الأزياء المستوردة تزيح ألبسة العراق

22 نوفمبر 2015
أحد محلات الخياطة في بغداد (Getty)
+ الخط -
لم يعد من سبب يفرض عليه أن يهتم بتزيين محله كما كان دأبه منذ نحو عقدين من الزمن، كان يشعر فيها بزهو وهو يتلقى طلبات زبائنه الذين يتوجب عليهم الانتظار لوقت يصل إلى شهر أو أكثر لتسلّم ملابسهم، وهي تحمل علامة (HK)، التي تعبّر عن أول حرفين باللغة الإنجليزية من كلمتي "حاتم الخياط"، فما زبائنه اليوم سوى الراغبين بإصلاح ملابسهم، وهو ما جعل العلامة التي كان حاتم يتفاخر بها جزءًا من ذاكرته وذاكرة زبائنه القدامى.

الخياط حاتم الذي ما زال محله شاخصاً في الباب الشرقي في العاصمة العراقية بغداد، ليس وحده من وجهت له الأزياء المستوردة ضربة موجعة، جعلت من اسمه أثراً تستذكره الأجيال السابقة، بل هو حال الكثير من الخياطين العراقيين الذين توارث بعضهم الصنعة كابراً عن كابر.

ومهنة الخياطة ولقِدمها واحترامها في المجتمع العراقي صارت لقباً حملته بعض العوائل، نظير الصنعة التي مارسها أحد أسلافها.

وفيما يستعرض غسان صور والده الخياط جابر، التي يعلقها في برواز على حائط المحل ذاته، بشارع السعدون وسط العاصمة، الذي حوّله لبيع الملابس المستوردة، يلفت النظر إلى أن ما لا يقل عن 100 خياط كانوا ينتشرون في ذلك الشارع وأزقته الفرعية، حتى تسعينيات القرن الماضي.

وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن الخياطين أصبحوا اليوم يُعدون على أصابع اليد الواحدة؛ والسبب، وفق قوله، "الكلفة المادية المرتفعة للخياطة مقابل الملابس الجاهزة، وطغيان موضة ملابس الجينز".

اقرأ أيضاً: تجّار العراق يتهمون المليشيات بابتزازهم مالياً

وفي عودة بالذاكرة إلى نحو أربعة عقود من الزمن، يجول خضير الياسري، وهو المتعمّق في دراسة التراث العراقي، بذاكرته وسط أحياء بغداد، مستحضراً شوارعها ومحال خياطتها، التي كانت لا تهدأ من فورة زبائنها، وفق قوله، ملخصاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الخياطة من المهن التي لم يكن بالحسبان أن تندثر في بغداد.

وقال إن "خياطة الأزياء بشقيها الرجالي والنسائي كانت مهنة مربحة لأصحابها، والعراقيون عامة والبغداديون بشكل خاص، كانوا يهتمون بأناقتهم، ويفضّلون ارتداء البدلات، ويسايرون الصرعات العالمية، كما أن الخياطين ونتيجة للمنافسة كانوا يحرصون على مواكبة آخر مستجدات الأزياء".

أما ماهر الخياط، الذي تشرّب الصنعة من والده، يذكر لـ"العربي الجديد"، أن والده كان يحرص بالإضافة إلى اشتراكه بمجلات أجنبية خاصة بالأزياء ترده عبر البريد، أن يسافر بين فترة وأخرى إلى لندن وباريس وروما، للتعرّف على ما استجد في عالم الأزياء".


وتشهد أسواق العاصمة العراقية بغداد، ارتفاعاً كبيراً في أسعار الألبسة، خاصة تلك التي تعود للأطفال، بسبب توقف الحركة التجارية بين العراق وسورية والأردن، فيما أكد تجار أن البضائع الصينية أخذت مكان نظيرتها التركية والسورية، التي منعتها ظروف الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من دخول العراق.

ولجأ متوسطو الدخل خلال عيد الأضحى إلى ما يُعرف بأسواق "البالات"، التي تعرض ملابس مستعملة، لتوفير احتياجات أبنائهم من ألبسة العيد.

وقال عضو الغرف التجارية العراقية، أحمد علي، في تصريح لـ "العربي الجديد" إن قلة الاستيراد وتوقف الحركة التجارية بين العراق وسورية والأردن تسبب في ارتفاع الأسعار، مشيرًا إلى أن التجار اتجهوا إلى البضائع الصينية لتعويض ما فقدته الأسواق، خاصة أن العراق يعتبر واحداً من أكثر البلدان استيراداً من سورية والأردن.

وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي استحوذ على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق، على المنافذ الحدودية مع سورية والأردن، ما أدى إلى تراجع واردات العراق من هاتين الدولتين بشكل كبير.

وبحسب تقرير لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية (حكومية)، نهاية يونيو/حزيران الماضي، فإن صادرات الأردن الكلية التي تشمل المنتجات المحلية والمعادة تصديرها انخفضت خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 12.1% حيث بلغت 2.42 مليار دولار، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

اقرأ أيضاً: اقتصاد العراق تحت "وصاية" صندوق النقد

وأظهرت البيانات انخفاض صادرات الأردن للعراق، خلال الربع الأول من العام الجاري، بنسبة 25%، حيث بلغت 238.29 مليون دولار، مقابل 315.41 مليون دولار لذات الفترة من العام الماضي.

وقال قاسم محمود، أحد تجار الجملة في سوق العربي وسط بغداد، إن الألبسة الصينية باتت تستحوذ على نحو 20% من حجم السوق العراقية.

ويلاحظ أن اندفاع الشباب نحو الرياضة في الآونة الأخيرة، أسهم في ازدهار تجارة التجهيزات الرياضية داخل الأسواق المحلية التي سجلت على وجه الخصوص رواجاً في في بغداد، حيث تحولت محلات في شارع الرشيد ومنطقة حافظ القاضي إلى أسواق متخصصة بمستلزمات الرياضة تستقبل يومياً الآف الزبائن من الصبية والشباب من مختلف المناطق والمحافظات، خصوصاً المناطق الشعبية. وسط هذه التحولات الضخمة التي يعيشها المجتمع العراقي يبدو أن الأناقة العراقية التي كانت تميز العراقي قد ولت بغير رجعة. وأصبح تدريجياً التوقف عند خياط لتفصيل بدلة أو اختيار نوع جيد من الأقمشة الصوفية نوعاً من الترف.
المساهمون