لا يعرف العقل العسكري معنى للرقابة، بشكل أدق لا يقبل رقابة ممّن هم دونه، الأعلى رتبة يراقب الأدنى ثم الأدنى فالأدنى، وبالتالي القائد الأعلى لا رقيب عليه سوى نفسه، والمجنّد البسيط يراقبه ويحاسبه الجميع، وإن تساوت الرتب فالأقدمية تمنح صاحبها درجة أعلى من الرقابة على أقرانه، وهو ما يفسّر إصرار "السيسي" على حيازة لقب "المشير" قبل أن يقدّم استقالته للترشح للرئاسة، فهو يعلم أن لقب الرئيس لن يمنحه أفضلية عن رفاق المجلس العسكري، ولن يمنحه حصانة من مساءلتهم ورقابتهم بعكس اللقب العسكري الذي يفوق رتبهم جميعاً.
المجتمع العسكري عبارة عن درجات وطبقات ورتب، فوجود مجموعة من الرموز المتعارف عليها تعلّقها فوق كتفك تحدد مكانتك وحصانتك من الرقابة والمزايا التي تحصل عليها. وهو ما لا يختلف كثيراً عن نظرتهم للمجتمع الخارجي، جندي الجيش أياً كانت رتبته، صاحب أفضلية على من سواه، ثم يأتي المجند إجبارياً أدناهم منزلة، يليه عسكري الشرطة وفقاً لرتبته أيضاً، ثم رجال القضاء، يليهم الإعلاميون، ثم العامة من جمهور المؤيدين، وقد عبّر السيسي في العديد من خطاباته عن تلك النظرة الطبقية للمجتمع ولم يخطئ أبداً في ترتيب درجاتهم، فلم يسبق أبداً القضاء الشرطة في حديث له، كما لم يذكر أبداً الجيش بعد الإعلام.
أبدعت البيروقراطية المصرية في رسم علاقات مؤسسات الجهاز الإداري للدولة بعضها ببعض وعلاقتها بمصالح المواطنين، وتعددت جهات الرقابة عليهم وعلى منشآت القطاع الخاص والعام والحكومي، إلا أن عقوداً من الفساد المتشعّب والمتجذّر في هيكل الدولة الاداري، قد قضى على كل أمل في تطبيق مفهوم الرقابة السابقة أو اللاحقة، فإن شيوع الرشوة والوساطة جعل من الرقابة واجهة يتربّح منها آلاف العاملين بالأجهزة الرقابية في الدولة.
المجتمع العسكري عبارة عن درجات وطبقات ورتب، فوجود مجموعة من الرموز المتعارف عليها تعلّقها فوق كتفك تحدد مكانتك وحصانتك من الرقابة والمزايا التي تحصل عليها. وهو ما لا يختلف كثيراً عن نظرتهم للمجتمع الخارجي، جندي الجيش أياً كانت رتبته، صاحب أفضلية على من سواه، ثم يأتي المجند إجبارياً أدناهم منزلة، يليه عسكري الشرطة وفقاً لرتبته أيضاً، ثم رجال القضاء، يليهم الإعلاميون، ثم العامة من جمهور المؤيدين، وقد عبّر السيسي في العديد من خطاباته عن تلك النظرة الطبقية للمجتمع ولم يخطئ أبداً في ترتيب درجاتهم، فلم يسبق أبداً القضاء الشرطة في حديث له، كما لم يذكر أبداً الجيش بعد الإعلام.
أبدعت البيروقراطية المصرية في رسم علاقات مؤسسات الجهاز الإداري للدولة بعضها ببعض وعلاقتها بمصالح المواطنين، وتعددت جهات الرقابة عليهم وعلى منشآت القطاع الخاص والعام والحكومي، إلا أن عقوداً من الفساد المتشعّب والمتجذّر في هيكل الدولة الاداري، قد قضى على كل أمل في تطبيق مفهوم الرقابة السابقة أو اللاحقة، فإن شيوع الرشوة والوساطة جعل من الرقابة واجهة يتربّح منها آلاف العاملين بالأجهزة الرقابية في الدولة.
ورغم فشل الأجهزة الرقابية في الرقابة على الجهاز الإداري للدولة واختراق الفساد له، ورغم حصانة المؤسسة العسكرية من الرقابة والمحاسبة في ما يتعلّق بشؤونها، إلا أن وجود أجهزة رقابية لا تملك يد الدولة الباطشة سلطة النيل منها، ويكفل لها الدستور حماية من تغوّل السلطة التنفيذية عليها، يوفّر قدراً من الأمل في استخدام ما تصدره تلك الجهات من تقارير ربما يحتاجها مناضل رشيد في زمن الحق المسلوب.
ولكن الحاكم العسكري الذي أضفى على نفسه مسحة إلهية باعتباره طبيب الفلاسفة ويحمل الحقيقة المطلقة في جيب بزته الميري، لا يقبل برقابة من أي نوع ليس عليه شخصياً فحاشاً للفرعون أن يكون له حسيباً، ولكن أن يحاسب أعوانه على فسادهم واستغلالهم لمناصبهم.
أصدر السيسي قانوناً جديداً يعلن فيه تأميم الأجهزة الرقابية جميعاً إلى مكاتب تابعة لرئاسة الجمهورية، وينهي فيه بعضاً من استقلال هيئات الرقابة على الدولة، ويبني مزيداً من الحصون والأسوار لحماية نفسه ومعاونيه من رقابة الشعب ومحاسبة القانون.
لذا فالرقابة في ظل حكم العسكر اقتصرت على رقابة الأعمال الفنية والأدبية والإبداعية، رقابة على الفكر والسلوك والتديُّن، فهناك رقيب على تدويناتك الإلكترونية ورقيب على مكالماتك التليفونية ورقيب على حسابك البنكي ورقيب على شاشتك التلفزيونية، الرقيب يقتصر دوره على الجلوس عند عقلك ليراقب كل ما يمكن أن يدخل إليه أو يخرج منه، يفرز وينتقي ويمنع ويسمح، أما إذا تجاوزت حدود الخطر فالرقيب يقرر فوراً عزلك عن المجتمع حتى لا تنتقل العدوى.
(مصر)