شكَّلت الأغنية المغربيَّة، في السنوات الأخيرة، نجاحاً استثنائيَّاً بكلّ المقاييس، وانتشرت بالتالي بشكلٍ كبيرٍ، لا بل أصبحت من أكثر الألوان الموسيقية استماعاً، تماشياً مع عصر "التحميل" والاستماع عبر المنصات ووسائل الاتصال الحديث.
لا يستطيع أن يخبئ الفنان المغربي، عبد الفتاح الجريني، فرحته، وهو يشارك هذه السنة في الدورة الأولى من مهرجان الجوائز للموسيقى العربية الذي أقيم في بيروت قبل أيام. الجريني، المقيم بين القاهرة والمغرب، فاز بجائزة عن أفضل أغنية شعبية بلحن هندي لأغنية بلغت نسبة مشاهدتها على يوتيوب ملايين المُشاهدات.
مشاهدات ينافس من خلالها زميله الفنان، سعد لمجرد، الذي تخطّى المئة مليون متابع على يويتوب في عدد من الأغاني التي قدَّمها قبل سنوات، وحجزَت له مكاناً مُتقدَّماً بين أكثر نجوم العالم العربي شهرة. قبل عشر سنوات، كسر المغنون الشباب في المغرب حاجز المحليَّة، وأطلّوا لبسط تواجدهم في الساحة الغنائية العربية، وتزامن ذلك مع انتشار نسبة برامج المواهب العربية.
ويحمل المغرب في ذاكرته مجموعة أصوات لأهم الفنانين الذي وضعوا قاعدة ما يُعرف بالأغنية المغربية، منتصف القرن الماضي. نذكر منهم، عبد الوهاب الدكالي، ونعيمة سميح، وعائشة الوعد الذين اعْتُبِرُوا أصل الأغنية المغربية الحديثة.
بعدها، جاء الجيل الثاني الذي حلم بشهرة أوسع، وهاجر معظمهم إلى القاهرة، مثل عزيزة جلال التي أغنت الموسيقى بعدد قليل من الأغنيات، بعد ارتباطها الفني بالموسيقار الراحل، بليغ حمدي، في "مستنياك" و" بتخاصمني حبة" وعدد من الأغنيات التي طبعت مسيرتها الفنية، قبل اعتزالها المفاجئ للغناء، ما شكّل فراغاً كبيراً على صعيد الأصوات المغربية القوية. بينما اتَّجهت زميلتها، سميرة سعيد، إلى اللهجة المصرية، لتشكل منذ سنوات حالة متفردة في أنواع وتطور الألحان والموسيقى التي تختارها.
وعلى الرغم من الروح الموسيقيَّة التي يتميَّز بها المصريِّون، استطاعَت سميرة سعيد أن تُجنِّد مجموعة من ألحان مصرية بقالب مختلف عن زميلاتها المصريات، وتحفل معظم ألبوماتها الغنائية، بسلسلة من الجُمل الموسيقيّة "المودرن" الممزوجة بقالب موسيقي موزع بإتقان.
بدا المغرب أقوى من خلال برامج المواهب قبل عقد. وقدم مجموعة من الأصوات الجديدة، التي كسرت طوق اللهجة المغربية، وحملتها إلى المشرق بطريقة موسيقية مقبولة وحماسية. لعلّ سلاحها الأقوى يكمن في الإيقاع الذي تعتمده هذه الأغنية تحديداً، وتوزيعها الموسيقي البسيط القائم على بعض الآلات الموسيقية الحيّة، إضافة إلى المزج بين الثقافات المتعددة لشعب المغرب، وارتباطها أحياناً بالفن الأمازيغي، وحتى الأفريقي والأوروبي، والاستفادة من ذلك عن طريق الألحان التي قدمها سعد لمجرد، وزميله عبد الفتاح الجريني في السنوات الأخيرة.
أعمال تخطت مفهوم الحضور المحلي، وجاءت بعد سنوات من مشاركة الجريني ولمجرد في برامج مواهب عربية، لم تمكنهما من تخطي حاجز البدايات، إلا بعد أعمال غنائية نجحت باللهجة المغربية، واستطاعت أن تحمل لمجرد تحديداً إلى مرتبة جيدة على صعيد الحضور العالمي. فحققت أغنيته "المعلم" أكثر من 400 مليون مشاهدة على يوتيوب. رقم كان كافياً لجعل لمجرد أول مغربي ذي شهرة واسعة النطاق في لبنان والقاهرة، وحتى دول الخليج العربي.
عدد آخر من الفنانين العرب دخلوا عالم الأغنية المغربية، وقدموها بطريقتهم طمعاً منهم في التعرف وكسب جمهور المغرب الذي يُشكِّل حالة استثنائية في دعم نجاح أي فنان عربي، لا يهم إن كان لبنانياً أو خليجياً. فغنى عاصي الحلاني وأحلام وميريام فارس، مجموعة من الأغنيات المغربية التي تفاوت نجاحها، لكنها أثبتت تقرّب هؤلاء من المغاربة عبر الغناء باللهجة التي وصفت بالصعبة قبل وقت، لكنها دون شك لهجة مكملة لنجاح أي فنان في المرحلة الحالية.