الألغام والمفخخات تمنع عودة الأهالي لترهونة وأحياء جنوب طرابلس

25 يوليو 2020
تكافح "الوفاق" من أجل إعادة الاستقرار لأحياء جنوب طرابلس وترهونة (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

لا تزال "حكومة الوفاق" تكافح من أجل إعادة الاستقرار لأحياء جنوب طرابلس ومدينة ترهونة المحرّرة من قبضة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على الرغم من مرور قرابة الشهرين على انتهاء الحرب فيها.

وعاشت أحياء جنوب طرابلس، بالإضافة إلى مدينة ترهونة، مواجهات مسلحة ضارية بين قوات "الوفاق" ومليشيات حفتر على مدة أكثر عام، هُجّر بسببها أكثر من 130 ألف مواطن، وسقط مئات من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.

وبينما أعادت وزارة الداخلية في الحكومة عمل مديرات الأمن في بعض أحياء العاصمة، ونشرت عشرات الدوريات المتحركة فيها، إلا أن الوزارة لم تعلن بعد عن السماح للمواطنين بالعودة لمنازلهم بسبب انتشار الألغام والمفخخات التي زرعتها مليشيات حفتر في مساحات واسعة في تلك الأحياء، لا سيما داخل المنازل والمباني العامة.

وحتى الثلاثاء الماضي، بلغ عدد ضحايا الألغام 160، من بينهم 56 وفاة و104 إصابات، وأشارت عملية "بركان الغضب"، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، إلى أن من بين ضحايا الألغام 64 فرداً من المختصين في إزالة الألغام ما بين قتيل ومصاب، ويفيد عادل شنينه، أحد أفراد إدارة المفرقعات بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق، "العربي الجديد"، بأن الادارة أحصت ما يقارب ألفي نوع من الألغام شديدة الانفجار، من بينها مفخخات مضادة للدروع زرعت بين المنازل وداخل مساحات في الأحياء المدنية.

أحصت السلطات ما يقارب ألفي نوع من الألغام شديدة الانفجار، من بينها مفخخات مضادة للدروع زرعت بين المنازل وداخل مساحات في الأحياء المدنية

وإحصائيات أعداد ضحايا الألغام والمفخخات ناتجة، بحسب شنينه، عن عودة السكان لمنازلهم من دون الالتفات لتحذيرات السلطات. وبينما يؤكد شنينه أن الأوضاع لا تزال خطرة وأن احتمال سقوط مزيد من الضحايا مرجح بسبب كثافة انتشار الألغام، يشير إلى أن بعضاً من أنواع المفخخات والألغام متطور، ما يحتاج لإمكانيات تقنية متقدمة لنزعها.

ويلفت شنينه إلى أن أحد أسباب عدم عودة الحياة بشكل طبيعي وكامل في المنطقة، مطالب إدارتها من السلطات بضرورة إرجاء عودة المواطنين لمساكنهم إلى حين الانتهاء من تأمين كامل المنطقة من مخاطر مخلفات الحرب.

واتهمت عملية "بركان الغضب"، عبر صفحتها الرسمية، في مرات عدة، مرتزقة "فاغنر" الروس بالمشاركة في زرع الألغام والمفخخات قبل انسحابها من مواقعها في جنوب طرابلس.

ويبدو أن أزمة مخلفات الحرب تشكل عائقاً كبيراً أمام عودة الحياة لمناطق جنوب طرابلس، إذ نشرت عملية "بركان الغضب"، الخميس الماضي، فيديو لمشهد تدمير 4 أطنان من مخلفات الحرب التي جمعتها فرق الهندسة العسكرية من الأحياء السكنية، وقبلها بيومين، نشرت صوراً لتدمير 10 أطنان أخرى من ذات المخلفات.

وفي ترهونة، التي تعاني هي الأخرى وضعاً أمنياً متوتراً على خلفية هجمات انتقامية من قبل مجموعات مسلحة من داخل المدينة، أنتجتها الثارات القبلية والنزاعات بسبب بعض القبائل، كقبيلة الكانيات بالمدينة، من خلال مليشياتها المسلحة في دعم ومساندة حفتر، باتت ظاهرة المقابر الجماعية هي المسيطرة على مشهدها، فحتى الخميس الماضي أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين انتشال 11 جثة جديدة من مقابر بالمدينة.

