الأمن يرهب المصريين بـ"بلاك بلوك" لتعويم السيسي

29 مايو 2015
تزامنت عودة التنظيم مع دعوات للتظاهر ضد السيسي (Getty)
+ الخط -

 

احتفاء صحف مصرية مقرّبة من النظام الحاكم، بمتابعة أخبار عودة تنظيم "بلاك بلوك" وعمليات العنف، التي بدأت في التصاعد خلال الأيام الأخيرة، يضع مزيداً من علامات الاستفهام في هذا التوقيت، والتي سبقتها دعوات عدة من تنظيمات سياسية وشبابية للتظاهر والعصيان المدني والإضراب عن العمل، لإسقاط الرئيس عبد الفتاح السيسي في ذكرى مرور عام على تنصيبه رئيساً في 8 يونيو/ حزيران.

وتشهد الساحة المصرية تسارع إعلانات "بلاك بلوك" عن مسؤوليتها عن العديد من أحداث العنف، بصورة لافتة للاهتمام والتحليل.

فيما أعلنت حركة "الكتلة السوداء"، اليوم الجمعة، عن مسؤوليتها عن قطع طريق شارع شبين الكوم أمام مجمع المحاكم بالإسماعيلية، رداً على الاشتباكات الجارية مع بعض أفراد الكتلة في القاهرة، بحسب بيان الحركة على صفحتها على "فيسبوك"، وكذلك حرق فرع شركة فودافون بشارع خاتم المرسلين بالعمرانية، مساء أمس، وأعمال شغب بمنطقة وسط البلد، وحرق 5 أوتوبيسات تابعة لجمعية نقل الركاب في الإسماعيلية بالموقف الجديد بالمدينة، الأربعاء الماضي، وحرق سيارتي شرطة بمجلس مدينة بلبيس، وقطع طريق "الخصوص ـ مسطرد" بالقليوبية، وإشعال النيران في أحد القطارات.

عودة الحركة بعد اختفائها لمدة عامين، عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، أثار جدلاً واسعاً حول سر ظهورها المفاجئ للإعلان عن معارضتها للنظام الحالي، وتبني مجموعة من العمليات ضده، بل وفتح باب الانضمام إليها حسب المنطقة الجغرافية.

وقالت صفحة الحركة على "فيسبوك": "عُدنا الانطلاقة الثانية"، مرجعة القرار لـ"اضطهاد السلطة لأبرياء عزّل، كأبرياء يناير"، ومخاطبة السيسي: "نعلن للعالم بأنك خائن وعقوبة الخيانة الإعدام (الموت) لا حياة".

واستطردت الحركة في بيانها: "الثورة مستمرة رغماً عن أنف الجميع، لن نرجع لبؤر اليأس من جديد ـ تقدموا للأمام والمجد مشهود به للشهداء، مكملون ومستمرون، الله، الوطن، الثورة".

وعرّفت نفسها قائلة: "ﺍﻻﺳﻢ: ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﺴوداء، ﺍﻟﻨﺴﺐ: ﻧﺤﻦ ﻧﺴﻞ ﻣﻦ دماء الشهداء، ﺍﻟﺼﻔﺔ: ﻛﻠﻨﺎ ﺣﺎﻣﻞ ﺭﺍﻳﺔ، ﺍﻟﺴﺒﺐ: ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻐﻴﺎﺏ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ، ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ: 25 ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻧﻌﻮﺩ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ، ﺃﻭ ﻻ ﻧﻌﻮﺩ، ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻷﻭﻝ: ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺨﺎﻑ ﻣﻨﻬﻢ، ﻫﻢ ﻳﺨﺎﻓﻮﻥ ﻣﻨّﺎ، ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺨﺎﺋﻔﻮﻥ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻣﻨّﺎ، ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ، ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺩﻣاء ﺍﻟﺸﻬداء ﺗﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻗﻨﺎ، ﻧﺤﻦ ﺷﻬﺪﺍﺀ، ﻓﻘﻂ ﻟﻢ ﻧﺼﺒﺢ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺪ"..

واختتمت الحركة قائلة: "ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﻻ ﺗُﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﻣﺎﺀ ﺍﻟﻮﺭﻭﺩ، ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺗﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ، ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ: ﻗﺼﺎﺹ ـ ﻋﻴﺶ ـ ﺣﺮﻳﺔ ـ ﻋﺪﺍﻟﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ".

