الإخوان... سنوات العزلة في أحضان التنظيم [ 2/ 2]

05 نوفمبر 2015
عصفت 30 يونيو وما بعدها بالإخوان تنظيماً وأفراداً(مواقع التواصل)
+ الخط -
أنت جاسوس...لهم
يعيش فرد الإخوان داخل تلك العزلة المجتمعية التي فرضها عليه انتماؤه للتنظيم وأدبياته سنوات طويلة، ربما لا يدرك أثرها وتأثيرها عليه إلا عند حدوث مواقف مفصلية تهدد علاقته بالتنظيم ووجوده داخله، ولا أنكر أن كثيرين - من الإخوان - ربما لا يجد غضاضة في حالة العزلة تلك، فربما لم يحن الوقت بعد ليدركوا أثرها.


أما هؤلاء الذين خنقتهم تلك الدوائر لسبب أو لآخر فتململوا، فيصبح لهم شأن آخر! فالمشكلة في تلك الحالة من العزلة أنك متى أدركتها وأشرت إليها أو حاولت تسلق جدرانها، فلا تتوقع من حراس البوابة فيها، أن يقابلوك بالبشر والترحاب، بل لا تتوقع من نفسك سهولة التعامل مع واقع أنك أصبحت تغرد خارج السرب! فأنت ساعتها ستصبح عنصر تهديد للتنظيم ذاته، وصانعاً لتمرد محتمل بين أفراده، وهنا يختلف أسلوب التعامل معك داخل التنظيم عن أسلوب التعامل معك في مرحلة الدعوة.. يختلف تماماً!

أذكر أن صحافياً شاباً يمتلك قلماً جريئاً، في مرحلة ما، داخل الإخوان لم يعجبه سير الأمور وكان كثير الانتقاد، فكتب الرجل في جريدته التي يعمل فيها بعضاً من تلك السلبيات التي رآها، علها تصل إخوانه - اللي فوق - مباشرة، وكان الرجل محباً صادقاً حسبما عرفته، ومن المفارقات أنه انتقد بعض الأمور التي بات الإخوان ينتقدونها في أنفسهم اليوم! حاول هذا الشاب ببساطة أن يضرب رأسه في جدار العزلة، أو أن يكسره بشيء من التعقل، لكن حراس البوابة "التنظيميين" استطاعوا ببراعة وبسلسلة إجراءات متوالية أن يحولوا الرجل من خانة "المحب" إلى خانة "العدو" بكل ما تحتويه الكلمة من معاني الكراهية! فتحول قلمه الناصح إلى سوط يجلد ظهورهم ولا يزال! وأذكر أنني قابلته، ذات مرة، فقال لي وبكل معاني المرارة الطافحة، الإخوان أتهموني بأني "جاسوس"!

المتساقطون على طريق العزلة
يتعاظم الإحساس بالخوف من العزلة لدى فرد التنظيم، وهو يرى بعينه كيف يتعامل أفراده مع من ابتعد عنهم في سلام واختلف معهم في أدب، فقرر ترك الجماعة، فهؤلاء يعتبرهم التنظيم "متساقطون" على طريق الدعوة، جذبهم تيار الدنيا أو سقطوا في حبائل الشيطان وأوديته فأوعز لهم ففارقوا الجماعة! فيصبح السلام عليهم بحساب، والجلوس إليهم موضع ريبة، والتودد إليهم يجلب لك "التبكيت"، فلك أن تتخيل أن أقرانك ممن عايشتهم سنين يمرون عليك لا يلقون عليك السلام، تغير فجائي في حالة الود التي كانت قائمة بينك وبين أصدقاء عمرك ممن لم تعرف غيرهم في حياتك، ليس لأنك لم تعد ذلك المسلم الغيور على دينه، بل لأنك تركت التنظيم!

أما هؤلاء الذين خرجوا بضجة أو على إثر اختلاف في أمور تنظيمية أو فكرية، فهؤلاء هم العدو، فاحذرهم، تكال لهم الاتهامات بحب الدنيا، وحب الظهور والأمراض النفسية والعجب، وهذا أقل القليل، وربما وصل الأمر إلى حد الاتهام بالتعامل مع الأمن في بعض الحالات!.. وقليلون هم من يستطيعون الحفاظ على علاقات طيبة مع من ترك الإخوان لخلاف فكري أو تنظيمي.

