وحذّر بيفاني، وهو ضمن فريق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، من تحويل دولارات المودعين إلى العملة الوطنية بالقوة قبل المزيد من التغيّر في سعر الصرف وتجميد أموال المودعين بشكلٍ يفقدها نسبة مرتفعة من قيمتها ويحرم أصحابها من استعمالها، وذلك لإنكار وجود الخسائر وعدم تحمّلها من قبل من يجب عليهم أن يتحمّلوها.
كما حذّر من تأجيل الخسائر كما جرى سابقاً، حيث إنّ تمديد أجل الخسائر يستدعي امتصاصها لخلق القيمة المستقبلية، وهذا يشكل عبئاً على النمو الاقتصادي ويخنق فرق العمل والأجور. واعتبر أنّ ما يعيد الودائع هو محو الخسائر من خلال إعادة الرسملة وليس إطالة الآجال، كما أن إشراك المودعين الكبار في إعادة رسملة المصارف لا يعني بالضرورة المساهمة المباشرة في ملكية المصارف.
وأشار إلى أنّ قيمة الودائع التي خرجت من المصارف منذ نهاية عام 2018 بلغت 17.3 مليار دولار، دون احتساب الفوائد لترفع المبلغ الإجمالي إلى 30 مليار دولار معظمها من حسابات تفوق المليار دولار.
ودعا مدير عام وزارة المالية المستقيل إلى رفع السرية المصرفية كاملة، والتي من خلالها يمكن استعادة الأموال المنهوبة والتواصل مع كل السلطات في البلاد التي يلجأ إليها سارقو المال العام، وتحديد الثروات العقارية وتتبع مصادرها وقيام الدولة بتشكيل لجنة دولية تضم دولاً ترتاح إليها المكوّنات اللبنانية كافة تقتطع نسبة مئوية من الجميع من دون البوح بتفاصيلها لسدّ العجز.
ونفى بيفاني ما يشاع عن أن خطة الحكومة الاقتصادية ترمي إلى الاقتصاص من أموال المودعين، مشيراً إلى أنّ النيات انكشفت بوضوح ونحن اليوم مقبلون على مرحلة جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة مع نتيجة معروفة مسبقاً، وهي سحق الطبقة غير الميسورة وتحميل بعض الفئات الأكلاف الباهظة إضافة إلى تدهور العملة مع غياب أي برنامج إصلاحي وتأجيل الحلول.
وقال إننا "انتظرنا طويلاً أن تأتي فرصة التغيير الجدّي وحاولنا استباق ما وصلنا إليه اليوم وجهدنا لتفادي الأسوأ، إلا أن قوى الظلمة والظلم تكاتفت لإجهاض ما قمنا به ومارست أكبر عملية تضليل لحماية مصالحها على حساب مصلحة المجتمع ككلّ".
وأضاف أنه "علينا اليوم الاستماع إلى صوت الناس ومصارحتهم، وهذه المرة كانت الفرصة حقيقية بعدما أصبح من الواضح أنه لا يمكن الحصول على التمويل مجاناً من دون عملية إصلاحية كبيرة".
من جانبه، علّق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش على استقالة بيفاني في تغريدة على حسابه عبر "تويتر" حيث كتب: "إن استقالة المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، الخبير المعروف دولياً، تعد خسارة للبنان خلال الأزمة الشاملة التي تزداد وطأتها سريعاً في البلاد، كما أنها جاءت في وقت عبرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جيورجييفا عن أنها لا ترى سبباً لانفراجة في المفاوضات".
وأضاف كوبيتش أن تحدي العمل، من خلال "وحدة الهدف"، لا يزال من المسائل الأساسية التي تواجه لبنان.
— Jan Kubis (@UNJanKubis) June 29, 2020 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
تأكيد حكومي
وأعلن المكتب الإعلامي لوزير المالية غازي وزني أنّه تسلم اليوم كتاب استقالة بيفاني من منصبه، في استقالة هي الثانية من نوعها خلال شهر يونيو/حزيران الجاري على صعيد الوفد اللبناني الذي يجري مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية تخرج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية والنقدية الحادّة.
