الأرض تتشقق

09 اغسطس 2018
أضرار من جرّاء ارتدادات كارثة طبيعية (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -


لأنّ البيئة لا تعرف الحدود، لا في تأثيراتها ولا في تشابك قضاياها، فما إن يقع حدثٌ ما حتى يعاود الخبراء الحديث عن قضايا طرحوها قبلاً ولم تجد استجابة مثلى من المعنيين بالتخطيط التنموي والبيئي.

عقب هطول أمطار غزيرة مطلع الخريف، شهدت منطقة الكلاعيت (20 كيلومتراً شمال مدينة بابنوسة في غرب السودان) انشقاقاً في الأرض بما يشبه الأخدود، قُدّر طوله بخمسة كيلومترات مع عمق يزيد وينقص عن 15 متراً، وبعرض تجاوز الأمتار العشرة في بعض المواقع. وفي حين لم تسجّل خسائر في الأرواح والممتلكات، إلا أنّ الأمر أثار سؤالا حول قضايا الأرض والجيولوجيا، فثمّة احتمالات حدوث انهيارات مشابهة في المناطق الآهلة بالسكان، ما يزيد من احتمال حدوث موجات ترحيل وتهجير وهجرات تطاول السكان المحليين.

تُعَدّ الانزلاقات الأرضية من الكوارث البيئية التي تحدث عند توفّر العوامل المسببة لها، وقد تأتي فجائية أو على مراحل وفترات متباعدة. وتعرف الانزلاقات بتحرك الصخور والتربة وبالفتات الصخري وتراكمات الثلوج على المنحدرات بفعل جاذبية الأرض. تغلب القوة المحفزة المتمثلة في زيادة الحمل والجاذبية، فتتعرض المنطقة إلى عوامل تؤدّي إلى ضعف قدرتها على مقاومة الانزلاق (قوة التماسك والاحتكاك)، فتحدث بالتالي الانهيارات والانزلاقات الأرضية.

ويُرجَّح أن يكون السبب المؤدّي إلى ذلك إمّا انهياراً في الرمال بناءً على حركة المواد الأرضية، بسبب التراكيب الجيولوجية (الصدوع والفواصل والشقوق)، وإمّا الميل والانحدار، وإمّا تأثير الجاذبية الأرضية، وإمّا تأثير درجات الحرارة، وإمّا الأعمال البشرية. وقد يتضافر أكثر من عامل، فتؤدّي كلها معاً إلى نشوء الظاهرة. هذا ما قد تتوصل إليه الدراسات الجارية حالياً.




عقب ذلك، تجددت مخاوف البيئيين من حدوث ما لا تحمد عقباه نتيجة استئثار الجارة إثيوبيا بقرار ملء بحيرة سدّ النهضة، وإبعاد دولتَي المصب (السودان ومصر) عن القرار بعد ذلك الاجتماع الثلاثي الذي منحها الحق في التصرف. وقد نبّهنا سابقاً في هذه المساحة من احتمال حدوث خلل في قدرة تماسك الأرض بفضل زيادة الحمل وإضعاف مقاومة الانزلاقات الأرضية. وأفتى بعضهم يومها بأنّ المنطقة ليست بالهشاشة التي أوردناها، بيد أنّ هزة أرضية خفيفة وقعت فأكدت ما ذهبنا إليه من أنّ المنطقة قابلة لوقوع انزلاقات وهزات وتشققات أرضية.

يقول الخبراء إنّ الكرة الأرضية لم تكن بصورتها الحالية عند نشأتها قبل ملايين السنين، بل وقعت آلاف التحركات والتفككات والانقسامات في القشرتَين القارية والمحيطية معاً، حتى وصل الكوكب إلى هيئته الحالية. وسوف يستمر التفكك على مدى ملايين الأعوام الآتية، فهل نشهد في المقبل من الأيام تصدعات وانزلاقات أرضية أخرى في شرق السودان هذه المرة بسبب سدّ النهضة؟

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون