الأميركيون.. عائدون؟

15 نوفمبر 2014

جنود أميركيون فوق حاملة الصواريخ جورج بوش (أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
ضعوا أنفسكم مكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما. تحديداً بعد خسارة حزبه الديمقراطي الانتخابات النصفية. لن يكون الأمر جيداً. أن تحكم، في العامين الأخيرين من عهدك، وأنت مكسور الجناح في الكونغرس، على الرغم من إمكانية امتلاكك صلاحيات استخدام الأوامر الرئاسية التنفيذية التي تسمح في تجاوز الكونغرس. ومع ذلك، يبدو أوباما أضعف من أي وقتٍ مضى، ومن الطبيعي أن لا يرغب أحد في التعامل مع شخص "خاسر". وبديهي الإدراك أن السنتين المقبلتين ستُمهّدان الطريق لعودة كاسحة للحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض، مع ما يعنيه ذلك من عودة استراتيجيات وتكتيكات سنوات ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حين قرّر الرئيس السابق، جورج بوش الابن، شنّ حربه العالمية ضد الإرهاب، لينتشر المارينز في العراق وأفغانستان، المحطتان الأكثر اهتماماً في العالم لدى رجال واشنطن.
ضعوا أنفسكم مكان أوباما، يريد، الآن، الخضوع لأوامر الحزب الديمقراطي بالكامل، الذي لن يرغب في تكرار هزيمة الانتخابات النصفية المذلّة، في انتخابات 2016 الرئاسية، وعليه البدء بتغيير استراتيجياته، إن أراد منح "قبلة الحياة" لمرشحه، أو مرشحته الرئاسية العتيدة. حاول أوباما الاحتفاظ برباطة جأشه، في أثناء متابعته النتائج الانتخابية. لربما، أدرك هو وحزبه، أنّ لا بديل عن مواجهة الجمهوريين في المرحلة المقبلة، سوى بسلاحهم "الأعنف": الحروب. قد يكون أوباما قد استشعر هزيمته الداخلية في وقتٍ سابق، حين قرّر إرسال وفد من المستشارين العسكريين الأميركيين إلى أربيل في اقليم كردستان العراق، لمواجهة الصعود المفاجئ لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في يونيو/حزيران الماضي. المستشارون لم يبقوا وحدهم، فسرعان ما واكبتهم هجمات جوية لقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، أوباما تحديداً، في سورية والعراق. ثم استُتبعوا بجيشٍ من المستشارين، قبل أن يخرج أحد جنرالات أوباما، ويؤكد حاجة بلاده إلى "إرسال 80 ألف جندي إلى العراق". ولن يستغرب أحد لاحقاً عودة الجيش الأميركي، كما لو أنه لم يخرج. خلال كل تلك المراحل، منذ يونيو/حزيران، تصرّف أوباما كجمهوري وتكلّم كديمقراطي. جدد التأكيد على عدم انخراط الجيش الأميركي في عمليات برية، لكنه تصرّف وكأنه بوش في أحلى أيامه. يقول الشيء ويفعل نقيضه. وبعد النتائج الانتخابية، بات أكثر "واقعية" و"جمهورية". ولا يسعفه، هذه الأيام، سوى المزيد من التحدّي الذي يفرضه "الخليفة" أبو بكر البغدادي.
في الواقع، يتصرّف أوباما بصورة مشابهة تماماً لما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون. حين قرر الأخير جرّ جيش الاحتلال الاسرائيلي إلى بيروت في 1982، لم يَكشف أوراقه دفعة واحدة. بدأ الأمر باجتياح حدودي، وبعمق كيلومترات عدة. تنادى الأميركيون، عبر اللبناني الأصل، فيليب حبيب، والسفير دين براون، لمعرفة نوايا شارون. طمأنهم الأخير "نريد الوصول إلى صيدا والدامور (منطقتان في جنوبي لبنان) فقط، هذه هي حدود عمليتنا". أي، باللغة اللبنانية العادية، يريد شارون شنّ عملية عسكرية لضرب مواقع الفلسطينيين، قبل التراجع إلى فلسطين المحتلة، على أن تستمرّ العملية أياماً معدودة، لكن شارون واصل زحفه، واجتاز صيدا والدامور وخلدة (جنوبي لبنان)، ووصل إلى بعبدا (جبل لبنان وتطلّ على بيروت)، وحاصر بيروت، قبل اجتياحها. عمل شارون على قاعدة "وصلنا إلى الدامور، لكنهم قصفونا من خلدة، فبتّ مضطراً إلى دخولها". لحق شارون كل مصادر النيران، بالنسبة إليه، وقبل أن يدرك الجميع ما يحصل، كان شارون ينفّذ خطة اجتياح بيروت، الموضوعة منذ زمن، واحتاجت إلى شرارة (محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف في مطلع يونيو/حزيران 1982). ويبدو أن هذا ما يفعله أوباما، إذ قبل أن ندرك ما يحصل، قد نرى الأميركيين في الجوار مجدداً. القواعد العسكرية جاهزة، والهدف محدّد، فطيف شارون يلوح في ظلال الرئيس الأميركي.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".