الأسد والسيسي .. سباق التزوير

03 يونيو 2014
+ الخط -
"انتخابات محسومة" و"عرس ديمقراطي" .. مفردات تحلم بها أي سلطة حاكمة، حديثة العهد بالديمقراطية، وتعاني الخوف من الفوضى التي يمكن أن تنجم عن "خيارات الشعب". يفترض، في هذه الحالة، أن واقع الرقص والطبل والزمر الفعلي ليس ما رصدته الكاميرات من الشعب، بل للأنظمة الحاكمة التي ستجلس في استرخاء وتتابع المشهد بلا خوف، ما دام "العرس ديمقراطياً" و"الانتخابات محسومة". لكن هذا لم يحصل، لا في تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية التي انتهت، ولا السورية التي بدأت للتو. فشلت السلطتان فشلاً ذريعاً في الاسترخاء، والابتعاد عن التحكم بالتفاصيل الصغيرة، وانتظار النتيجة المحددة سلفاً.

عاشت مصر بكائية استجدائية، على مدار ثلاثة أيام، لمجابهة عدم رغبة المصريين في المشاركة، ساهم فيها الإعلام المصري المسيس "بالمعنيين السياسي والسيسي" من جهة، وساهمت فيه، من جهة أخرى، الحكومة المصرية، ممثلة برئيس وزرائها الذي سخر مؤسسات الدولة وخدماتها لأغراض تسويقية، ومن جهة ثالثة، اللجنة العليا القضائية للانتخابات التي راحت ترمي النوايا، واحدة تلو أخرى، بدءاً بتطبيق غرامة مالية، وانتهاء بالتهديد بالاعتقال. فخرجت مصر من ذاك الهزال السياسي بفوضى في المجتمع الداخلي، وضعف على المستوى الخارجي، بالإضافة إلى خسائر مالية، كان أهمها الخسائر المباشرة للبورصة المصرية، بما لا يقل عن ستة مليارات جنيه، بسبب قرار مد التصويت وحده.

الصورة التي قدمها المصريون في عزوفهم عن "العرس الديمقراطي" كانت مقلقة بشدة للسلطة الأمنية الحاكمة، لا لأنها تعني عدم فوز المشير السيسي، بل لأنها تعني عدم فوزه بالرقم الذي كان يحلم به، وهو "أربعون مليوناً". ليس ذنب مصر أن رئيسها المقبل لا يتقن الحساب، أو أنه لا يعرف عدد الصناديق الانتخابية في مصر، والبالغة 13899 صندوقاً، والتي لو استوعبت صوتاً في كل دقيقة بلا توقف، طوال اليوم الانتخابي، على امتداد مصر بأكملها، لأحرزت عشرة ملايين صوت في اليوم الواحد.

في تصريح تلفزيوني قريب، صرح الكاتب الصحفي، عبد الحليم قنديل، أن عدد المصوتين في اليوم الثالث لم يتجاوز خمسة ملايين، وهي المعلومة الوحيدة الصادقة في سيل الأكاذيب الذي يسوقه قنديل، وغيره، على شاشات الإعلام المصري، محاولين التأكيد على أن اليوم الإضافي الذي شهد الإقبال الأكبر، بسبب إشاعات الغرامة والاعتقال، لم يكن مؤثراً كبيراً في عدد الأصوات. لكن، إن كان ذلك الكلام صحيحاً، فكيف أمكن لهذه اللجان الفارغة، والصناديق الخاوية، أن تحتضن ما يزيد عن 25.7 مليون صوتاً؟ تقول أغلب الجهات التي راقبت الانتخابات الرئاسية المصرية إن اللجان الانتخابية كانت نزيهة بالمعنى العام، وهذا لا يعني أن الانتخابات كانت نزيهة. إنه يعني فقط أن تزوير الأصوات تم خارج اللجان، وأن الفرز تضمن مئات الصناديق من الأصوات "بلا مصريين".

والآن، يعيد النظام السوري إنتاج المسرحية المشابهة، كما اتضح من الانتخابات السورية في لبنان، والتي أعلن التلفزيون السوري عن استقبالها 250 ألف صوت في يوم واحد، أي بمعدل 347 صوتاً في الدقيقة الواحدة (عدلت وسائل إعلامية الرقم، بعد انتهاء اليوم الأول، وخفضته  إلى 80 ألفاً، أي بمعدل 83 صوتاً في الدقيقة الواحدة). وبهذا، يبدو أن المشهد سيوغل في التشابه لاحقاً مع نظيره المصري، إذ سننتظر اعتناقاً مشابهاً لمبدأ التغريم، أو الإيحاء به، لكننا لن نشهد، بالضرورة، لجاناً خاوية لدى النظام السوري، المستعد برجاله وعتاده، لصورة معدة سلفاً، كما أننا لن نشهد فرزاً فعلياً للأصوات التي ستقرها لجنة معينة من رئيس الجمهورية نفسه. وإذا كان باحثون سياسيون كثيرون قد توقعوا اكتفاء الأسد بنسبة تقارب 75% هذه المرة، كسراً للروتين، فإن أغلب الظن أن الأسد الآن ينتظر النتائج النهائية للانتخابات المصرية، ليحدد النسبة التي سيقبل بها، والتي سيصر، بالضرورة، على أن تتجاوز النسبة التي سيحققها السيسي، والتي تجاوزت 95% حتى الآن.

ما سيثير السخرية حقاً، أن يصر النظام السوري على تحقيق نسبة مشاركة أعلى من النسبة المصرية كذلك. كان رئيس مجلس الشعب السوري قد صرح أن من يحق لهم التصويت في الانتخابات السورية يقاربون 16 مليوناً، ما يفترض أن المقيمين في الداخل السوري يتجاوزون 30 مليوناً، نصفهم تحت سن الانتخاب. فهل يعني ذلك أنه سيحاول الوصول إلى ثمانية ملايين على الأقل، كي يتجاوز نسبة المشاركة 46% التي صرحت عنها اللجنة العليا الانتخابية المصرية؟ أم سيحاول كسر الرقم، للحفاظ على الصدارة، متجاهلاً حقيقة أن ربع السوريين مهجرون خارج البلاد، وربعهم الآخر في مناطق خارج سيطرته، وجميع من في مناطق سيطرته في الداخل السوري ممن يفوقون 18 سنة لا يتجاوزون ستة ملايين شخص فقط؟
B41766CD-B583-4134-BA8B-428994189FC2
B41766CD-B583-4134-BA8B-428994189FC2
نائل حريري

طبيب وكاتب ومترجم سوري، يكتب في عدد من الصحف العربية، وعمل بالترجمة مع عدد من دور النشر العربية

نائل حريري