الآفات الخمس للمشهد التونسي

07 سبتمبر 2016

في احتجاج في تونس على رئاسة الشاهد الحكومة (6/8/2016/الأناضول)

+ الخط -
كشفت الأحداث التي عرفتها مدينة القصرين في تونس، أخيراً، عن مدى العجز الحكومي وقصوره في التعامل مع ما تقتضيه التطورات. وإذا كان من الطبيعي أن تشهد الدول كوارث طبيعية، أو حوادث بشرية مختلفة المصادر، فإن الفارق يكمن دوما في مدى جاهزية السلطة السياسية القائمة لمعالجة التطورات المفاجئة، بحيث لا تفقد توازنها أو قدرتها على التعامل معها بصورة عقلانيةٍ وواعية. وإذا كان دأب الأنظمة الشمولية أن تتعامل مع كل الحوادث بمنطق التعتيم واللامبالاة، وربما تحميل المواطن مسؤولية ما يجري، فإنه في ظل نظام يتوفر فيه الأدنى من الديمقراطية من الصعب ممارسة التعمية على كل القطاعات الشعبية. وهنا، يأتي السؤال عن طبيعة هذا العجز الذي تعانيه الطبقة السياسية التونسية، وهل هو مجرد وضعية مؤقتة يمكن تبريرها، أم هو تعبير عن خلل بنيوي كامن في النخبة السياسية والحزبية التونسية نفسها؟
يمكن القول إن المشهد السياسي التونسي بعد الثورة شهد تطورات مهمة وأساسية، لا يمكن نفيها، سواء من حيث التعدّد والتنوع، أو من حيث وجود فسحةٍ لا تُنكر تسمح بالحريات وحق التعبير، وربما كان هذا أحد أهم مكتسبات الثورة، وهو مرتبط بالشارع السياسي والمجتمع المدني أكثر من ارتباطه بالنخبة الحزبية، التي تعاني من جملة من المشكلات الأساسية التي يمكن اختصارها في خمس مسائل.
تكمن الأولى في بنية الأحزاب التونسية، من حيث أنها تقوم على الولاءات والترضيات في تصعيد القيادات، وعلى الموسمية في النشاطات وغيابها عن المشاغل الحقيقية للمواطن، بالإضافة إلى أساليب التسيير الداخلي غير الديمقراطية، ويمكن القول إن طريقة هذه الأحزاب في العمل داخلها يمكن إسقاطه في حالة وصولها إلى الحكم على أسلوب تسييرها شؤون الدولة ومؤسساتها، ونمط اختيارها الوزراء والمسؤولين، وفي طرق تعاملها مع المواطنين.
ثانيا: قامت الخطابات السياسية للأحزاب في تونس على الديماغوجية ومغالطة الرأي العام، وهو ما نلاحظه في أثناء الحملات الانتخابية، وهو ما يكتشف المواطن زيفه، بعد وصول الأحزاب إلى الحكم، فجميعنا يذكر حديث "نداء تونس" عن ذوي الكفاءة العالية الذين يتوفر عليهم، وأنهم قادرون على إدارة أربع حكومات وليس واحدة.
ثالثا: تعاني الأحزاب من عدوى الانشقاقات الداخلية، وهي حالة تجمع بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة. وهذه الانقسامات في غالبها نتاج حالة من سوء التسيير الداخلي، بالإضافة إلى غياب البرامج التي تحقق اللحمة الداخلية، وانتهاء بالزعاماتية المفرطة لدى قيادات الأحزاب، التي تطمح جميعا إلى تصدّر المشهد، والوصول إلى موقع القرار.
رابعا: ومن مشكلات العجز السياسي في تونس عدم الاستقرار الوزاري، حيث عرفت تونس
منذ الثورة سبع حكومات، وبعضها لم يعمر في الحكم سوى أشهر قليلة. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بعاملين، أولهما عجز أي حزب عن تشكيل حكومة بمفرده، مما يؤدي إلى قيام حكومات ائتلافية من أحزاب ذات مصالح متنافرة، وإلى تعقيداتٍ كثيرة في توزيع المسؤوليات، وأحياناً في إقرار أشكال من الترضيات، وهو ما يفضي إلى تصدّع الحكومة نفسها، أو أن الحكومة تتعرّض لضغط مضاعف من المعارضة، ومن المنظمات الاجتماعية الكبرى، مثل اتحاد العمال، بذرائع مختلفة لا تراعي مصلحة الوطن، بقدر ما تكون خدمة لمصالح حزبية ضيقة، وهو ما جرى لحكومات الترويكا مثلاً. ويمكن أن نلاحظ، في هذا السياق، أن النظام البرلماني القائم في تونس، وعلى الرغم من إيجابياته الكثيرة، من حيث سماحه بأكبر قدر من التمثيلية، فإنه لا يسمح بتشكيل حكوماتٍ قويةٍ قادرة على الاستمرارية، ربما خلافا للنظام الرئاسي الذي يبدو، في هذه الحالة، أكثر توازنا.
خامسا: مثلت رغبة رئيس الجمهورية في تشكيل حكومة وحدة وطنية عاملاً مؤثرا في صناعة أزمة مستحدثة في النظام السياسي التونسي، فالحكومة الجديدة، برئاسة يوسف الشاهد، والتي جاءت نتيجة هذا التوجه السياسي، شكلت أداة لالتهام الأحزاب وكسر المعارضة، ذلك أن هذا التحالف ليس إلا وصفة لتسكين الواقع وقمع التطلعات الشعبية، فهو لا يشكل تحالفاً لأحزاب الأغلبية، بقدر ما هو تجميع لعناصر متنافرة ضمن تركيبة غير متجانسة، جاءت لتثبيت سياسات الدولة العميقة، والاستمرار في الخيارات الاقتصادية نفسها، فهي غير قادرة على محاربة الفساد، أو على تطوير الوضع الاقتصادي، وظهر عجزها الفادح في التعامل مع الأزمة التي شهدتها مدينة القصرين أخيراً.
كان لهذه الآفات الخمس، التي تنخر الوضع السياسي التونسي، انعكاسات خطيرة على المشهد العام، بداية من تواصل سيطرة المصالح الاقتصادية الكبرى، واستمرارية تهميش المناطق الداخلية التي تفتقر إلى التنمية، بالإضافة إلى ما أفضت إليه من اعتقاد الرأي العام بعدم جدوى الأحزاب، وعدم فاعليتها بما يعني حالة من العزوف عن الفعل السياسي الذي يستأثر به بعضهم من المقربين من مواقع القرار، أو بعض الناشطين من محترفي العمل السياسي من قيادات المعارضة ومن البرلمانيين. وهو ما يعني أن أية محاولةٍ للنهوض بالبلد تقتضي بداية تجديد المشهد السياسي، وظهور نخبة سياسية جديدة فاعلة، وعلى مستوى المسؤولية وقادرة على أن تكون من رجالات الدولة، قبل أن تكون من ناشطي الأحزاب.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.