تداعيات الاعتقالات السعودية..مخاوف من ظهور طبقة أكثر فساداً وهروب الأموال والمستثمرين

12 نوفمبر 2017
خسائر متواصلة في الأسهم السعودية (Getty)
+ الخط -
إلى أي مدى ستؤثر حملة الاعتقالات الأخيرة التي طاولت شخصيات كبيرة ذات ثقل اقتصادي كبير على النطاق الخليجي والعالمي، على الاقتصاد السعودي؟ وإلى أي مدى ستؤدي إلى هروب رأس المال من السعودية ومن مراكز مالية مثل دبي والبحرين؟
أسئلة طرحها العديد من المستثمرين الغربيين الذين لهم مصالح في السعودية ودول الخليج، خلال الأسبوع الماضي. وهي مهمة، لأن الاستقرار السياسي وحرية السوق والتجارة، من الأعمدة الأساسية في جذب الاستثمارات الأجنبية والتقنية وتنمية الخبرات، في بلد مثل السعودية، زاخر بالطاقة البشرية ويشكل الشباب 70% منه.

وحسب مراقبين فإنه " من المعروف في عالم المال، أن التحرير الاقتصادي لا يمكن أن يحدث في أي بلد يسوده قلق سياسي وتهديد أمني، مثل الذي يحدث حالياً في المملكة. ولا يعني هذا، بأي حال من الأحوال، أن الذين تم اعتقالهم أبرياء من الفساد، لكن معلوم أيضاً أن الطبقة التجارية وبيئة الأعمال في السعودية طبقة مصطنعة من قبل الدولة، ولم تنمُ نمواً طبيعياً عبر المنافسة الحرة مثلما هو الحال في الغرب، وإنما هي تربّت في حجر الدولة، ومعظم شركاتها واجهات تجارية للأمراء والوزراء".
ونمت العائلات التجارية في السعودية على العمولات والعقود الحكومية الضخمة التي وفرتها أموال النفط. فالفساد مقنن ومتراكم منذ عقود في البيئة التجارية السعودية، ولا يمكن إصلاحه في عام أو عامين حسب هؤلاء المراقبين.

في هذا الصدد، تقول الخبيرة في معهد بلفور التابع لجامعة هارفارد الأميركية، كيرن اليوت هاوس، في مقال تحليلي عن الاعتقالات السعودية على موقع المعهد، "المستثمرون الغربيون غير متأكدين مما إذا كانت هذه الحملة دليلا على التحديث الاقتصادي، أو أنها أوتوقراطية تجارية، كما هو المعتاد في السعودية".
وأضافت أن "القانون في السعودية هو الملك مادام حياً، فإذا تُوفي فإن إرثه ومشروعاته في خطر، ومن هذا المنطلق يشعر المستثمرون الغربيون أن النظام السعودي يحمل المزيد من المخاطر".

من جانبه، قال محلل غربي لرويترز "إن المستهدفين هم الإقطاعيات الملكية القديمة خارج فرع آل سلمان في الأسرة الحاكمة التي يجري الآن تطهيرها".
وأضاف "أنه مزيد من التركيز للسلطة السياسية والاقتصادية ومصادرة للأصول الخاصة التي راكمتها تلك الاقطاعيات".
من هنا حذّر خبراء غربيون من تداعيات التسرع في التحول الاقتصادي في السعودية، ومن تداعيات ما يسمى بحملة "مكافحة الفساد"، على الاستقرار السياسي في السعودية.

وذهب بعضهم، مثل رئيس شركة "توتال" النفطية الفرنسية باتريك بوبيان الذي تملك شركته استثمارات في السعودية، إلى التحذير من حدوث فوضى سياسية في السعودية.
وقال باتريك، في مؤتمر النفط والمال في لندن، "المشروع يواجه معارضة داخل السعودية، ولا توجد ضمانات لنجاحه".
وحينما سئل عما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إصلاحياً مثل الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف، الذي فقد السلطة في عام 1991، قال بويان "تذكّر أن الفوضى عمت روسيا في التسعينيات قبل أن يحدث استقرار"، وذلك في إشارة إلى أن هذا المشروع ربما يُحدث فوضى في السعودية.

وفي ذات الصدد، قال الباحث في الاقتصاد السياسي رشيد أوراز، في تعليق لقناة "دويتشه فيله" الألمانية يوم الجمعة، إن الاعتقالات الأخيرة قد تزرع المخاوف وسط الطبقة الغنية وتدفع رجال الأعمال إلى الهروب من البلاد ومن المنطقة ككل.
وحتى الآن، خسرت الشركات المساهمة في دول الخليج نحو 17.6 مليار دولار من رأس مالها السوقي، كما تتواصل المبيعات المكثفة التي يجريها أثرياء السعودية لموجوداتهم في أسواق الإمارات والبحرين والكويت.

