بعد الحرب العالمية الثانية، مثلت الولايات المتحدة الأميركية مخرجا اقتصاديا لدول أوروبا، ومولت مشروع إنقاذ حيث كانت معظم الدول الأوروبية مدينة لواشنطن، حتى استطاعت أن تستعيد أداءها الاقتصادي بشكل طبيعي بعد نحو عقد من الزمن.
لكن بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وجدت أميركا وأوروبا أن الأزمة نالت من أوضاعهما المالية بشكل كبير، ولم يكن هناك مخرج إلا باللجوء إلى الوفرة المالية لدى الدول الصاعدة وكذلك الدول النفطية العربية، ليكون لها دور في الدفع المالي نحو إنقاذ اقتصاديات أميركا وأوروبا.
وكان حضور السعودية كعضو باجتماعات مجموعة العشرين، عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، محدد المعالم من كون هذه العضوية مرتبطة بالإمكانيات المالية، التي تمتلكها المملكة بسبب كونها أكبر مصدر للنفط في العالم.
وفي عام 2010 أشارت دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن الدول الصاعدة وعلى رأسها (الصين، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا) سوف تسهم بنسبة 57% من الناتج المحلي العالمي في عام 2030.
ولكن في الوقت الحالي لازالت الأزمة الاقتصادية العالمية، تلقي بظلالها السلبية على الجميع، باستثناء تحسن ضعيف في أميركا، وكذلك في الدول الأوروبية، ولكنه غير قادر على قيادة الإنقاذ للاقتصاد العالمي.
وهو ما دعا تقرير "افاق الاقتصاد العالمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي في يناير/كانون الثاني 2016، إلى أن يخفض من توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.2%، عما توقعه في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بشأن نمو الناتج العالمي في عامي 2016 و2017 على التوالي.
وأيضًا توقع تقرير صندوق النقد الدولي نموا منخفضا للدول الصاعدة، لا يتجاوز 4.3% و4.7% خلال عامي 2016 و2017 على التوالي، وتعد هذه المعدلات من النمو الأقل بالنسبة للدول الصاعدة منذ وقوع الأزمة المالية العالمية قبل نحو 8 أعوام.
وحسب الإحصاءات الرسمية فقد تراجعت صادرات الصين في فبراير/شباط 2016 بنحو 25%، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، كما تراجعت الواردات الصينية بنسبة 8% عن نفس الفترة.
أما عن إجمالي تراجع التجارة الخارجية للصين في فبراير/شباط الماضي، فبلغ 15.7% مقارنة بنفس الشهر من عام 2015، وتعد معدلات نمو الاقتصاد الصيني بشكل عام والتي حققت 6.9% في نهاية العام الماضي، هي الأقل منذ ربع قرن مضى.
وبطبيعة الحال انعكس تراجع النمو بالصين، على العديد من المؤشرات الاقتصادية، سواء في التجارة الخارجية، أو احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع بنحو 600 مليار دولار مؤخرا، ويتوقع أن يشهد المزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، في إطار السياسة الاقتصادية للصين الرامية إلى توظيف جزء من أموال الاحتياطي في إنعاش الاقتصاد المحلي، ودعم صناعتها الصغيرة والمتوسطة.
ولا يعد الأمر في البرازيل أحسن حالا من الصين، بل أسوأ، حيث حققت البرازيل نموا سلبيا في ناتجها المحلي حسب تقديرات صندوق النقد في عام 2015 بنحو 3.8%-، وسوف يستمر الأمر على ما هو عليه في تقديرات عام 2016، وإن كان بوتيرة سلبية لتصل إلى 3.5%-.
وتشهد البرازيل أزمة سياسية تتعلق بقضايا فساد في أكبر شركاتها النفطية، وهو ما ألقى بظلال سلبية على الأداء الاقتصادي.
وكان وزير المالية البرازيلي، جواكيم ليفي، قد صرح في أغسطس/آب الماضي، بأن بلاده قد تشهد أزمة مالية مشابهة لما حدث في اليونان، ما لم يتم تمرير إجراءات تقضي برفع الضرائب، ويمكن من خلالها تحصيل 19 مليار دولار سنويا لسد عجز الموازنة.