وقال بيفاني في حديث تلفزيوني قبل المؤتمر الصحافي، إن "أسباب استقالتي تأتي اعتراضاً على طريقة تعاطي الحكم "كله سوا" مع الأزمة (النقدية)، والمسار الذي نسلكه اليوم متهور وبموجبه فإن الشعب سوف يحترق سلافه (يعاني)".
فيما نشر النائب وئام وهاب تغريدة أكد فيها أن بيفاني استقال، بعدما تلقى تهديدا من رئيس حزب يمتلك مئات ملايين الدولارات في المصارف. إلا أن وهاب أزال تغريدته ليعيد وضع أخرى، قال فيها: "كنت قد حذفت التغريدة عن آلان بيفاني نتيجة تدخل أصدقاء أعزاء، لكن نفيه للخبر يجعلني أتحداه وهو يعرف بأنني لا أكذب وأصلاً يا آلان يا فيلسوف صاحب التهديد صار مخبر ألف واحد شو بعتلك يعني هذا بيخليني إعتبرك بتكذب بكل شي. بالمناسبة بعتلك واتساب وإيميل".
— Wiam Wahhab (@wiamwahhab) June 29, 2020 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وسبق أن قدّم هنري شاوول مستشار وزير المالية اللبناني غازي وزني، استقالته من منصبه في 19 يونيو/حزيران الجاري، ونشر عبر حسابه الرسمي على "تويتر" بياناً فصل فيه الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذه الخطوة.
وقال شاوول إن "الاستقالة هي وسيلة تعبير أساسية عن المعارضة، والإفصاح عن أسباب هذه الخطوة لا يقلّ أهمية عن الخطوة نفسها. لقد بذلت قصارى جهدي في سبيل خدمة المصلحة العامة إلّا أنني اصطدمت بعوائق أداء المؤسسات". ومن أبرز الأسباب التي دفعت مستشار وزير المالية ضمن الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي للاستقالة، يقول شاوول "غياب الإرادة الحقيقية من أجل تنفيذ الإصلاحات أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومن ضمنه البنك المركزي".
وأشار إلى أنّ "القوى السياسية في لبنان والجهات النقدية والمالية تعمد جميعها إلى صرف الأنظار عن حجم الخسائر والشروع في أجندة شعبوية"، موضحاً أن "خطة الحكومة حددت خسائر كبيرة في القطاع المالي والتي يجب التعامل معها من أجل استعادة الثقة وإعادة بناء النظام على أسس سليمة وجذب رأس المال. في حين أكد صندوق النقد الدولي حجم هذه الخسائر، اختارت السلطة السياسية استبعاد حجم الخسائر التي تفرض نفسها كحقيقة لا مفرّ منها وشرعت في جدول أعمال شعبوي".
وأضاف: "لقد كرّرت أكثر من مرّة أنه من دون إصلاحات جدية ومؤلمة، بعيداً من السياسات العاجزة بشكل مستمرّ عن معالجة المشكلة، سنصل إلى مكانٍ خطيرٍ جداً".
وشدد شاوول على أنه قدم استقالته وقرّر الانسحاب، لأنه لا يريد أن يكون بمثابة شاهد على التقاعس الكامل عن إيجاد حلّ جذري لمعالجة المشكلة، والذي في ظلّ غيابه "سنقضي على كل الآمال المعقودة لإصلاح نظامنا وسنصل إلى تدهور خطير".
ويعيش لبنان اليوم واحدة من أسوأ أزماته المالية والنقدية، فسعر صرف الدولار لا يزال يسجل ارتفاعاً غير مسبوق في السوق السوداء تخطى اليوم عتبة الـ8000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
وفقدت العملة الوطنية أكثر من ثمانين في المائة من قيمتها، مع انعدام القدرة الشرائية عند المواطنين وغلاء فاحش في أسعار السلع والمواد الغذائية والبضائع المستوردة، وذلك على الرغم من الخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية وحاكم مصرف لبنان وجهاز الأمن العام للجم تدهور الليرة.
في حين عمد بعض المصارف اليوم إلى رفع سعر صرف الدولار المتاح لأصحاب الودائع بالدولار إلى 3850 ليرة لبنانية.