والتداعيات السالبة للاعتقالات بدأت تبرز، فالمصرفيون الغربيون في دبي قالوا إن أغنياء السعودية يقومون بنقل ثرواتهم من المنطقة خوفاً من الوقوع في قبضة ما تسميه السلطات بـ"الحرب على الفساد".
وذكر التقرير أن عدداً من أثرياء البلاد يبيعون حصصهم الاستثمارية الموجودة في بقية دول الخليج، بينما يُجري بعضهم داخل السعودية محادثات مع البنوك ومديري الأعمال لنقل الأموال خارج البلاد، في وقت وصل فيه التوجس كذلك إلى الأغنياء السعوديين الذين يملكون حسابات في بنوك أوروبية.

بل أكثر من ذلك، طاول الخوف كذلك المستثمرين الأجانب، إذ قال فيليب دوبا بانتاناس، وهو محلل اقتصادي من لندن، لموقع بلومبيرغ يوم الخميس، إن عدداً من المستثمرين الدوليين يُعيدون النظر في رؤيتهم للخليج باعتباره منطقة استقرار للأعمال، فهناك "إدراك متزايد بأن "الحكم الرشيد" في السعودية قد ولى.
وفي الواقع، فإن تجميد أصول رجال الأعمال السعوديين لم يتوقف فقط عند حدود المملكة، بل انتقل إلى حليفتها الإمارات، التي بدأ بنكها المركزي بالتدقيق في حسابات المعتقلين بتهم الفساد كمقدمة لتجميد أموالهم.

وقد أثبتت التجربة في دول أوروبا الشرقية التي تخلت عن الاشتراكية، أن المحاكمات العشوائية، وما يتلوها من التسرع في عمليات الإصلاح يقود تلقائياً إلى خفض الوظائف المتاحة في القطاع العام حسب مراقبين، كما يقود إلى خفض الدعم الحكومي لفواتير الكهرباء والوقود ومعظم ضروريات الحياة المعيشية، وبالتالي سيقود التسرع في ما يسمى "الإصلاح" إلى ارتفاع نسبة البطالة وزيادة معدلات الفقر في المجتمع. وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي إلى التضخم المفرط "هايبر إنفليشن".
في بلغاريا مثلاً أدت الإصلاحات السريعة إلى معاناة اجتماعية واقتصادية للمجتمع. وفي المقابل، لم يشعر الشعب البلغاري بفوائد ملموسة من مشروع الإصلاح الاقتصادي، مما أدى إلى ثورة ضد الحكومة.

وفي المثال الروسي في التسعينيات، أدت عمليات التخصيص، أي بيع مؤسسات الدولة والتخلص من القطاع العام من أجل بناء اقتصاد حر قائم على القطاع الخاص، إلى بيع شركات رئيسية في النشاط الاقتصادي الروسي إلى حفنة من المقربين للحكم وبمبالغ بخسة. وبالتالي نشأت طبقة ثرية بديلة تابعة للحكام الجدد، على حساب الشعب.
وبالتالي ما يحدث الآن من صدمة في مجتمع الأعمال التجارية، ربما ينتهي إلى بناء طبقة تجارية تابعة لولي العهد، بعد القضاء على طبقة التجار التي بناها الملوك السابقون. وبالتالي، ينتهي مشروع الإصلاح بطبقة جديدة أكثر فساداً من سابقتها، بعد تخريب ما حدث من تقدم في البيئة التجارية والاستثمارية في المملكة السعودية.

من السهل الحديث عن الإصلاح الاقتصادي، ولكن من الصعب تطبيقه، حينما تكون هنالك ملكية مطلقة ترفض المساءلة. فالبنية الاقتصادية في السعودية لا تزال ضعيفة والبيئة التجارية تعتمد على الدولة. ولاتزال السعودية تعتمد على النفط في تمويل 90% من إنفاق الميزانية، كما يشكل النفط 80% من الصادرات. وتعاني البلاد من زيادة العجز ونقص الإيرادات. وحتى في حال ارتفاع أسعار النفط إلى 70 دولاراً، فلن يحل مشكلة السعودية.
وحسب أرقام رسمية فإن البطالة في السعودية تصل نسبتها إلى 15%، ويدخل نحو 250 ألف مواطن سوق العمل سنوياً بحثاً عن وظائف، ونحو 40% من النساء الحاصلات على تعليم عال غير عاملات.

وهذه عوامل إيجابية في النمو الاقتصادي إذا كانت الدولة تملك خططا سليمة للنمو وخلق فرص للوظائف الجديدة كما يرى عدد من الخبراء الدوليين. لكن الدولة السعودية تقول إنها تريد أن تقلص وظائف القطاع العام وترفع الدعم، وتحطم القطاع الخاص عبر هذه الاعتقالات وتقول إنها ستتمكن من بناء اقتصاد غير نفطي.


المساهمون