اعتراف خطير: لا أشرب القهوة

24 نوفمبر 2014
صرت أشرب القهوة مرغمة (Getty)
+ الخط -
أتى تردّدي على خلفية تَغنّي أغلب المثقفين في فلسطين والشتات بالقهوة واختيار أنواعها (شقراء، محروقة..)، (صنعها، شربها، رائحتها...). وذلك لأنّ معبود المثقفات والمثقفين كان يعشق القهوة وكتب نصوصاً عديدة يتغنّى بها، خاصة النص النثري "ورد أقل". وبالطبع المقصود هنا الشاعر الوطني الفلسطيني محمود درويش، ومن دون التقليل من قيمته أو "حاشا وكلاّ أسخر" من وصفه للقهوة. لكن للأسف، كل واحد/ة كتب/ت أي خاطرة إنشائية على الفايسبوك ومن ضمنها تغنّى/ت بالقهوة صار/ت شاعر/ة.

منذ طفولتي، أو إن أردتم بلغة المفذلكين، منذ نعومة أظفاري، لم أكن أحب القهوة. وكرهت حليب الصباح لأن أمي كانت تضيف إليه القليل من القهوة لتزيل رائحة "الزنْخة"، على حدِّ قولها. في تلك الأيام، كان الحليب كامل الدسم. وقد أمضيت طفولتي وشبابي حتى تركت بيت أهلي أتهرّب من تناول حليب الصباح على الرغم من أنّي ترعرعت في بيت فلسطيني تقليدي، حيث تُحمّص فيه القهوة الخضراء في أنبوبة صفيح على بابور "الساكت"، وتُطحن يومياً قبل تحضيرها بطاحونة يدويّة تركية من النحاس. ومن ثم يتّم غليها منذ ساعات الصباح الباكر في إبريق خاص. وتُصفّ الفناجين على الصينية انتظاراً للشاربين/ات من أهل الدار والزوّار. ومن طقوس الطفولة التي افتقدها جداً وتمتزج برائحة قهوة بيتنا، هي الصباحات التي كان أبي يقطف فيها لأمي فلّة مكبسة من حديقة بيتنا المتواضعة، يضعها في فنجان القهوة ويشارك أمي تناول قهوة الصباح، على خلفية صوت ساعة بيغ بن التي تدقّ ست مرات تليها نشرة الأخبار من لندن.

في طفولتي، كنّا ممنوعين، بحكم أعمارنا، من شرب القهوة من دون حليب. وكان الكبار يخيفون الفتيات بشكل خاص، قائلين: "اذا شربتم القهوة راح يصير عندكم شوارب مثل أبو عنتر في مسلسلات غوار". ربّما من خلال هذه العبارة، بدأت عدم محبتي المرضية لشرب القهوة. لكن هذا لم يمنعني من تعلّم صنعها بكل مراحلها. ومن شهادات مَن يشرب قهوتي، أفهم أنّي أتقن عملها جيداً على الرغم من أنّي لم أذقها أبداً.

عندما كبرت وتزوّجت، وأصبحت تتحكّم بي الواجبات الزوجيّة بالزيارات الرسمية التي تفرض تقديم القهوة، كنت أحاول الاعتذار عن عدم تناولها. لكن مع كل هذا الاحترام لتفادي شربها، إلاّ أنّ ذلك لم يساعدني، باعتبار أنّه من غير اللائق أن ترفض القهوة. فصرت أشربها مرغمة، متحمّلة مرارة طعمها أحياناً، وحلاوتها الزائدة أحياناً أخرى، بالإضافة لنكهتها غير المرغوبة بتاتاً بالنسبة لي.

قبل عدة سنوات وفي أعقاب حملي الأخير، وعلى خلفية أمراض عائلية، عانيت من ارتفاع حاد في ضغط الدم، فمنعني الأطباء عن شرب القهوة واستعمال ملح الطعام. في البداية، صعُب عليّ التنازل عن ملح الطعام. أمّا القهوة، فكنت مستعدة جداً للتنازل عن شربها، وفرحت لأنّه أصبح لديّ مبرّر صحيّ مقنع جداً لعدم شرب القهوة، ما أعفاني لغاية يومنا هذا من شربها مرغمة.
المساهمون