أما الهند وجنوب أفريقيا، فلا ينظر إليها على أنهما من الاقتصاديات التي تستطيع أن تقود النمو العالمي، فبإمكانهما المساهمة الإيجابية في حركة التجارة الدولية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكنهما لا يستطيعان قيادة النمو العالمي، كما فعلت الصين على مدار السنوات الماضية.
وبينما ظلت الكثير من الدول النفطية العربية لفترة طويلة تتمتع بوفرة مالية، نتيجة الطفرات في إنتاج وتصدير الخام، وقلة عدد السكان بها ومرورها باستقرار سياسي وأمني، إلا أن الأمر تغير بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، إذ اعترى بعض هذه الدول حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، بسبب ما تمر به دول المنطقة منذ ثورات الربيع العربي.
وشهد 2014 و2015، تطورا أكثر سلبية من حيث اتساع نطاق الحروب بالدول العربية النفطية، كما هو الحال في العراق وليبيا، واضطرار دول الخليج إلى الدخول في حرب مفتوحة في اليمن لمواجهة جماعة الحوثيين المسلحة التي استولت على السلطة بالقوة، والذين تدعمهم إيران بشكل معلن، وهو ما يذهب بنا لتوقع استمرار هذه الحرب بشكل غير محدد، لكي تستنزف الإمكانيات والموارد المادية النفطية لدول الخليج وإيران على حد سواء.
ومن هنا يمكن القول بخروج الدول النفطية العربية من معادلة ضخ التمويل في شرايين الاقتصاد العالمي، فمؤسسات تقييم الائتمان العالمية خفضت بالفعل التصنيف الائتماني لبعض دول الخليج، ووضعت وكالة "موديز" تصنيف الكويت تحت المراجعة، بسبب تقديراتها لتصاعد الدين العام خلال الفترة المقبلة، ليصل إلى 25% من الناتج المحلي للكويت في 2019، بينما بلغ 7.6% في عام 2014، أما السعودية فقد خفضت وكالة "ستاندرد اندبورز" تصنيفها بسبب ارتفاع عجز الموازنة إلى 19%.
وفي ظل استمرار أزمة انهيار أسعار النفط، أو تحسنها بشكل طفيف، على مدار السنوات الخمس القادمة، حسب تقديرات منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، فإن الميزة التمويلية للدول النفطية العربية، لن تكون مصدر إمداد لشرايين الاقتصاد العالمي، مما يعمق من أزمة الاقتصاد العالمي، وإطالة أمدها، وسيكون لذلك آثاره السلبية اقتصاديا واجتماعيا، وبخاصة على مواطني الدول النامية والصاعدة.
وباتت عدة أسئلة تتعلق بمصير الاقتصاد العالمي، فهل ستسمح أميركا بتغير قواعد اللعبة في سوق النفط وتسمح بصعود تدريجي يعيد للدول النفطية العربية دور في القيام بمهمة الممول، أم ستستمر في أحكام قواعد اللعبة لممارسة المزيد من خنق روسيا اقتصاديا؟.
والواضح أن التحسن الذي تشهده أميركا ستحاول الحفاظ عليه، خلال الفترة المقبلة، وبخاصة في ظل إقدامها على انتخابات رئاسية خلال أشهر، وهو ما سيجعلها شديدة التركيز على اهتماماتها الداخلية.
كما هل من المتوقع أن تستعيد الصين توازنها الاقتصادي، وتوقف نزيف عملتها المحلية، وتراجع بورصتها، وتنشيط صادراتها، لتعود لها معدلات النمو العالية مرة أخرى؟
يبدو أنه لا يلوح في الآفق أن يتحقق للصين هذا في الأجل القصير أو المتوسط، في ضوء أهدافها المتواضعة، والمعلنة بشأن معدل نمو لا يتجاوز 6.5% خلال عام 2016، أي بتراجع يقترب من 0.5% عما تحقق في عام 2015.
يبقى الافتراض الأخير والممكن وهو أن يحدث تعاون أميركي صيني للعب دور المنقذ للاقتصاد العالمي، في ظل تقاسم المصالح، وهو ما يمثل مخرجا لاقتصادهما، ولكن تبقى قضية حصة كل منهما، وطبيعة الدور في الاقتصاد العالمي، وبخاصة أن أميركا تشعر الآن أنها تحطم أحلام الصين في ريادة اقتصادية عالمية.
