اعتبارات انتخابية وراء ضغط ترامب ونتنياهو لتوسيع دائرة التطبيع

05 سبتمبر 2020
تعد الاعتبارات الانتخابية عاملاً حاسماً لمحاولة توسيع دائرة التطبيع (Getty)
+ الخط -

تعد الاعتبارات الانتخابية عاملاً حاسماً في دفع كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمحاولة توسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل ونظم الحكم العربية ودفع المزيد من دول العالم للاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

ويندرج إعلان ترامب الاحتفالي مساء أمس بأن جهوده أسفرت عن إقناع صربيا بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة وأن كوسوفو، التي وصفها في تغريدة بأنها "دولة شرق أوسطية"، قررت تدشين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في إطار سعيه لتقديم إنجازات لقاعدته الانتخابية عشية الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، واسترضاء التيار الإنجيلي، الذي صوت حوالي 80 في المائة من عناصره له في الانتخابات الأخيرة.

ترامب الذي أعلن أخيراً أنه أقدم على الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها لكي يلقى الأمر استحسان التيار الإنجيلي، مبيناً أن نقل السفارة "أثار رضا الإنجيليين أكثر من اليهود"، يعمل كل ما وفي وسعه لإقناع أتباع هذا التيار بأنه الأحرص على مصالح إسرائيل.

ولدواع عقائدية، فإن التيار الإنجيلي يتبنى مواقف من الصراع العربي الإسرائيلي لا تتقاطع فقط مع مواقف اليمين الإسرائيلي، بل إنها أحياناً تتجاوزه في حدة التطرف؛ وهذا ما يدركه ترامب ويسعى لتوظيفه للحفاظ على دعم هذا التيار له، على اعتبار أن التقديرات التي أشارت إليها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أخيراً تفيد بأنه بدون ضمان تصويت 80% من الإنجيليين لصالحه، كما حدث في الانتخابات الأخيرة، فإن فرص ترامب بالفوز ستكون متدنية.

وتتعاظم الحاجة إلى دعم الإنجيليين في ظل المشاكل التي يواجهها ترامب على الصعيد الاقتصادي، لا سيما في أعقاب طريقة مواجهته الإشكالية لوباء كورونا، وعلى أثر الشهادات التي أطلقها ضده، سواء أشخاص على علاقة قرابة به أو مسؤولون عملوا بشكل مباشر معه.

تتعاظم الحاجة إلى دعم الإنجيليين في ظل المشاكل التي يواجهها ترامب على الصعيد الاقتصادي

 

 

وهذا السبب الذي دفع إدارة ترامب لبذل الجهد الكبير من أجل دفع الإمارات للتوقيع على اتفاق التطبيع الكامل مع إسرائيل وتوظيف الدبلوماسية الأميركية لتحقيق هذا الهدف، وضمن ذلك حرص المسؤولين الأميركيين على رعاية اللقاءات بين الوفدين الإماراتي والإسرائيلي في أبوظبي بشكل لصيق. فضلاً عن الجهود التي بذلها ويبذلها المسؤولون الأميركيون لإقناع المزيد من الدول العربية بالتوقيع على اتفاق مماثل مع تل أبيب، وضمن ذلك الضغوط التي مارسوها على السعودية والبحرين.

كما أن نجاح الولايات المتحدة بإقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بالسماح للطائرات الإسرائيلية المتجهة للإمارات بالتحليق في الأجواء الإسرائيلية كبوادر حسن نية لإسرائيل يرتبط بسعي ترامب لتعزيز أوراقه الانتخابية.

ويمكن القول إن أوضح دليل على طغيان الاعتبارات الانتخابية كمحفز يدفع ترامب لتكثيف جهوده لتوسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي تتمثل فيما كشفته سمدار بيري، معلقة الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير نشرته الصحيفة الأحد الماضي، عندما ذكرت أن جاريد كوشنر، صهر وكبير مستشاري ترامب، لفت نظر بن سلمان إلى أن عدم حضوره حفل التوقيع على الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل يمكن أن يسهم في خسارة ترامب الانتخابات، ما سيفضي إلى صعود المرشح الديمقراطي جون بايدن، وهو ما سيفتح الطريق أمام إجراء اتصالات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران وخسارة السعودية مكانتها في البيت الأبيض.

تقارير عربية
التحديثات الحية

نتنياهو أيضاً

 

في المقابل، فإن نتنياهو الذي تهاوت مكانته الداخلية بسبب محاكمته في قضايا فساد خطيرة، وإثر فشله في مواجهة تفشي وباء كورونا وما نجم عن ذلك من تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير، يحاول وقف التآكل في شعبيته وشعبية حزب الليكود الذي يقوده عبر محاولة نقل مركز ثقل الجدل الداخلي من قضايا الفساد إلى الفضاء الأيديولوجي، من خلال توظيف مناشط التطبيع في إضفاء صدقية على مواقفه السياسية من الصراع.

نتنياهو الذي يشعر بقلق واضح من نتائج استطلاع الرأي المتواترة التي تشير إلى تراجع شعبية الليكود، يواجه حاليا بشكل أسبوعي تظاهرات تطالب باستقالته بسبب فشل إدارته وفساده، معني بتقديم إنجازات على الصعيد السياسي والأيدلوجي والاقتصادي.

من هنا، فقد عمد نتنياهو منذ الإعلان عن الاتفاق مع الإمارات إلى الزعم أنه بنجاحه في التوصل إلى هذا الاتفاق فقد نسف معادلة "الأرض مقابل السلام" وفرض معادلة "السلام مقابل السلام". ولا يكاد نتنياهو يفوت فرصة ظهوره الإعلامي وفي مواقع التواصل الاجتماعي إلا ويشدد على أنه أول زعيم إسرائيلي تمكن من تكريس معادلة "السلام مقابل السلام"، مع العلم أنه لم تندلع يوماً حرب بين الإمارات وإسرائيل.

لا يكاد نتنياهو يفوت فرصة ظهوره الإعلامي إلا ويشدد على أنه أول زعيم إسرائيلي تمكن من تكريس معادلة "السلام مقابل السلام"

 

 

ويحاول نتنياهو في هذا السياق أن يتم التوقيع على الاتفاق مع الإمارات في نفس اليوم الذي وقع عليه اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل 27 عاما، على اعتبار أن هذا يمنحه القدرة على الادعاء بأنه بخلاف رئيس الوزراء الأسبق اسحاق رابين، الذي وافق على مبدأ "الأرض مقابل السلام" فإنه فرض معادلة "السلام مقابل السلام".

إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو وعد الجمهور الإسرائيلي بعوائد اقتصادية في إطار موجة التطبيع الحالية، وبشر هذا الجمهور بتدفق الاستثمارات الإمارتية في أعقاب الاتفاق. في حين ذهب وزير التعاون الإقليمي الليكودي أوفير أوكينوس إلى حد طمأنة الإسرائيليين بأن العوائد الاقتصادية للاتفاق مع الإمارات ستخرج إسرائيل من أزمة الاقتصادية.

دلالات