ويطلق مسمى الخان الأحمر على منطقة صحراوية تقع في الضفة الغربية بين مدينة القدس والبحر الميت، ويوضح المتطوع في مبادرة "صحاري للسياحة البيئية" والمهتم بالترويج للمعالم السياحية الفلسطينية جميل الحمادين أن كلمة خان تركية الأصل أُطلقت على هذه المنطقة منذ حقبة الحكم العثماني لفلسطين، وكلمة الأحمر نسبة إلى التربة الحمراء التي كانت تمتاز بها قديماً.
وبسبب أهمية موقع هذه المنطقة كانت قديماً عبارة عن سوق شعبي واستراحة للقوافل التجارية المارّة بين نهر الأردن ومدينة القدس، بحسب ما أوضح الحمادين لـ"العربي الجديد".
إصرار على المقاومة
يسكن منطقة الخان الأحمر قرابة 400 بدوي فلسطيني، من بينهم 48 أسرة تنحدر جميعها من عشيرة "الجهّالين"، وصلوا إلى الخان الأحمر واستقروا فيه ولجأوا إليها إثر ترحيلهم قسرياً في عام 1948 عن أراضيهم في النقب المحتل جنوب فلسطين التاريخية بالقرب من مصر، ويبدو إصرار الشيخ محمد الجهالين، أحد سكان قرية الخان الأحمر، على مواجهة موجة التهجير الثانية التي تستهدف أهله، في قوله بحزم رداً على سؤال ماذا هم فاعلون: "الهزيمة تتمكّن من الإنسان إذا تسلل إليه الشك في أنه مهزوم، لأن الهزيمة إذا اخترقت القلب تسكنه للأبد"، وأضاف: "نحن لسنا خائفين، أهم شيء أن نتيّقن في نفوسنا أننا على حق ومنصورون، وسنبقى هنا ولو أكلنا أوراق الشجر، وحتى لو قتلونا سنبقى حتى آخر شهيد منا، سنبقى هنا".
بقاء يصرّ عليه إلى جانب الشيوخ، أطفال القرية، ومن بينهم محمد أبو داهوك ذو الأحد عشر ربيعاً، الذي يحلم أن يكون طبيباً عندما يكبر، لكنه متخوّف من ضياع مدرسته التي تعد الوحيدة في المنطقة والتي يدرس فيها 177 طالباً وطالبة من المنطقة والتجمعات البدوية المحيطة.
ويتمسّك محمد بمدرسته التي يحبها على الرغم من قلة إمكاناتها، إذ إنها بُنيت من إطارات السيارات والطين والتبن وغيرها من المواد الأولية، حتى إن الأهالي يطلقون عليها اسم "مدرسة الإطار"، لأن الاحتلال يمنع منعاً صارماً البناء بالإسمنت في مناطق "ج".
يضيف محمد قائلاً: "إذا هدموا مدرستي سنجبر على الانتقال إلى أريحا أو العيزرية لمدرسة ثانية، يجب أن أصير طبيباً بالنهاية، لكن هذا الكلام مرفوض، لازم نبقى، كل ذكرياتنا هنا".
ويتعرض بدو الخان الأحمر إلى حملة تنكيل وتهجير ثانية، إذ قرّرت محاكم الاحتلال هدم خيامهم و"بركسات" ماشيتهم، ومن ثم نقلهم قسراً إلى أراضٍ خالية أخرى تابعة لقرية أبو ديس التي تبعد كيلومترات عدة عن الخان الأحمر، بحسب شهادات نشطاء وأبناء المنطقة التي وثقها معدّ التحقيق.
وقبل بضعة أيام شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجمة على سكان الخان بجرّافات الـ D9 الضخمة، لتطبيق قرار الترحيل، فأقدم أهل الخان وبقية المتضامنين معهم على الارتماء أمام الجرّافات، مصممين على أن تعجن أبدانهم قبل أن تتمكّن من هدم الخان الأحمر، وتركت هجمة الجرافات في ذلك اليوم خلفها عشرات الجرحى الفلسطينيين واعتقل جيش الاحتلال 11 فلسطينياً تصدوا لعملية الهدم، وحتى الآن تأجل قرار الهدم والترحيل مرتين، كانت آخرهما يوم أمس، إذ قررت ما تسمّى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية تجميد النظر في قرار الهدم حتى منتصف الشهر المقبل، بحسب ما أعلنت سلطات الاحتلال.
ملكية خاصة
يؤكد وليد عساف، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، أن ملكية أراضي الخان الأحمر تعود إلى فلسطينيين من قرية عناتا القريبة التي تقع إلى الشمال الشرقي لمدينة القدس وتتبع محافظة القدس، وتعتبر مساحة أراضي القرية من الكبرى على مستوى الضفة الغربية، إلا أن معظمها صودر.
