30 أكتوبر 2024
الأردن بأصوات إسرائيلية موتورة
تسبّب تراجع إسرائيل عن الإجراءات العسكرية في منطقة الحرم القدسيّ الشريف، أخيراً، تحت وطأة ضغوط كبيرة، مارس بعضها الأردن، ولا سيما عقب ارتكاب حارس أمن إسرائيلي جريمة قتل مواطنين أردنيين في مبنى السفارة الإسرائيلية في عمّان بدم بارد، تسبب بإخراج أقلامٍ صهيونية عن طورها. وبزّ الجميع مستشرق موتور، هو مردخاي كيدار، رأى أن إسرائيل اقترفت "خطيئة أصلية" لدى منحها الأردن مكانة خاصة في الحرم القدسي لدى توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994، والتي نصّت على أن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس. وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي، ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".
وبرأي هذا المُستشرق، لا تزال إسرائيل، في ما يتعلق بالأردن، تؤثر اللهاث وراء مصالحها التكتيكية قصيرة المدى وضيقة الأفق، المُتمثلة باستمرار السلام بين البلدين، بدلًا من الدفع قدمًا بمصلحتها الاستراتيجية الواحدة والوحيدة. وحدّد أنّ هذه المصلحة الاستراتيجية تكمن، هنا والآن، في إسقاط الأسرة الملكية الهاشمية، وتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية.
ويشفّ ما يقوله هذا المُستشرق عن تماهٍ مع شعار إسرائيلي قديم أن "الأردن هو فلسطين"، يعود إلى الصدارة بين الفينة والأخرى في دولة الاحتلال، كما حدث، مثالا، بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، وبعد ثورات الربيع العربيّ عام 2011. فبعد الانقسام، دعت شخصيات سياسية إسرائيلية إلى التفكير بالعودة إلى ما سمّي "الخيار الأردني"، وكان من بينها زعيم المعارضة اليمينية، رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو. وسبقه إلى هذا شمعون بيرس في شهادته أمام "لجنة فينوغراد لفحص إخفاقات حرب لبنان الثانية" (صيف 2006): "علينا أن نبحث عن مبنى جديد للعلاقة مع الفلسطينيين. وفي قرارة نفسي، عدت إلى الاستنتاج الذي اعتقدت به دومًا، وهو أننا ملزمون بجلب الأردنيين... فلا يمكننا أن نصنع السلام مع الفلسطينيين فقط".
علينا أن نشير كذلك إلى أن اليمين الإسرائيلي التقليديّ الذي خرج من عباءة زئيف جابوتنسكي، مؤسس "الحركة التنقيحية" في الصهيونية، هو صاحب فكرة "إسرائيل الكبرى" التي تمتدّ في ضفتي نهر الأردن. وكان شعار هذه الحركة "للأردن (النهر) ضفتان، هذه لنا وتلك أيضًا".
ويقف وراء هذه الفكرة اعتقاد راسخ أن "وجود الأردن كياناً مستقلاً من الناحية التاريخية مُصطنع، لأن خطوط حدوده رُسمت بشكل تعسفي، وطبّقت على مجموعات سكانية تفتقر إلى ذاكرة تاريخية مشتركة، وإلى تراث قومي يُتيحان إمكان تسويغ جمع هذه المجموعات كلها في كيان واحد"، بحسب ما ورد مثلًا في دراسةٍ نشرها قبل نحو عقد إيلي مايزليش، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية و"تاريخ الشعب اليهودي" في جامعة بار إيلان، في مجلة ناتيف (مسار) التي كانت تصدر عن مركز أريئيل للدراسات السياسية قبل أن يتحوّل هذا المركز إلى جامعة رسمية في الأراضي المحتلة منذ 1967، واستعرض فيها كتاباً للمؤرخ الإسرائيلي، يوسف نافو "الأردن - البحث عن هوية" (2005)، خلص فيه إلى أنه لا هوية له.
وفي 1984، أصدر باحث إسرائيلي آخر، هو تسفي إيلان كتابه "التطلع إلى إقامة استيطان يهودي في شرق الأردن"، عاب فيه على الحركة الصهيونية عدم إقدامها على العمل بصورة حازمة، ومن دون مساومة، ولو في حدود هدف أدنى، داخل شرق الأردن، على غرار ما فعلت في غور الأردن الشرقي فقط، حتى لو اضطرّها ذلك إلى الدخول في مواجهة ضد البريطانيين. وأكد أنها لو عملت على هذا النحو، لكان في مقدورها فرض حقائق وجودها في تلك المنطقة، والتي كان يمكن أن تشكل أساسًا لمطالب سياسية. ورأى أن الحركة الصهيونية لم تمتحن البريطانيين، ومن المحتمل أنهم كانوا سيسلمون بالأمر، مثلما سلموا بالاستيطان في غربي نهر الأردن. وكان استنتاجه من ذلك أن "الحركة الصهيونية فوّتت في شرق الأردن فرصة سانحة من الناحيتين الاستيطانية والسياسية".
