الأغنية الأمازيغية تودّع عموري مبارك

14 فبراير 2015
"لقد انفتحت نافذة، لكن تلزمنا أبواب"
+ الخط -

ربما كان رحيل عموري مبارك، رائد الأغنية الأمازيغية الملتزمة، متوقّعاً؛ فالرجل صرّح قبل فترة وهو يرقد في إحدى مصحات الدار البيضاء بأنه لا يرغب في أن يشغل الناس بمرضه. ورغم السرطان اللعين، إلا أنه لم يطلب دعماً من مؤسسة تابعة للدولة، ولم يطلب أن تشمله "الرعاية الملكية" التي عادة ما تشمل الفنانين ورموز السينما والمسرح والثقافة والرياضة حين تحلّ محنة المرض.

بل إنه لم يرغب حتى في نشر خبر مرضه في الصحافة، قال لأصدقائه المقربين: "أريد أن أعيش مرضي وحدي، أحاوره ويحاورني"، وأوصى قبل موته بأن يدفن في القرية التي ولد فيها؛ ضواحي مدينة تارودانت جنوب المغرب.

لم يكن موقف كهذا غريباً عن عموري مبارك، فتاريخ الرجل يحمل الكثير من الإشراقات التي جعلت منه فناناً نبيلًا وعزيز نفس ومحبوباً لدى المغاربة. كانت معظم أغانيه عن الحرية والمحبة والقيم الإنسانية والكرامة والنضال، كما أنه انشغل في جزء مهم من فنّه بمشاكل الهجرة، وهموم الفرد داخل مجتمع لا يوليه تلك الأهمية المطلوبة.

ما قام به عموري هو نقل الأغنية الأمازيغية من صورتها التراثية والشعبية إلى صورة أخرى عصرية لا تراهن فحسب على الجلباب والخنجر والرقص الفلكلوري والأهازيج، بل أغنية ملتزمة تسعى إلى إيصال رسالة إنسانية.

لم يراهن على الشكل، بل على المضمون، على الكلمات التي تتقاطع مع هموم الناس ومعاناتهم، وعلى الأسلوب الغنائي الذي يسحر قلوبهم لا عيونهم. لذلك ترك التراث الشفهي الأمازيغي والكلمات المتداولة، ولجأ إلى أبرز شعراء الأدب الأمازيغي الراهن من أجل كتابة نصوص غنائية حداثية تواكب زمانها، ولا تكتفي بوصف الجبال والمناظر الخلابة والطقوس والعادات في المجتمع الأمازيغي.

ولد عموري سنة 1951 وعاش طفولة قاسية أمضى معظمها في مؤسسة خيرية، ومنذ الستينيات دخل عالم الغناء، اختار أولاً أن يغني بالإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى لغته الأم، ضمن فرقة تحمل اسم "سوس فايف".

لكن اللغة الأجنبية لم تكن ما يبحث عنه عموري، فالكلمات التي كان يرددها في أغانيه هي في العمق دفاع عن الهوية، واللغة أحد ركائزها، لذلك عاد إلى الأمازيغية لتكون لغة الغناء، وكان هذا الاختيار صعباً للغاية، إذ تتمثل المفارقة في رغبته في أن يوصل قضيته إلى فئة عريضة من الجماهير بلغة لا يفهمها إلا أهلها.

وتأتّى له ما يريد في سبعينيات القرن الماضي، حيث انتقل إلى العاصمة ليؤسس فرقة "أوسمان" (معناها البُروق) لتكون في تلك الفترة هي النسخة الأمازيغية لناس الغيوان، لكن طبعاً بدرجات من الاختلاف لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون.

حين انفصل عن مجموعة "أوسمان" نهاية السبعينيات، لم تكن هناك أية جهة تدعمه، ظل يغني وحيداً، لم يسع إلى شيء، كان يحمل قيثارته ويطوف العالم، وكان يتفاعل معه جمهوره باحتفاء وتقدير كبيرين، سواء وهو يغني في مسرح الأولمبيا بباريس أو في مسرح محمد الخامس بالرباط أو في سهرة صغيرة بإحدى قرى الجنوب المغربي.

حين سئل عن راهن المسألة الأمازيغية قال :"لقد انفتحت نافذة، لكن تلزمنا أبواب"، وبموت عموري هذا الصباح سيكون الأمازيغ قد فقدوا أهم صوت فني مغربي حمل أحلامهم وقضاياهم على مدار خمسة عقود، وانتقل بها من جبال الريف والجنوب إلى خارج الحدود، إحدى أغانيه الأمازيغية تقول كلماتها:

"فرّقت بيننا سبل الحياة/ كل حسب الوجهة/ التي رماه فيها القدر، فتاه/ ابتلينا بالترحال/ ولزوم الجبال/ نبحث في الشتاء/ كهروب الوعول/ لا نحرث حقلاً/ ولا درسنا بيدراً/ فأنا في تجوال مستمر/ والطرقات أنهكتني".

المساهمون