وأكد عساف أن "هيئة مقاومة الاستيطان" تملك سندات الملكية الخاصة لأراضي الخان وقدمتها إلى المحاكم "الإسرائيلية"، قائلاً: "بالإضافة إلى إرادة سكان الخان الأحمر وجهودنا الدبلوماسية الدولية، لدينا تلك النقطة القانونية".
وتستهدف أراضي الخان الأحمر مؤسسات استيطانية مثل "ريجيزيم" التي تتولّى مهمة الضغط على المحكمة الإسرائيلية بحجج عديدة، مثل وقوع تجمع الخان الأحمر في طريق استيطاني رئيس، وجزء من الادعاءات أنها أراضي دولة، أما الحجة الأساسية لمحاولة الترحيل فهي البناء من دون ترخيص، كما أوضح المدير العام للدائرة القانونية في هيئة مكافحة الجدار والاستيطان عائد مرار، الذي بيّن أن القاضي الذي اتخذ القرار بعدم وجود سبب لتأجيل تنفيذ قرار الهدم والتجريف، في 24 مايو/ أيار الماضي، مستوطن يسكن مستوطنة "كفار أدوميم" المحاذية للخان الأحمر، وهو متطرف معروف عنه دعمه الحركة الاستيطانية.
وعبّر مرار عن أسفه من أن واحداً من أسباب تبجح دولة الاحتلال هو وقوع أراضي الخان الأحمر ضمن المناطق المصنفة "ج"، وفق اتفاقية أوسلو التي جرى من خلالها تصنيف الضفة الغربية إلى 3 مناطق: "أ" تخضع للسيطرة المدنية والأمنية من قبل السلطة الفلسطينية، ومناطق "ب" تخضع للسيطرة المدنية من قبل السلطة والسيطرة الأمنية من قبل إسرائيل، ومناطق "ج" ونسبتها 61% من الضفة الغربية، تخضع للسيطرة المدنية والأمنية من قبل إسرائيل، وبالتالي فإن وقوع الخان الأحمر ضمن مناطق "ج" جعل هذه الأراضي أكثر عرضة للاستيلاء الإسرائيلي.
لماذا يريد الاحتلال هدم الخان الأحمر وترحيل سكانه؟
على مر السنين، اعتاد البدو الموزعون على تجمعات شتى في الضفة الغربية على اعتداءات المستوطنين الذين عندما يهبطون على أحد التجمعات البدوية يذبحون الأغنام والماشية أمام أعين أصحابها إمعاناً في القهر، وليس غريباً أيضاً على هؤلاء البدو أن تأتي جرّافات الاحتلال بين الفينة والأخرى فتهدم منشآتهم البدائية وتذهب، لكن هذه المرة القضية غير متوقفة على اعتداءات المستوطنين أو هدم المنشآت السكنية ثم المغادرة، بل إن الاحتلال يريد أيضاً أن ينقل السكان قسراً إلى مناطق أخرى. فلماذا يجب أن تكون منطقة في الضفة الغربية مثل الخان الأحمر خاليةً من أي وجود فلسطيني؟
يجيب الخبير في شؤون الاستيطان ومدير معهد أريج للأبحاث التطبيقية الفلسطينية جاد اسحق، أن إسرائيل تسعى إلى تفريغ منطقة الخان الأحمر ليتسنى لها بناء مستوطنة جديدة في تلك المنطقة تحمل اسم "E1"، لتربطها مع إحدى أكبر مستوطنات الضفة الغربية "معاليه أدوميم"، وبهذا تتشكّل كتلة استيطانية متواصلة جغرافياً من البحر الميت إلى القدس، وهذا يعني أمراً بالغ الخطورة: "فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ما يعني القضاء على حلم الدولة الفلسطينية ووأد فكرة حل الدولتين".
وأضاف اسحق، في إفادته لـ"العربي الجديد"، أن تلك الكتلة الاستيطانية الجديدة تصبح مساحتها 53 ألف دونم مربع وعدد سكانها 13 ألف مستوطن، وهذا مخطط غير مخفي أعلنت عنه وزارة الأشغال العامة الإسرائيلية منذ 20 عاماً.
وأردف: "مخطط وزارة الأشغال لإنشاء مستوطنة "E1" يحتوي أدق التفاصيل، مثل 2500 غرفة فندقية و4 آلاف وحدة سكنية، والمعيق الأول أمام هذا المخطط الاستيطاني هو التجمعات البدوية في تلك المنطقة ومنها تجمع الخان الأحمر".
