الأنظمة أقوى... لكننا متمسكون بالأمل

15 أكتوبر 2015
خلوا بيننا وبين الحياة، ثمة أمل (Getty)
+ الخط -
القضايا الكبرى تحتاج إلى صبر، وجهد، وتخطيط، وعناد، ومثابرة، وقدرة على تجاوز اليأس في محطاته الكثيرة، المتواترة، نجاح واحد قد يسبقه ألف فشل، وأمل واحد قد يورثك ألف نجاح، قضية بلادنا، بلداننا العربية كلها، موقعها من تاريخ الانحطاط الحضاري ليس بعيداً، مائتا سنة في عمر الحضارات، ليست فترة مرعبة، كما أنها ليست بالفترة القليلة، نحن في طور حضاري اعتيادي، عجلة التاريخ مرت على مثل هذا، وتجاوزته.


من يقرأ عن أمم مثل فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، في العصور الوسطى ويتورط في أجواء القتل، والسحل، واضطهاد المفكرين، وهربهم إلى بلد كان الأكثر حرية في ذلك الوقت مثل هولندا، ومثابرتهم، ومحاولاتهم المتكررة، وموتهم حسرة، ويأس بعضهم من أي إصلاح في هذه المنطقة المنكوبة من العالم المسماة أوروبا، لا يمكنه أن يتخيل أن هذه هي أوروبا بعد 4 قرون، حيث الحرية والمدنية، والمجتمعات المفتوحة، والاختراعات العلمية الخارقة، والكثير من المشكلات أيضاً، التي تحتاج إلى قرون أخرى لتجاوزها.

القراءة في الكتب التي تتحدث عن عصر التنوير، مقدماته، ومراحله، وتطوره، ونتائجه، يقف على حقيقة ما نحن فيه الآن، مرحلة، فيها ما فيها، لكنها ستمر، قد تمر بنا إلى مزيد من الفشل، وقد تمر وقد تجمدنا في أماكننا، لا إلى الإمام، ولا إلى الخلف، وقد تمر وقد تحركنا خطوة، أو تعلمنا للغد ما يحركنا إليه خطوات، هذا ما سنحدده نحن.

لا أفهم معنى لليأس، الحياة طبيعتها الحركة، والفشل المتكرر ليس معناه أن الفشل قضاء مقضياً، الفشل محطة، لا أفهم معنى أن يخبرنا أحدهم أننا جربناها عشرات المرات ولم تفلح، أن يسخر من الثورة؟ أن يسمي ما حدث في مصر "انكلاب" تسفيهاً، أن يطلق على النشطاء "نوشتاء" تماهياً مع خطاب إعلام العصابة التي تحكم مصر، أن يرى في الجميع خائناً، أن يعزز من التراجع، والعدمية، واللا فائدة، على حساب أمل صغير يتمسك به بعضنا، ويصدقه، ويمسك به كغريق يتعلق بقشة، قد تكون القشة أضعف من أن تنقذه، لكن ما الذي يضير غيره في تمسكه بها، أليس من المحتمل أن تكون القشة سبيلاً "نفسياً" لتأجيل هذا الغرق، أليس من المحتمل أن يظهر في مشهد الغرق عامل طارئ لم يكن متوقعاً، يمتلك من القدرة ما لم تمتلكه القشة، ويطفو بصاحبنا، ويوصله إلى بر الأمان، أليست القشة والحال كذلك صاحبة دور فعال.

من يدري؟ هذا السؤال إجابة في جوهره على تدخلات سمجة يصر أصحابها على أن يطبقوا بما يتخيلونه "واقعية" على صدر "حلم" من لا يملك من أمر واقعه سوى "الفرجة"، ما الذي يضيرهم أن نتابع ونحن نحلم، ما الذي يضيرهم إذا رفعنا لافتة تقول إننا نقدر، ما الذي يضيرهم أن نصدق أننا نقدر، ما الذي يضيرهم أن نوقن، ولو مبالغة، أننا نقدر؟

يقولون، إنها الصدمة، تلك التي تقتلع الحالم من جذوره، حال الهزيمة، نقول رشدوا أحلام الناس، بجرعات من واقع، يحتاج مع التخطيط لتجاوزه إلى الحلم، قدموا للناس بدائل لا تحلم لكنها تفعل شيئاً آخر، أي شيء، الحلم فعل على كل حال، فما العدمية؟ في ظني أنها ليست سوى جريمة.

نحن نعلم أن الأنظمة أقوى، أن السيسي مدعوم من دول خليجية نفطية، من إسرائيل بوصفها الكيان المفتاحي للغرب في المنطقة، يتحرك أوروبياً بذكاء، رشوة الرافال والميسترال جعلت من الفرنسيين حليفاً يضغط لصالح الاعتراف به ومساندته في الاتحاد الأوروبي، بشار يسانده الدب الروسي بكل ما يحمل من ترسانة أسلحة جبارة في مواجهة شعب لا يملك سوى تسليح هزيل، وحلم أكبر بكثير من إمكاناته، ولكن ما المطلوب؟ أن نعيش بلا أمل، بلا وقود، بلا حكاية نتركها وراءنا، فليخطط من أراد، وليحلم من أراد، فلنحمل لافتاتنا إذا لم نستطع أن نحمل عليهم السلاح، فنربط على آمالنا لعل القادم ليس أسوأ، خلوا بيننا وبين الحياة، ثمة أمل.

(مصر)
المساهمون