ماذا وراء العودة؟

نوعية العمليات وتوقيتها يشيران إلى أن عودة "بلاك بوك"، بمثابة ظهور مؤقت على أيدي الأجهزة الأمنية لإثارة مشاعر الخوف بين الشعب المصري، لدعم المخاوف ومن ثم التعلّق بالرئيس السيسي وخياراته العسكرية، وتصويره كمنقذ للمصريين من خطر "الإرهاب" الذي يتهددهم، لتمرير عدة محطات ثورية مهمة تترقبها البلاد بسلام، في: 8 يونيو مرور عام على تنصيب السيسي رئيساً، و30 يونيو الذكرى الثانية لإزاحة الرئيس مرسي، و3 يوليو/ تموز إعلان الانقلاب على المؤسسات المنتخبة، وهي الأيام التي تخشى تلك الأجهزة خروج تظاهرات شعبية تطالب برحيل السيسي.

اقرأ أيضاً: معارضون يدشنون أسبوع "الصمود طريق النصر" لإسقاط السيسي

فيما يرى مراقبون أن عودة "بلاك بلوك" تستهدف قمع تظاهرات الإخوان، ولكنها تحاول سحب الشعبية من "الإخوان" الذين يقودون الحراك الثوري منذ انقلاب 3 يوليو، حيث تشير بعض التقديرات الاستراتيجية إلى احتمالات تصاعد الحراك الثوري، كما حدث في ثورة يناير مرة أخرى، بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية والأمنية فتسقط الثمرة في أيدي الإخوان مرة أخرى.. ومن ثم تلجأ الاستخبارات والأجهزة الأمنية لإخراج حركات أخرى في المشهد السياسي، للإيحاء أن لها دوراً في الثورة ضد السيسي.

شفيق يحرك

ويرى مراقبون للشأن المصري أن ظهور "الكتلة السوداء" وغيرها من الحركات والتنظيمات المرشحة للظهور في الفترة المقبلة، يقف وراءها معارضو السيسي من القادة العسكريين السابقين، خصوصاً رئيس الأركان سامي عنان، والمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، الذي يواجه بتحذيرات عدة لوقف أية تحركات له بالداخل المصري.

أما وزارة الداخلية المصرية، فلجأت في تفسيرها لعودة "بلاك بوك"، إلى الاتهامات الجاهزة، بأن "الإخوان" هم المتهم، حيث قال اللواء محمد نور الدين: إن "بلاك بلوك وغيرها من الحركات الأخرى، كالعقاب الثوري وتحالف الاشتراكيين الثوريين و6 إبريل والسلفية الجهادية، كلها جماعات وحركات منبثقة عن تنظيم الإخوان، لكنها تحمل مسميات مختلفة، لتنفيذ عمليات عنف ومظاهرات في الشارع المصري، وتهديد وتخويف المواطنين وتحريضهم ضد النظام الحالي، مع اقتراب مرور عام على حكم السيسي"، بحسب تصريحاته الصحافية، أمس الخميس.

وفسّر الوزير الحوادث التي أعلنت عنها الحركة، بأن الهدف منها "تسخين" الأجواء ضد النظام، حتى لا يقال إن الإخوان وحدهم ضد الدولة، إنما يوجد معارضون آخرون. وأضاف أن "هذه الحركات تلقت تمويلات خارجية من قطر وتركيا لتنفيذ عمليات إرهابية قبل 30 يونيو"، مؤكداً أنها "لن تستطيع التأثير بفاعلية في الشارع".

تاريخ الحركة قد يفسّر عودتها

ويعود تاريخ نشأة "بلاك بلوك" إلى ذكرى ثورة يناير الثانية، حيث اتخذت العنف كوسيلة لمعارضة الرئيس مرسي، وذلك من خلال إحداث شلل في الأماكن الحساسة، مثل قطع الطرق، أو تعطيل حركة المترو ومنع المحافظين المنتمين لجماعة الإخوان من دخول مباني المحافظات.

وقامت الحركة بإحراق مقر مكتب الإرشاد لجماعة "الإخوان المسلمين"، والعديد من مقرات الجماعة وحزبها السياسي "الحرية والعدالة"، كما أسفرت معارضتهم المسلحة عن مقتل عدد من أعضاء الجماعة، وأبرزهم الشاب إسلام مسعد، الذي قُتل أثناء اقتحام مقر الجماعة بالبحيرة.

وامتد نشاط المجموعة إلى قصر الاتحادية الرئاسي، في يناير/ كانون الثاني 2013، حيث حاولوا إشعال النار بداخله عبر إلقاء الزجاجات الحارقة، في محاولة لاقتحام القصر الجمهوري، ما اعتبره البعض محاولة مبكرة للانقلاب على شرعية مرسي.

