الأزمة انتهت.. إلا قليلاً

24 يوليو 2017
+ الخط -
من دون مبالغة، انتهت الأزمة الخليجية، لكن الخلاف باقٍ وستبقى آثاره، إلى حين. ربما لم تعترف الدول الأربع المقاطعة لقطر بنهاية الأزمة، لكن التطوّرات حملت من المؤشرات ما يجزم بذلك. بدءاً من خروج اجتماع وزراء الخارجية الأربعة، في القاهرة في الخامس من يوليو/ تموز الجاري، من دون نتائج فعلية. وتراجع سقف المطالب من ثلاثة عشر إلى ستة مطالب، أقرب إلى العمومية والمبادئ منها إلى إجراءات أو خطوات محدّدة. كما تراجعت حدة الهجوم الإعلامي على قطر، ولم تنته الحملة الإعلامية. لكنها لم تعد بالحدة والتصعيد نفسه، ولا الكم والزخم نفسه.
تحوَل الموقف الأميركي الذي ظل متذبذباً طوال الأزمة بين الجانبين، ليُحسم الأمر، في النهاية، لصالح قطر. بالتأكيد، ليس لأسباب أخلاقية، وليس بالضرورة اقتناعاً بصحة موقف الدوحة، وإنما لأن التصعيد الرباعي ضد قطر تجاوز حدود المقبول، حتى من وجهة النظر الأميركية. فكان التدخل المباشر لتسوية الأزمة، أو بالأحرى لفرض نهايةٍ سريعة لها. وبعد فترة من التباين في التصريحات، وفجوة في الموقف بين الرئيس دونالد ترامب وأركان إدارته، خصوصاً في البنتاغون ووزارة الخارجية، جاء موقف وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، واضحاً حاسماً، يوم الجمعة الماضي، عندما طالب صراحة دول المقاطعة بوقف حصارها على قطر. وهو ما تزامن مع مبادرة "واشنطن بوست"، ثم الاستخبارات الأميركية، إلى كشف نتائج التحقيق في عملية القرصنة التي تعرّضت لها وكالة الأنباء القطرية مساء الرابع والعشرين من مايو/ أيار الماضي. وهي العملية التي افتعلت ذريعة لإشعال الأزمة بعدها بأيام. والأكثر دلالةً في الموقف الأميركي، تقرير الخارجية الأميركية، الذي اتهم صراحة الإمارات والسعودية بالتورّط في تمويل أنشطة وأطراف ليست بعيدة عن الإرهاب.
جديد تلك المؤشرات وأقواها، خطاب أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد، مساء الجمعة الماضي. كشف الخطاب، بوضوح، أن الدوحة انتقلت إلى مربع الهجوم الصريح، بل ووضع شروط للحوار، وإنْ جاءت في الخطاب بصيغةٍ دبلوماسية. تحت عنوان "مبادئ" للحوار، وهي عدم المساس بالسيادة الوطنية، وعدم فرض إملاءات. ولما كانت مطالب الدول الأربع ومواقفها تحمل إملاءاتٍ، وتعكس مساساً بالسيادة، فمعنى الخطاب القطري الحالي أن تلك المطالب والمواقف لا محل لها، وعلى الدول الأربع العودة إلى المربع صفر، ليصير هناك حوار.
ولم يكن بعيداً عن تلك التطورات، ظهور نغمة تهدئةٍ في الدول الأربع، فعكست تصريحاتها الرسمية انخفاض سقف المطالب. منها التراجع عن مطالب إغلاق شبكة الجزيرة، والاكتفاء بأن تغير أداءها. وأن المطلوب "تغيير سياسات الدوحة وليس تغيير الحكم فيها". ثم أخيراً الإقرار بأن "الحوار ضروري ومطلوب لحل الأزمة". ومفاد ذلك كله أن الأزمة التي كان يُراد لها أن توجه ضربةً قاصمة لقطر، قد انتهت بالفعل.
لكن ذلك لا يعني أن الصراع قد توقف أو أن الخلافات ذابت، بدليل أن بعض دول المقاطعة لا تزال تباشر إجراءات جديدة بحق قطر، منها تفعيل قرار مصري قديم بفرض تأشيرات دخول على القطريين إلى مصر. وهي خطوة مضمونها عقابي للمواطنين القطريين، وليس للحكومة، إلا أنها تعكس تمسّكاً مصرياً بالاستمرار في اتخاذ إجراءاتٍ عقابية تجاه الدوحة.
ستستمر محاولات الدول الأربع استهداف قطر، إن لم يكن بغرض الضغط عليها فعلياً، فعلى الأقل لمخاطبة الرأي العام الداخلي، وإقناعه بأن الاتهامات التي وجهت للدوحة ليست كاذبة، وأن عوامل أخرى تقف وراء إخفاق الحملة المنظّمة ضدها. وهنا يمكن بسهولة توقع أن تتجه أسهم النقد إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبعد الرهان عليها في بداية الأزمة، لتكون طرفاً وراعياً للحملة ضد قطر، ستتغيّر الدفة، وتصير واشنطن متهمة بالانحياز إلى قطر.
دلالات
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.