وتبدو مرآة التنظيم عاجزة في كثير من الأحيان عن الحكم الصحيح تجاه أفرادها، التنظيم ذاته الذي لفظ أبو العلا ماضي وعصام سلطان وكال لهما الاتهامات، هو ذاته الذي وصل فيه محمد حبيب وكمال الهلباوي وثروت الخرباوي إلى قمة الهرم الإداري في الجماعة!

سقوط جدار العزلة .. أم انهيار سطوة التنظيم؟
كانت ثورة 25 يناير بمثابة الزلزال الذي ضرب الحياة السياسية والفكرية في مصر، فلم تزلزل الثورة الأرض تحت قدم النظام فقط، بل امتد الزلزال إلى كل الكيانات التي اعتراها الركود في زمن مبارك، كان الإخوان أحد تلك الكيانات التي ضربها الزلزال وبعنف، يبهرك هذا الكم من العابرين جدار العزلة بعد الثورة ممن حاولوا أن يغردوا خارج السرب ويكسروا دوائر التنظيم فألقاهم التنظيم خارج جدرانه، والطريف أن بعضهم كانت تتباهى قيادات الجماعة بأنهم "تربية الإخوان" بعد أن تركوها!

هؤلاء الذين خرجوا من رحم التنظيم إلى رحابة ميدان التحرير، كانوا أكثر الإخوان قبولاً "للآخر" الذي عايشوه في الميدان، امتزجت لديهم "هم ونحن" في لحظة فارقة هزت بقوة ذلك الجدار الذي بناه التنظيم حولهم سنوات.

ظلت توابع يناير تضرب في جذور التنظيم طيلة السنوات التي تلت الثورة، تلقي بأفراده أكثر في حضن "المجتمع" على الرغم من قسوة المقاومة، ومرارة التجربة فقد كان ومازال لها إيجابياتها العظيمة.

30 يونيو ...خريف العزلة أم عودة الجدار؟
عصفت 30 يونيو وما بعدها بالإخوان تنظيماً وأفراداً، استفاق الإخوان على المجتمع يشير لهم بـ "هم" ويتحدث عن نفسه بـ"نحن"!، أدار لهم المجتمع ظهره في قسوة في أشد لحظات الضعف والمحنة، فرقص الناس في وجوههم وهم عائدون بجثث أقرانهم من الميادين، في تلك اللحظة التي تعرت فيها المساحة الفاصلة بين المجتمع والتنظيم، كان كل شيء قد تهاوى بالفعل.

شعر الإخوان بالخيانة من المجتمع الذي طالما أنفقوا عليه من مالهم وصحتهم وأوقاتهم، كان من السهل إحداث التفرقة والانقسام لأنه لم يكن ثمة شيء ممتزج من الأساس، تحول "الناس العادية" في نظر الإخوان إلى "شعب السيسي"، وتحول الإخوان في نظر شعب السيسي من "الإخوان المحظورة" إلى "الإخوان الإرهابية"! هل من جديد!

سقط الشهداء والجرحى وامتلأت السجون بالآلاف من المعتقلين، فرأى الإخوان أن صراعهم بات مع المجتمع كله، وليس مع سلطة تمتلك مقاليد القوة، استطاعت تغيير رؤية ومفاهيم المجتمع تجاه ثورة يناير وكل ما يمت لها بصلة، مستغلة الإعلام والقضاء وحتى المؤسسات الدينية في عملية تشويه ممنهجة، وتم توجيه فوهات كل تلك المؤسسات ضد الإخوان، فهل ينتصر الإخوان على تلك السلطة بعدائهم مع المجتمع "كله"!

إن خريف العزلة الذي هبّت رياحه بعد رابعة العدوية لم يأت ليزيد المساحة الفاصلة مابين الإخوان والمجتمع، بل جاء ليقتلع جدار العزلة ويسقطه، ويلقي بالإخوان، مرة أخرى، في أحضان المجتمع، وعلى الرغم من الخسارة الفادحة التي مني بها الإخوان إلا أن حالة التباين لن تأتي بمستقبل أفضل للوطن، فلن يستغني الوطن عن الإخوان ولن ينفصل الإخوان عن حاضنتهم المجتمعية، وتلك الحالة الراهنة من "العداء" لن تصوب لهم طريقا، ولن تعيد لهم حبيبا، ليجرب الإخوان هذه المرة - رغم مرارة الواقع - الامتزاج مع المجتمع لا التمايز عنه، فحجم الفرصة هذه المرة كبير لتقليص الفارق مابين "هم .. ونحن".

(مصر)