ويوضح الناطق باسم الهيئة عبد العزيز الجعفري أن هذه الجثث حصيلة جهود كبيرة تمت من فرق الهيئة بعد وصول بلاغات عن مقبرة جماعية جديدة بالمنطقة، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن غالبيتها تشير إلى أن أصحابها قتلوا رمياً بالرصاص وهم معصوبو الأعين ومكتوفو الأيدي، ودفنوا في حفرة واحدة.

وعن إجمالي أعداد الجثث التي عثر عليها في هذه المقابر، أكد أنها 237، موزعة بين جنوب طرابلس وترهونة، وأن جهود البحث عن مقابر أخرى لا تزال جارية.

وعلى الرغم من عودة الحياة في الأحياء المتاخمة لمناطق الحرب جنوب طرابلس، كطريق المطار وعين زاره وأجزاء من وادي الربيع وقصر بن غشير، إلا أن مظاهر الحياة لا تزال غير مكتملة، فنقص الوقود واستمرار إقفال البنوك لأبوابها والمحال التجارية الكبيرة، يشيران إلى عدم تعافيها، خصوصاً مع كثرة المباني العامة ومنازل المواطنين التي لحقت بها أضرار الحرب بشكل متفاوت، إذ إن بعضها سوي بالأرض تماماً.

مظاهر الحياة لا تزال غير مكتملة، فنقص الوقود واستمرار إقفال البنوك لأبوابها والمحال التجارية الكبيرة، يشير إلى عدم تعافي المدن من الحرب

وفي ترهونة يشتكي عبد المنعم الجراي، مواطن من المدينة، من غياب غالبية الخدمات المرتبطة بحياة المواطن اليومية، مؤكداً في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الإقفال لا يقتصر على البنوك فقط، إذ يمتدّ إلى المؤسسات الحكومية ومحطات الوقود، كما أن كثرة الحواجز الأمنية وتشديد إجراءات التفتيش في حدود المدينة حدّا من حرية تنقل التجار لجلب البضائع للمدينة.

وعانت المدينة في الأيام الاولى من انسحاب مليشيات حفتر منها باتجاه سرت من فوضى أمنية عارمة نتجت عن الثارات القبلية، وانتشار ظاهرة السرقة والسطو على المحال التجارية، والتعدي على الممتلكات الخاصة بالموالين لمليشيات حفتر، بحسب الجراي.

وتزامناً مع جهود وزارة الداخلية في الحكومة لضبط الأمن وإعادة الحياة لطبيعتها، تعمل الوزارة على خططها الخاصة بتفكيك المجموعات المسلحة، حيث شدد وزير الداخلية، فتحي باشاغا، على ضرورة إنفاذ خطط وزارته بشأن ضبط تبعية المجموعات المسلحة للمؤسسة العسكرية والشرطية.

ويطالب المجتمع الدولي "حكومة الوفاق" بضرورة "تفكيك المليشيات"، لكن باشاغا اعتبر، في تصريحات وخطابات عدة، أن هذا المطلب لا يعني وجود مليشيات في غرب ليبيا وطرابلس تحديداً فقط، بل هذا المطلب يطاول المليشيات في شرق وجنوب البلاد، على الرغم من إقراره بوجود مليشيات خارجة عن القانون في العاصمة.

واعتمدت الحكومة في حربها ضد مليشيات حفتر على عدد من المجموعات المسلحة بطرابلس، كقوة الردع الخاصة ولواء "ثوار طرابلس" ولواء "النواصي" و"قوة أبوسليم المتحركة" وغيرها، ومن مصراته، كألوية "المحجوب" و"الحلبوص" و"الصمود" وكتائب أخرى، بالإضافة لمجموعات مسلحة أخرى تتبع المجلس الأعلى لثوار ليبيا، موزعة في مدن عدة من بينها مدينتي الزاوية وزليتن وغيرهما.

وعلى الرغم من تعهد وزارة الداخلية للمجتمع الدولي، آخرها خلال اجتماع ممثلين لها مع ممثلي السفارة الأميركية مطلع الشهر الجاري، بعملها على حلّ المجموعات المسلحة، إلا أن "حكومة الوفاق" لا تبدو قادرة على البدء في برامجها في هذا الشأن، لا سيما أنها تعتمد عليها في محاصرة مدينة سرت ومنطقة الجفرة التي لا تزال قوات موالية لحفتر تسيطر عليهما.

المساهمون