اقرأ أيضا: تراجع المخاوف بعد استقرار اليوان وعودة التوازن لبورصة الصين
لكن بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وجدت أميركا وأوروبا أن الأزمة نالت من أوضاعهما المالية بشكل كبير، ولم يكن هناك مخرج إلا باللجوء إلى الوفرة المالية لدى الدول الصاعدة وكذلك الدول النفطية العربية، ليكون لها دور في الدفع المالي نحو إنقاذ اقتصاديات أميركا وأوروبا.
وكان حضور السعودية كعضو باجتماعات مجموعة العشرين، عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، محدد المعالم من كون هذه العضوية مرتبطة بالإمكانيات المالية، التي تمتلكها المملكة بسبب كونها أكبر مصدر للنفط في العالم.
وفي عام 2010 أشارت دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن الدول الصاعدة وعلى رأسها (الصين، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا) سوف تسهم بنسبة 57% من الناتج المحلي العالمي في عام 2030.
ولكن في الوقت الحالي لازالت الأزمة الاقتصادية العالمية، تلقي بظلالها السلبية على الجميع، باستثناء تحسن ضعيف في أميركا، وكذلك في الدول الأوروبية، ولكنه غير قادر على قيادة الإنقاذ للاقتصاد العالمي.
وهو ما دعا تقرير "افاق الاقتصاد العالمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي في يناير/كانون الثاني 2016، إلى أن يخفض من توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.2%، عما توقعه في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بشأن نمو الناتج العالمي في عامي 2016 و2017 على التوالي.
وأيضًا توقع تقرير صندوق النقد الدولي نموا منخفضا للدول الصاعدة، لا يتجاوز 4.3% و4.7% خلال عامي 2016 و2017 على التوالي، وتعد هذه المعدلات من النمو الأقل بالنسبة للدول الصاعدة منذ وقوع الأزمة المالية العالمية قبل نحو 8 أعوام.
وحسب الإحصاءات الرسمية فقد تراجعت صادرات الصين في فبراير/شباط 2016 بنحو 25%، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، كما تراجعت الواردات الصينية بنسبة 8% عن نفس الفترة.
أما عن إجمالي تراجع التجارة الخارجية للصين في فبراير/شباط الماضي، فبلغ 15.7% مقارنة بنفس الشهر من عام 2015، وتعد معدلات نمو الاقتصاد الصيني بشكل عام والتي حققت 6.9% في نهاية العام الماضي، هي الأقل منذ ربع قرن مضى.
وبطبيعة الحال انعكس تراجع النمو بالصين، على العديد من المؤشرات الاقتصادية، سواء في التجارة الخارجية، أو احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع بنحو 600 مليار دولار مؤخرا، ويتوقع أن يشهد المزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، في إطار السياسة الاقتصادية للصين الرامية إلى توظيف جزء من أموال الاحتياطي في إنعاش الاقتصاد المحلي، ودعم صناعتها الصغيرة والمتوسطة.
ولا يعد الأمر في البرازيل أحسن حالا من الصين، بل أسوأ، حيث حققت البرازيل نموا سلبيا في ناتجها المحلي حسب تقديرات صندوق النقد في عام 2015 بنحو 3.8%-، وسوف يستمر الأمر على ما هو عليه في تقديرات عام 2016، وإن كان بوتيرة سلبية لتصل إلى 3.5%-.
وتشهد البرازيل أزمة سياسية تتعلق بقضايا فساد في أكبر شركاتها النفطية، وهو ما ألقى بظلال سلبية على الأداء الاقتصادي.
وكان وزير المالية البرازيلي، جواكيم ليفي، قد صرح في أغسطس/آب الماضي، بأن بلاده قد تشهد أزمة مالية مشابهة لما حدث في اليونان، ما لم يتم تمرير إجراءات تقضي برفع الضرائب، ويمكن من خلالها تحصيل 19 مليار دولار سنويا لسد عجز الموازنة.
أما الهند وجنوب أفريقيا، فلا ينظر إليها على أنهما من الاقتصاديات التي تستطيع أن تقود النمو العالمي، فبإمكانهما المساهمة الإيجابية في حركة التجارة الدولية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكنهما لا يستطيعان قيادة النمو العالمي، كما فعلت الصين على مدار السنوات الماضية.
