعد على درجة عالية من المصداقية. تحدٍ آخر يكمن في سهولة النشر في تلك الوسائل الجديدة ما يجعل الصحافي المبتدئ يظن أنه قد وصل إلى نهاية المطاف، ولا حاجة به للتدريب أو التطور أو اكتساب مهارات".

ما يرغبه القارئ
تصف إيمان، سكرتيرة تحرير إحدى الصحف المصرية، الحالة قائلةً: "يبدو أن تحولاً في ميزان القوى حدث بين ليلة وضحاها، فتخلت أسواق مؤسسات الإعلام عن سيطرتها لصالح المحتوى المرغوب من قبل الجمهور. والأشخاص العاديون الذين كانوا يُعتبرون جمهوراً في ما مضى أصبحوا الآن ينشرون محتوى مبتكراً بنسبة لافتة. وكنتيجة لذلك تزايدت صعوبة الوصول للوثوقية والمصداقية في متاهة الإعلام الإلكتروني بالنسبة للقارئ. فمعظم المحتوى الذي نقرأه حالياً لا يمت للصحافة بصلة، فهو أحياناً يتمثل بصورة على إنستغرام، وأحياناً
أخرى على شكل تغريدة على تويتر أو حتى مقالة تحت عنوان "40 طريقة لتخفيف الوزن لم تسمع بها من قبل" على أحد المواقع".
وتقول: "بغض النظر عن صيغته، فإن هذا المحتوى الذي نتعلق به يقوم بوظيفة مشابهة للصحافة. فهو يجذب انتباهنا لمدة قصيرة ويضيف لنا معلومات بشكل متفاوت. وسواء وصفنا هذه المواقع بالصحافية أم لا، فنحن كقارئين نستمر باستهلاكها، وبذلك يزداد تأثيرها على ما نعتبره صحافة. من غير المفاجئ بأننا اليوم نتجول في الصفحات الرقمية لساعات قبل أن نعترف بأننا ضائعون. ونقوم بتحديث الأخبار مجبرين ويائسين للحصول على أخبار تستحق الاهتمام. إن تجربتنا الرقمية لم تعد ذات قيمة في معظم الوقت".

معجزة العصر
من وجهة نظر محمد، الصحافي في مجال السياسة في جريدة الأهرام المصرية، يُعدّ الإعلام الرقمي من منظور الدراسات الحضارية بمثابة المعجزة، فهو يفتح نوافذ جديدة شيقة لدراسة التفاعل البشري، بالإضافة إلى أنه مفيد ومسل ويجمع الناس عبر العالم. كما يؤمن منصة يمكن لأي شخص أن يسرد قصة عبرها ويوصلها إلى جمهور معين. غير أنه الآن، وأكثر من أي وقت آخر، هناك مهمة جديدة منوطة بالصحافة، فبما أن الإعلام الرقمي بات متوفراً بشكل مطلق، يتشارك الصحافيون مسؤولية دعم المحتوى القيَّم بالنسبة للقارئ من خلال نشر مواضيع مهمة، وإلا سيتم إفساد عقول القراء بحقائق سريعة عن تخفيف الوزن. برأيي حتى المواقع التي تنشر أخباراً خفيفة تنشر في أحيان أخرى أخباراً ومقالات مهمة، كتبها صحافيون كانوا يعملون بجهات مرموقة، في الوقت الذي تنشر تلك الصحف الكثير من المواضيع غير الهامة والتي لا ترتقي لمستوى الصحافة".

لسنا دون كيشوت
الصحافي السوري في مجال الثقافة والسينما، محمد عبيدو، يرى آسفاً أن "الصحافيين الجدد استسهلوا الأمر، ولم يحرصوا على تكوين أنفسهم معرفياً وثقافياً بحكم سهولة صياغة المادة لمنابر لا تدقق كثير على الجودة والعمق. لذلك لا يشكلون أي تهديد للصحافيين القدامى، فالساحة تتسع للجميع، الجيد والرديء، والاشتغال الصحافي الجيد يجد مكانته، فالناس تبحث عما يروي ظمأهم المعرفي تجاه الحدث الثقافي والفني، كما أننا لسنا دون كيشوت، الذي
يحارب طواحين الهواء بل نعيش اللحظة وتطورها".
أما أمل، المحررة في أحد المواقع الإلكترونية المصرية، فترى أن القراء ينشدّون دائماً للمواضيع الخفيفة السهلة والمثيرة، تقول: "كوني محررة أعرف الصحف التي تبيع بشكل كبير وتلك التي لا تبيع، ونوعية المواضيع التي سيكون لها صدى كبير.
وهذا ينطبق على المواقع الإلكترونية، فمنها ما ينشر المقالات الخفيفة والمثيرة وهدفها من وراء ذلك جذب أكبر عدد من المشاهدين والزوار، لكن هل تحوز تلك المقالات على إقبال كبير؟ بالطبع لا... كما أن الأخبار الجدية في الصحف لا تحصل على قراء كثر أيضاً، ما عدا طبعاً الأخبار الهامة".
دلالات
المساهمون