الأم والأبناء

15 مايو 2018
+ الخط -
يُروى من باب الفكاهة الجادة أنّ المرأة في سالفِ العصر والأوان، كانت عندما تريد أن ترضع طفلها، تسم الله بنية أن يكون ذا شأنٍ عظيمٍ عندما يكبر، فارساً، عالماً، قائداً.. لهذا كان أجدادنا عظماء، أما اليوم فإن معظم نساؤنا يرضعن أطفالهن بنية أن يناموا، لذلك الأمة معظمها نائمة، ولا نية للصحوة.
هذه الرواية، وإن جاءت على شكل رواية ساخرة ومقارنة بين زمانٍ مضى لم نعشه وزمانٍ نعيش فيه، إلا أنها تحمل في طياتها عبرا وعظات كثيرة، وأهم عبرة يمكن تعلمها هي ما جاء في قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: "فأظفر بذات الدين". هذا تأكيد نبوي على أنه ليس من الحكمةِ إنكار دور المرأة الأساسي أو إغفاله في عملية صناعة الجيل، وقدرتها على تشكيل الوعي الجمعي حول قضايا خاصة أو عامة، وأنه ليس من الإنصاف إنكار بصماتها في جسد طقوس الحياة، فمنذ القدم والمرأة تؤثر في محيطها بحسب المساحة المتاحة لها، فهي ليست شيئاً ثانويا، بل هي عامل أساسي، ولها دور خطير وعظيم في الأسرة، خصوصا إن تشربت وتشبعت بالفكرة، فلن يقف أمام أداء رسالتها أي عائق، فهي إما أن تكون رافعة لأولادها إلى أعلى الدرجات، وتأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، وتجعلهم أئمة، خُلقُهم القرآن، أو خافضة لهم إلى أدنى الدركات.
لذلك نرى الأعداء يحاولون السيطرة على عقول النساء، لأن ذلك يسهل عليهم إيصال أفكارهم الخبيثة إلى الناشئة، باعتبار أنّ فترة وجود الأم مع أولادها مدة كبيرة، وهذا يعطيها فرصة لتشكيل شخصية الطفل نفسياً وعقلياً ووجدانياً، ولو هدمت نفسية وفكر المرأة وعفتها ومفاهيمها حول الله والدين والأشياء فسيسهل هدم أي شيء.
وقد لعبت الأم الفلسطينية دوراً عظيماً جداً في تعزيز الوازع الديني والوطني في نفوس أولادها، حيث أنها تزرع في نفوسهم حب الوطن، وأنّ حب الوطن لا يجب أن يقف عند حدود الأقوال، وأن الروح، مهما كانت غالية، فهي رخيصة في سبيل الله ثم الوطن، وأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، فتحدثهم عن فلسطين وعن جرائم الصهاينة بحق فلسطين وأهلها، وتدفعهم إلى الجهاد والمقاومة، وتشجعهم للاشتراك في المخيمات الصيفية التي تنظمها المقاومة، لتدريبهم على القتال، كل حسب استطاعته.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: "وإذا الـنساءُ نـشأنَ فـي أُمّيَّةٍ/ رضـعَ الـرجالُ جهالةً وخمولا". وهذا تأكيد على أن الأم صمام أمان الأسرة من الضياع، فلو فقدت حس الانتماء للدين سيسير أولادها على ذات النهج، لأنهم رضعوا ذلك الفتور الديني من تربية أمهم، كما رضعوا الحليب من ثدييها، ولو انعدم أو انخفض مستوى انتماء الأم سيكون انتماء أولادها لوطنهم في أدنى مستوياته.
ختاماً أقول: لا أقصد بالأم هنا الأم المسلمة فقط، بل إنّ الأم، مهما كان لونها وجنسيتها وديانتها، فقد تكون معول هدم، وقد تكون معول بناء.
3C21A7CA-1A58-492C-88A4-25F861318670
3C21A7CA-1A58-492C-88A4-25F861318670
مصطفى أبو السعود (فلسطين)
مصطفى أبو السعود (فلسطين)