وبينما ظلت الكثير من الدول النفطية العربية لفترة طويلة تتمتع بوفرة مالية، نتيجة الطفرات في إنتاج وتصدير الخام، وقلة عدد السكان بها ومرورها باستقرار سياسي وأمني، إلا أن الأمر تغير بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، إذ اعترى بعض هذه الدول حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، بسبب ما تمر به دول المنطقة منذ ثورات الربيع العربي.
وشهد 2014 و2015، تطورا أكثر سلبية من حيث اتساع نطاق الحروب بالدول العربية النفطية، كما هو الحال في العراق وليبيا، واضطرار دول الخليج إلى الدخول في حرب مفتوحة في اليمن لمواجهة جماعة الحوثيين المسلحة التي استولت على السلطة بالقوة، والذين تدعمهم إيران بشكل معلن، وهو ما يذهب بنا لتوقع استمرار هذه الحرب بشكل غير محدد، لكي تستنزف الإمكانيات والموارد المادية النفطية لدول الخليج وإيران على حد سواء.
ومن هنا يمكن القول بخروج الدول النفطية العربية من معادلة ضخ التمويل في شرايين الاقتصاد العالمي، فمؤسسات تقييم الائتمان العالمية خفضت بالفعل التصنيف الائتماني لبعض دول الخليج، ووضعت وكالة "موديز" تصنيف الكويت تحت المراجعة، بسبب تقديراتها لتصاعد الدين العام خلال الفترة المقبلة، ليصل إلى 25% من الناتج المحلي للكويت في 2019، بينما بلغ 7.6% في عام 2014، أما السعودية فقد خفضت وكالة "ستاندرد اندبورز" تصنيفها بسبب ارتفاع عجز الموازنة إلى 19%.
وفي ظل استمرار أزمة انهيار أسعار النفط، أو تحسنها بشكل طفيف، على مدار السنوات الخمس القادمة، حسب تقديرات منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، فإن الميزة التمويلية للدول النفطية العربية، لن تكون مصدر إمداد لشرايين الاقتصاد العالمي، مما يعمق من أزمة الاقتصاد العالمي، وإطالة أمدها، وسيكون لذلك آثاره السلبية اقتصاديا واجتماعيا، وبخاصة على مواطني الدول النامية والصاعدة.
وباتت عدة أسئلة تتعلق بمصير الاقتصاد العالمي، فهل ستسمح أميركا بتغير قواعد اللعبة في سوق النفط وتسمح بصعود تدريجي يعيد للدول النفطية العربية دور في القيام بمهمة الممول، أم ستستمر في أحكام قواعد اللعبة لممارسة المزيد من خنق روسيا اقتصاديا؟.
والواضح أن التحسن الذي تشهده أميركا ستحاول الحفاظ عليه، خلال الفترة المقبلة، وبخاصة في ظل إقدامها على انتخابات رئاسية خلال أشهر، وهو ما سيجعلها شديدة التركيز على اهتماماتها الداخلية.
كما هل من المتوقع أن تستعيد الصين توازنها الاقتصادي، وتوقف نزيف عملتها المحلية، وتراجع بورصتها، وتنشيط صادراتها، لتعود لها معدلات النمو العالية مرة أخرى؟
يبدو أنه لا يلوح في الآفق أن يتحقق للصين هذا في الأجل القصير أو المتوسط، في ضوء أهدافها المتواضعة، والمعلنة بشأن معدل نمو لا يتجاوز 6.5% خلال عام 2016، أي بتراجع يقترب من 0.5% عما تحقق في عام 2015.
يبقى الافتراض الأخير والممكن وهو أن يحدث تعاون أميركي صيني للعب دور المنقذ للاقتصاد العالمي، في ظل تقاسم المصالح، وهو ما يمثل مخرجا لاقتصادهما، ولكن تبقى قضية حصة كل منهما، وطبيعة الدور في الاقتصاد العالمي، وبخاصة أن أميركا تشعر الآن أنها تحطم أحلام الصين في ريادة اقتصادية عالمية.
اقرأ أيضا: تراجع المخاوف بعد استقرار اليوان وعودة التوازن لبورصة الصين