7 آلاف بدوي مهددون بالترحيل
يعدّ ترحيل أهالي الخان الأحمر جزءاً من مخطط يتطلّب ترحيل بقية البدو الموجودين في المناطق المجاورة، البالغ عددهم 7 آلاف نسمة تقريباً، كما يوضح المختصون في شؤون الاستيطان، ومن بينهم جاد اسحق الذي لفت إلى أن "إقامة الكتلة الاستيطانية الجديدة "E1" لن تقتصر على ترحيل الـ 48 أسرة المقيمة في مركز الخان الأحمر".
وتابع جاد اسحق حديثه حول مخطط إسرائيل من وراء اعتدائها على الخان الأحمر، بالقول إن الخطورة أيضاً أنهم يخططون لمنطقة عسكرية مغلقة هناك، ما يعني ضياع 500 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية بين منطقة عسكرية ومستوطنات.
وأضاف أن الهدف النهائي من كل ذلك هو توسيع بلدية القدس لتصبح ما يسمى مخطط القدس الكبرى الموضوع قبل عام 1967، لتحدّ القدس معاليه أدوميم من الشرق، وعتصيون جنوب وبيسجات زيئيف شمال غرب، وهذا ما يؤدي إلى زيادة 150 ألف مستوطن في القدس، بالتوازي مع تقليص نسبة الفلسطينيين من 40% إلى 20% في القدس.
وذكر اسحق في هذا الشأن: "قالها نتنياهو، الضفة ستكون حكماً ذاتياً للفلسطينيين على "كانتونات" مبعثرة".
جهود غير كافية
يقيم الخبير والمحلل في ملف الاستيطان اسحق جهود السلطة الفلسطنية في الخان الأحمر بالملموسة، مستدركاً "لكنها غير كافية، إذ يجب أن يتسع حراك تضامن السلطة مع الخان الأحمر إلى كل ملف الاستيطان في الضفة بنفس وتيرة التضامن مع الخان الأحمر".
وتابع موضحاً: "السر في تركّز جهود السلطة في الخان الأحمر أن السيل وصل الزبى، فأصبحت القيادة الفلسطينية تدرك جيدًا أن حلم الدولة في طريقه للاندثار إذا تم القضاء على الخان الأحمر، خاصة في ظل تواضع الموقف العالمي وانحياز الإدارة الأميركية إلى الموقف الإسرائيلي".
من جهته، يرد وليد عساف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، بأن السلطة لن تتخلى عن الخان الأحمر وأن "الهيئة" منذ ما يزيد على 20 يومًا تبذل أقصى ما بوسعها لتثبيت صمود أهل الخان ومقاومة قرار هدمه.
وعدّد عساف الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية ممثلة بالهيئة: "وصلنا الخان الأحمر وكنا كالغرباء بالنسبة لأهله، أما اليوم، نشعر أننا أسرة واحدة، أطلقنا حملة المبيت في الخان، لا يقتصر تضامننا على ساعات معينة، بل نحن موجودون هنا معهم على مدار الساعة، نصبنا شاشة لحضور مباريات كأس العالم وبدأنا بتنظيم حلقات وبرامج لأطفال الخان تتضمن أغاني الدحية وأمسيات شعرية".
وأضاف أن جهود السلطة لم تقتصر على تلك الفعاليات إنما تمتد إلى مجابهة القرار قانونيا عبر تكليف 15 محاميًا من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مهمتهم أن يجدوا ثغرات قانونية في قرار هدم الخان، فضلًا عن أن السلطة اتخذت إجراءات عاجلة لتحسين الظروف الحياتية لسكان الخان الأحمر فتم منحهم تأمينًا صحيًا ومنحًا تعليمية بالإضافة إلى توزيع "ألف شيكل" على كل أسرة إلى جانب مواد تموينية أساسية مع تخصيص حصة من المساعدات لأهل الخان على شكل أعلاف لماشيتهم.
وسأل معد التحقيق أهالي قرية الخان الأحمر عن صحة أنباء هذه المساعدات، فأكدوا ذلك مع أن بعضهم قال "ألف شيكل لكل أسرة لا تكفي في ظل هذا القعود الجماعي عن العمل لسكان الخان". كما أن صالح الحمادين من أحد التجمعات البدوية المجاورة قال لـ"العربي الجديد"، "يجب على السلطة الفلسطينية توزيع أعلاف الماشية على كل التجمعات المحيطة وألا يقتصر دعم الثروة الحيوانية على سكان الخان الأحمر، إذ إن مساحات الرعي المتاحة أمامنا صارت محدودة بسبب تمدد المستوطنات، ما يهدد ماشيتنا عمود بقائنا الأساسي التي بات يصعب علينا توفير الطعام أو شراءه لها"، وزفر قائلا "كلنا مهددون، لأننا كلنا محاصرون".