ولاقت هذه المجموعات دعماً من وسائل الإعلام التي كانت تعارض سياسات مرسي، وساعدت في نشر أفكارها عبر حوارات متلفزة وصحافية مع أعضاء التنظيم.

وبعد إطاحة مرسي، اختفت "بلاك بلوك"، بل وقامت قوات الأمن بالقبض على مؤسسها، شريف الصيرفي، في ديسمبر/ كانون الأول 2013، بتهمة تحطيم النصب التذكاري بميدان التحرير، والتي قضى على خلفيتها 9 أشهر داخل السجن.

اقرأ أيضاً: تظاهرات الإسكندرية ترفع الكروت الحمراء ضد السيسي

وقال الصيرفي، في تصريحات له بعد خروجه من السجن، إن الحركة انتهت وإنه لا يوجد في الشارع المصري الآن ما يسمى ببلاك بلوك، معترفاً بامتلاء السجون بالكثير من الأبرياء، قائلاً: "ياما في الحبس مظاليم".

فيما يرى ناشطون أن الحركة تتبع الكنيسة المصرية وتخضع لإشراف أحد القساوسة الذين وصفوه بالتطرف، وهو متياس نصر، حيث تم جمعها وتدريبها بأحد "الأديرة"

التابعة للكنيسة الأرثوذكسية بمنطقة "وادي النطرون"، وهي تعرف في الأوساط المسيحية باسم "كتائب الكشافة الكنسية"، وقد ظهرت هذه الكتائب الكنسية في عهد البابا شنودة.

ويرجع نشطاء آخرون تأسيس الحركة إلى الاستخبارات وجهاز أمن الدولة، موضحين أن بعض أعضاء الحركة ينتمون إلى أمن الدولة، الذي تم حله بعد الثورة وإعادة هيكلته تحت مسمى الأمن الوطني.

وكانت النيابة العامة، إبان تولّي المستشار طلعت عبد الله منصب النائب العام سابقاً، قد كشفت أن الحركة تأسست بتمويل من شخصية عامة بغرض ارتكاب أعمال تخريبية وعنف.

كما صرح المهندس عمرو فاروق، عضو مجلس الشورى السابق، بأن مساعد وزير الداخلية لشؤون الأمن الوطن، كشف بأن هناك معلومات عن تورط شخصيات تنتمي لجبهة الإنقاذ في تمويل مجموعات "بلاك بلوك".

جذور عالمية

وتمثل جماعة "بلاك بلوك" امتداداً عالمياً لحركات عنف في عدد من الدول الغربية، ظهرت للرد على قضايا بعينها، فلقد كان أول بزوغ لتلك الجماعة في منتصف الثمانينيات في ألمانيا الغربية، احتجاجاً على استخدام الشرطة الألمانية للعنف المفرط، أثناء محاولة إخلاء سكان بعض المناطق من أجل إنشاء محطة للطاقة النووية، وامتدت الحركة إلى الولايات المتحدة في التسعينيات أثناء التظاهرات ضد حرب الخليج عبر نشطاء "الأناركية" واللاسلطوية، كما شاركت في التظاهرات العنيفة المناهضة للرأسمالية ضد منظمة التجارة العالمية في العام 1999.

وبدت "بلاك بلوك" أكثر عنفاً في عام 2011، أثناء احتجاجاتها على غلاء الأسعار، وخربت الكثير من المحال التجارية في لندن.

وبشكل عام، ترتبط "بلاك بلوك" عالمياً بصورة أو بأخرى بفكر الأناركية، وهى فلسفة سياسية ترى الدولة غير مرغوب فيها، وغير ضرورية، وتعارض السلطة، كما أن تأسيس مجتمع متساو قائم على العدالة والمساواة يعد من الأفكار الرئيسية لهذه الفلسفة.

ويبقى تجاوز موجات يونيو ويوليو التي دعا إليها المعارضون، هدفاً تعمل له الدولة المصرية لتجاوز غضب شعبي قد يُضاف للحراك المعارض للانقلاب العسكري في مصر، وخاصة أن التاريخ الحديث للأجهزة الأمنية يبيح سيناريوهات التفجير والإحراق للضغط على فئات معينة، لإرهابهم ودفعهم نحو أحضان وإملاءات النظام السياسي القائم، كما حدث في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية بعهد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي.

اقرأ أيضاً: "السلمية والعنف" يفجران أزمة "شرعية" بين قيادتين لإخوان مصر