الأخذ بالثأر مستمر في شمال القوقاز

07 نوفمبر 2018
خلال تشييع جثمان في الشيشان (مراد مواسايف/ فرانس برس)
+ الخط -
تختلف التقاليد في جمهوريّات شمال القوقاز، وفي مقدمتها الشيشان وداغستان، عن باقي أنحاء روسيا بشطريها الأوروبي والآسيوي. وما زالت شعوب المنطقة تعيش بحسب عاداتها الخاصة، كالأخذ بالثأر الذي يلجأ إليه البعض للدفاع عن كرامة عائلاته، بعيداً عن الإجراءات القانونية.

وعلى الرغم من العمل المستمرّ على المصالحات بين العائلات المتخاصمة، وتحسن الوضع خلال السنوات الأخيرة، إلا أن بعض الأنباء عن حوادث الأخذ بالثأر ما زالت ترد بين الحين والآخر في الصحافة الروسية، آخرها واقعة إصابة رجل بطلق ناري في جمهورية إنغوشيا في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشتبه بارتباطها بالانتقام.

في هذا الإطار، يقول مدير مركز دراسات آسيا الوسطى والقوقاز في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكبير أليكبيروف، إن استمرار ظاهرة الأخذ بالثأر يرجع إلى قوة عادات سكان المناطق الجبلية وتقاليد الإسلام الشعبي الذي يتبنى العادات ما قبل إسلامية بغطاء ديني. ويقول أليكبيروف لـ "العربي الجديد": "تخلو المناطق ذات المدرسة الإسلامية القديمة والقوية من العادات مثل الأخذ بالثأر، لكنه ينتشر في المناطق التي أسلمت حديثاً، أي خلال 150 عاماً. وسقطت 70 عاماً خلال الحقبة السوفييتية، في ظل إعلان الإلحاد أيديولوجيا رسمية للدولة في تلك الفترة". لم يبق الإسلام في المناطق الجبلية في داغستان والشيشان سوى في القرن التاسع عشر. لذلك، لم يؤدِ بعد دوره التاريخي في استئصال العادات السابقة، وهي مرحلة مرت فيها كل الأديان، بما فيها المسيحية".




في عام 2010، أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف تشكيل "لجنة المصالحة الوطنية" التي من شأنها تسوية النزاعات الناجمة عن الأخذ بالثأر، داعياً جميع العائلات المتخاصمة إلى مسامحة بعضها بعضاً.

وحول تجربة المصالحة برعاية الرئيس الشيشاني، يقول أليكبيروف: "يعتمد قديروف تجربة المصالحات في إطار إسلامي شكلاً، لكنها ممارسات ما قبل إسلامية لناحية المضمون. لم يتم إيجاد أساليب أخرى لحل المشكلة بعد، لأن العلاقات في مثل هذه المجتمعات تقليدية جداً". يُتابع: "تعود هذه الظاهرة إلى الانقسام العشائري في القوقاز، ويعد الانتماء إلى عشيرة بعينها أهم من الانتماء إلى الشعب الشيشاني. مثلاً، الهوية التي تحظى بالأولوية تحدد الأعراف السائدة في المجتمع. لذلك، لن يتم القضاء الكامل على الأخذ بالثأر، إلا بعد تكوين هوية ذات أبعاد أوسع".

قبل تراجع الظاهرة، كانت نحو 15 في المائة من جرائم القتل ومحاولات القتل في داغستان ترتبط بالرغبة في الأخذ بالثأر في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ما يعكس نطاق المشكلة، وفق ما يوضحه الباحث في ثقافة القوقاز، علي أسكيروف، في موسوعته الإلكترونية "الرقص القوقازي". يضيف أن الأخذ بالثأر يعد من العوامل التي تمنع انتشار الجريمة في المناطق الجبلية، في ظل إدراك الجاني حتمية الانتقام. وهذا يردع الناس أكثر من عقوبة السجن.

ويشير أسكيروف إلى أن "الأخذ بالثأر يعني أن الانتقام للقتيل واجب على كل رجل في العائلة. وفي بعض القرى الجبلية، ما زالت هناك أماكن خاصة لدفن من رحلوا عن عالمنا من دون الأخذ بالثأر أو التصالح مع العدو".

ويذكر الباحث أنّ قوات الأمن باتت، خلال السنوات الماضية، تكافح ظاهرة الأخذ بالثأر بقوة، لافتاً إلى أن سكان القوقاز لا ينظرون إلى الأخذ بالثأر على أنه انتقام، بل استعادة كرامة العائلة. لكنه يتعارض مع القوانين الروسية.

وبحسب موقع "العقدة القوقازية" المتخصّص في شؤون القوقاز، الأخذ بالثأر من العادات التاريخية لشعوب المنطقة التي لم تكن تسقط بالتقادم، إذ كانت هناك حالات انتقام بعد 50 وحتى 100 عام، ما يعرض حياة أبناء وأحفاد الجناة للخطر.




لكن مع تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في شمال القوقاز في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بات هناك إدراك بأن الأخذ بالثأر لا يؤدي سوى إلى سلسلة من الاغتيالات وتدمير المجتمع من الداخل. وفي الوقت الذي انتشرت ظاهرة دفع الدية لدى الشعبين الداغستاني والإنغوشي، أصر الشيشانيون على رفضها، ورأوا في قبولها عاراً ليس بعده عار. حتّى القوانين السوفييتية الصارمة التي باتت تصنّف جرائم القتل لدوافع الأخذ بالثأر على أنها "جرائم عظمى"، لم تتمكن من القضاء على الظاهرة بشكل كامل، لتستمر حتى يومنا هذا.
دلالات