الإجهاض السري في المغرب كشربِ الماء

17 مارس 2015
الإجهاض قد يعرّض حياة المرأة للخطر (عبدالحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -

عادَت قضية الإجهاض السري في المغرب إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، بعد توقيف وزارة الصحة رئيس قسم النساء والتوليد في أحد أكبر مستشفيات الرباط، شفيق الشرايبي، على خلفية مشاركته في تصوير تقرير مع قناة فرنسية حول الإجهاض السري في البلاد. وارتفعت أصوات عدة تُطالب بوضع القضية على طاولة البحث، بعد انتشار الإجهاض السري في المجتمع بصورة كبيرة، فيما دعا كثيرون إلى تقنين وتنظيم ممارسة عمليات الإجهاض هذه. وتُشير إحصائيات الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، إلى حدوث ما بين 600 و1000 حالة إجهاض سرية يومياً في المغرب، ما يؤدي إلى تداعيات صحية واجتماعية وأسرية خطيرة.

في 11 مارس/ آذار الجاري، وللمرة الأولى، اجتمع مسؤولون حكوميون ومنظّمات حقوقية وناشطات ورجال دين لبحث تفشي هذه الظاهرة. ويؤكد وزير الصحة، الحسين الوردي، أنه يؤيد إجراء عمليات الإجهاض لأسباب صحية، مشيراً في الوقت نفسه إلى النتائج الخطيرة التي تعقب الأمر، كالانتحار، وجرائم الشرف، وهروب الفتاة من بيت العائلة.
ويعاقب القانون الجنائي كل من شارك في إجهاض امرأة حامل، وإن وافقت على الأمر، من خلال تناول عقاقير أو أية وسيلة أخرى، بالسجن من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة مالية، والسجن من 10 إلى 20 عاماً إذا أدى إجهاضها إلى موتها.

تحكي ح. ل. قصّتها لـ"العربي الجديد". تقول إنها أجهضت جنينها عند أحد الأطباء بشكل غير قانوني قبلَ سنوات عدة، بعدما اكتشفت أنها حامل من خطيبها. توضح أنها ما كانت لتفعل ذلك لو توّجت علاقتهما بالزواج، مضيفة أن المشاكل الكثيرة بين العائلتين أدت إلى فسخ الخطوبة.
من جهتها، ما زالت فاطمة (39 عاماً)، تذكر "مرارة الإجهاض" لدى إحدى القابلات القانونيات. اضطرت إلى ذلك بعدما رفض زوجها أن يكون أباً لطفل رابع بسبب الفقر. تقول لـ"العربي الجديد" إنه "بعد إجراء عملية الإجهاض في أحد الأحياء الشعبية في الرباط، سار كل شيء بشكل طبيعي. مع الوقت، أُصبت بعارض صحي ما زلت أعاني من آثاره حتى اليوم".

من جهته، يقول موظف في إحدى الشركات، رفض الكشف عن اسمه، إنه "دفع صديقته لإجهاض الجنين لأن الحمل كان نتيجة علاقة غير شرعية، ولم يكن مستعداً للزواج بها".
في السياق، يلفت رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، شفيق الشرايبي، إلى زيادة حالات الإجهاض السري في العيادات أو أماكن أخرى، علماً أنها تشكل خطراً على صحة المرأة. وعادة ما يُجري هذه العمليات بائعو الأعشاب أو القابلات القانونيات. ويقول لـ"العربي الجديد" إنه "يجب حصر هذه العمليات بالأطباء المتخصصين في المستشفيات الحكومية".
برأي الشرايبي، الذي ينشط في محاربة الإجهاض السري، يجب إصدار قانون يسمح بالإجهاض في حالات معنية، كالاغتصاب أو الزنا أو تشوّه الجنين. ويلفت إلى أن تنظيم هذه العملية سيؤدي إلى خفض كلفتها المالية. وتراوح أسعار الإجهاض السري، الذي تُقبل عليه النساء غير الراغبات في الحمل لدواع شخصية أو اجتماعية أو نفسية أو صحية، بين 1500 درهم (150 دولاراً) و6000 درهم (نحو 600 دولار)، بحسب الحالة وعمر الجنين.

بدوره، يلفت مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، إلى أن "الإجهاض السري في المغرب عادة ما يحدث كنتيجة للعلاقات غير الشرعية. من جهة أخرى، فإن هذه العمليات تُعرّض حياة المرأة للخطر، علماً أن غالبية عمليات الإجهاض، وخصوصاً في المناطق النائية، لا يجريها أطباء". يضيف أن "الوسائل الأساسية لإجراء عمليات كهذه تنعدم أحياناً، ما قد يعرّض حياة المرأة للخطر"، مشيراً إلى أن "الإجهاض هو بمثابة وأد لنفسٍ بشرية، وخصوصاً أن الكثير من عمليات الإجهاض تتم بعد أسابيع وربما أشهر من تشكل الجنين في رحم أمه".

ويُتابع الخضري أنه "يجب الاعتراف بأننا أمام معضلة اجتماعية وأخلاقية حقيقية، في ظل تأكيد الإحصائيات حدوث أكثر من نصف مليون عملية إجهاض سرية في المغرب سنوياً، عدا عن وفاة عشرات النساء بسبب هذه العمليات، أو إصابتهن بالعقم أو أمراض أخرى"، ويدعو الحكومة والبرلمان في المغرب إلى العمل على تقنين عمليات الإجهاض، حتى لا تترتب عنها مآسٍ صحية واجتماعية، مع اتخاذ التدابير الرقابية والوقائية لصالح المواطنين المغاربة".
من جهته، يؤكد الداعية المغربي، عبد الباري الزمزمي، أنه يمكن إجهاض المرأة قبل بلوغ الجنين الستة أسابيع، لأسباب صحية أو اجتماعية (إذا حملت امرأة فقيرة من دون رغبة عندها)، وغير ذلك. ولفت إلى أن هناك "حالات تضطر فيها المرأة إلى الإجهاض، حتى لو تجاوز الحمل 6 أسابيع، منها إذا كان الجنين يشكل خطراً على صحة المرأة. في حالة كهذه، يجب حصول الإجهاض لأن حياة الأم أهم في هذه الحالة.

المساهمون