وبرأي هذا المُستشرق، لا تزال إسرائيل، في ما يتعلق بالأردن، تؤثر اللهاث وراء مصالحها التكتيكية قصيرة المدى وضيقة الأفق، المُتمثلة باستمرار السلام بين البلدين، بدلًا من الدفع قدمًا بمصلحتها الاستراتيجية الواحدة والوحيدة. وحدّد أنّ هذه المصلحة الاستراتيجية تكمن، هنا والآن، في إسقاط الأسرة الملكية الهاشمية، وتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية.
ويشفّ ما يقوله هذا المُستشرق عن تماهٍ مع شعار إسرائيلي قديم أن "الأردن هو فلسطين"، يعود إلى الصدارة بين الفينة والأخرى في دولة الاحتلال، كما حدث، مثالا، بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، وبعد ثورات الربيع العربيّ عام 2011. فبعد الانقسام، دعت شخصيات سياسية إسرائيلية إلى التفكير بالعودة إلى ما سمّي "الخيار الأردني"، وكان من بينها زعيم المعارضة اليمينية، رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو. وسبقه إلى هذا شمعون بيرس في شهادته أمام "لجنة فينوغراد لفحص إخفاقات حرب لبنان الثانية" (صيف 2006): "علينا أن نبحث عن مبنى جديد للعلاقة مع الفلسطينيين. وفي قرارة نفسي، عدت إلى الاستنتاج الذي اعتقدت به دومًا، وهو أننا ملزمون بجلب الأردنيين... فلا يمكننا أن نصنع السلام مع الفلسطينيين فقط".
علينا أن نشير كذلك إلى أن اليمين الإسرائيلي التقليديّ الذي خرج من عباءة زئيف جابوتنسكي، مؤسس "الحركة التنقيحية" في الصهيونية، هو صاحب فكرة "إسرائيل الكبرى" التي تمتدّ في ضفتي نهر الأردن. وكان شعار هذه الحركة "للأردن (النهر) ضفتان، هذه لنا وتلك أيضًا".
ويقف وراء هذه الفكرة اعتقاد راسخ أن "وجود الأردن كياناً مستقلاً من الناحية التاريخية مُصطنع، لأن خطوط حدوده رُسمت بشكل تعسفي، وطبّقت على مجموعات سكانية تفتقر إلى ذاكرة تاريخية مشتركة، وإلى تراث قومي يُتيحان إمكان تسويغ جمع هذه المجموعات كلها في كيان واحد"، بحسب ما ورد مثلًا في دراسةٍ نشرها قبل نحو عقد إيلي مايزليش، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية و"تاريخ الشعب اليهودي" في جامعة بار إيلان، في مجلة ناتيف (مسار) التي كانت تصدر عن مركز أريئيل للدراسات السياسية قبل أن يتحوّل هذا المركز إلى جامعة رسمية في الأراضي المحتلة منذ 1967، واستعرض فيها كتاباً للمؤرخ الإسرائيلي، يوسف نافو "الأردن - البحث عن هوية" (2005)، خلص فيه إلى أنه لا هوية له.
وفي 1984، أصدر باحث إسرائيلي آخر، هو تسفي إيلان كتابه "التطلع إلى إقامة استيطان يهودي في شرق الأردن"، عاب فيه على الحركة الصهيونية عدم إقدامها على العمل بصورة حازمة، ومن دون مساومة، ولو في حدود هدف أدنى، داخل شرق الأردن، على غرار ما فعلت في غور الأردن الشرقي فقط، حتى لو اضطرّها ذلك إلى الدخول في مواجهة ضد البريطانيين. وأكد أنها لو عملت على هذا النحو، لكان في مقدورها فرض حقائق وجودها في تلك المنطقة، والتي كان يمكن أن تشكل أساسًا لمطالب سياسية. ورأى أن الحركة الصهيونية لم تمتحن البريطانيين، ومن المحتمل أنهم كانوا سيسلمون بالأمر، مثلما سلموا بالاستيطان في غربي نهر الأردن. وكان استنتاجه من ذلك أن "الحركة الصهيونية فوّتت في شرق الأردن فرصة سانحة من الناحيتين الاستيطانية والسياسية".