الأقصى بين 2000 و2015

19 سبتمبر 2015

متظاهر فلسطيني يحمل حجرا خلال احتجاجات في الخليل (18سبتمبر2015،Getty)

+ الخط -
"ما أشبه اليوم بالأمس!"، مثل هذه المقولة العربية الرائجة لا تنطبق أبداً على ما هو حاصل اليوم في المسجد الأقصى. فاليوم أبداً لا يشبه الأمس، بل على النقيض تماماً. قد يتماثل الزمان والمكان، غير أن الارتدادات مختلفة. فما كان بعد دخول أرييل شارون إلى المسجد الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000 ليس هو نفسه بعد الاعتداءات الأخطر على المسجد في سبتمبر/أيلول 2015.
في التاريخ الأول، وفي ظل ظروف سياسية ضاغطة، انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي حملت اسم "الأقصى" رداً على خطوة أرييل شارون. انتفاضة توسعت وتمددت إلى داخل أراضي العام 1948، وانتقلت بين غزة والضفة الغربية، وشكلت آلة تفاعل معها العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، ولا سيما بعد شن قوات الاحتلال عدوان السور الواقي وحصار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة.
في التاريخ الثاني، وفي ظل اعتداءات على الأقصى هي الأخطر منذ الحريق عام 1969، لم يحرك أحد ساكناً. لا هبّة في الضفة الغربية ولا قطاع غزة، ولا تفاعل داخل أراضي الـ 48، ولا حتى تظاهرات غضب في الدول العربية القريبة والبعيدة للتضامن مع ما يتعرض له المسجد. فقط عشرات من المرابطين والمقدسيين يواجهون وحدهم الهجمات اليومية الإسرائيلية، وسط بيانات الشجب والاستنكار المعتادة من بعض الدول العربية والإقليمية.
ما بين 2000 و2015 مسافة زمنية قد لا تكون كبيرة قياساً بحسابات التاريخ، غير أنها كانت حافلة بالمتغيرات التي كبلت أي محاولة لنصرة المسجد، رغم أن الظروف التي رافقت انتفاضة الأقصى هي نفسها. في عام 2000، كان الفلسطينيون خارجين من مفاوضات الطريق المسدود في كامب ديفيد، وكان الاحتقان طاغياً على الأجواء السياسية، ما جعل الأجواء مواتية لاتخاذ قرار اللجوء إلى الشارع، لتشكيل حركة ضاغطة على الاحتلال والدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والتي كانت ولا تزال الراعية الرسمية لمفاوضات الحل السياسي للقضية الفلسطينية. كانت تلك استراتيجية أبو عمار الذي وجد في خطوة شارون في ذلك الحين الفرصة المناسبة لتفجير الغضب الفلسطيني؛ والذي لم يكن المساس بالأقصى إلا جزءاً يسيراً منه، فالهبّة لم تكن لأغراض دينية بقدر ما هي لأسباب وغايات سياسية محقة.
الغضب الفلسطيني بالتأكيد اليوم لا يزال موجوداً، والاحتقان السياسي والاقتصادي والمعيشي ربما هو الأسوأ في تاريخ السلطة الفلسطينية منذ أوسلو، لكن مع ذلك فإنه لا قرار لتصعيد الغضب إلى مرحلة مواجهة، لا تحت مسمى الاعتداء على الأقصى ولا أي مسمى آخر. بل على العكس، فها هي قوات السلطة بزعامة الرئيس محمود عباس تواجه المتظاهرين، الذين لم يصلوا إلى مرحلة الانتفاضة، بالرصاص الحي، كما حدث في مخيم جنين قبل أيام. قد يكون قرار عباس مفهوماً في سياق الاستراتيجيا التي وضعها لنفسه منذ تسلمه السلطة، وهي منع اندلاع انتفاضة، لكنه ليس العامل الوحيد لعدم تحرك الشارع الفلسطيني الذي لا يبدو أساساً في وارد الخروج في هبة شعبية أو تظاهرة عارمة، تعبر عن الغضب لما يتعرض له الأقصى. الأمر ليس فقط في الضفة الغربية إذا اعتبرنا أن قوات السلطة ستكون بالمرصاد لمثل هذه التحركات، فحتى قطاع غزة، حيث تسيطر "حماس" على مفاصل الأمور، لم نشهد أي تحرك حقيقي، شعبي على الأقل، تحت مسمى "نصرة الأقصى"، ناهيك عن أي عمل مقاوم، أو حتى تهديد بمثل هذا العمل.
الأمر لا يتوقف على الفلسطينيين، وخصوصاً أن المسجد الأقصى من المفترض أنه يخص المسلمين والعرب كافة، فإن أي حراك لم تشهده أي من العواصم العربية التي باتت لها همومها وأزماتها وقضاياها المعقدة، من العراق إلى مصر وسورية واليمن، وغيرها من دول الأزمات العربية.
ما بين 2000 و 2015، الأمور لم تعد على حالها. وحدها الاعتداءات بقيت، وارتفعت حدة خطورتها.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".