استفاقة عملاق النفط

28 يناير 2015
اعتماد استراتيجية نفطية محكمة يؤسس للنمو (أرشيف)
+ الخط -
يبدو أنّ العراق اليوم قد أقبل على التوجه نحو بناء سياسات جديدة للطاقة مازال من المبكر تقييمها. لكن ما يثير الانتباه هو كلام الباحثين عموماً والمسؤولين العراقيين خصوصاً، عن نتائج الحوار بين الحكومة المركزية الاتحادية وإقليم كوردستان العراق، حول عقود النفط المبرمة مع الشركات العالمية، والاتفاق على زيادة الإنتاج العراقي العام، من خلال زيادة إنتاج نفط كوردستان العراق وعودة نفط كركوك. علما أنَّ الإنتاج العراقي يتجاوز 3.8 ملايين برميل يومياً، يصدر منها 3 ملايين برميل.
ويبدو أن الحوار بين الطرفين يأخذ منحاً إيجابياً، وخصوصاً بعد الاتفاق النفطي الأخير بين الحكومة العراقية الاتحادية ووزارة النفط. وينص الاتفاق على إعادة تأهيل واستخدام 550 ألف برميل للنفط من حقول إقليم كوردستان العراق وكركوك، وتصديرها عبر أنبوب كوردستان – جيهان.
ويؤكد الاتفاق بأن العائدات المالية ستعود إلى الخزينة الاتحادية للدولة العراقية. وبالفعل سيبدأ الإنتاج من الحقول الكردية العراقية، وينضم إلى سلة نفوط العراق، ويصدر للخارج من خلال شركة التسويق "سومو" التابعة للحكومة الاتحادية.
ويؤشر هذا الاتفاق إلى تطور العلاقة بين الاتحاد وإقليم كوردستان، خصوصاً في ظل حكومة الدكتور حيدر العبادي ووزير النفط العراقي عادل عبد المهدي. ويسعى عبد المهدي إلى بناء سياسة نفطية مغايرة، خصوصاً في ظل أزمة تهاوي الأسعار العالمية للنفط، والصراع العالمي بين الدول المنتجة للنفط على حصصها في الأسواق العالمية، وذلك عبر زيادة حجم الإنتاج واستغلال الفرص وتوطين الاستثمارات الأجنبية العاملة في مجالي النفط والغاز.
وتوجد حلول عديدة لبناء سياسة نفطية داخلية جديدة، يمكن أن تقف في مواجهة خطر تدهور أسعار النفط وتعمل على بناء سياسات نفطية ناجحة. وذلك عبر اعتماد حزمة من السياسات تتقدمها التشريعات النفطية، وخصوصاً اذ ما علمنا ان تشريع ‏قانون للنفط والغاز وتنظيم وزارة النفط الاتحادية وشركة النفط الوطنية وتقاسم العائدات ‏المالية الاتحادية، سيكفل آلية تنظيم قطاع الطاقة في العراق. لا بل أن هذه الإجراءات ستعمل على استغلال الموارد ‏بصورة أمثل بالاضافة إلى إلزام الحكومة الاتحادية بإعلان عوائد الانتاج والتصدير بصورة ‏دورية عبر تقارير الشفافية الاستخراجية التي ستصدر كل سنة، ليكون العراق البلد الثاني على الصعيد العربي والشرق أوسطي في ‏الافصاح عن انتاجه النفطي.
وسيمهد إصدار التشريعات لبناء فلسفة اقتصادية ونموذج محدد للإدارة، الأمر الذي سيعزز من ثقة المستثمرين الكبار، الذين رفعوا أعلامهم على الحقول العراقية التي عُرضت في جولة التراخيص النفطية الأولى والثانية، وجولة التراخيص الثالثة لحقول الغاز، وجولة التراخيص الرابعة للرقع الاستكشافية لحقول النفط.
وبذا، من المحتمل إعادة النظر في استراتيجية النفط بأكملها، خصوصاً وإننا بحاجة لتقييم الاستراتيجيات السابقة والنظر إلى صياغة استراتيجية نفطية بعد مرحلة "داعش". ومن المرجح أن تنص الاستراتيجيات الجديدة على الاستفادة من مصادر الطاقة البديلة التي تتوافر شروطها في العراق بكثرة، كالشمس والرياح والوقود الحيوي، وبالتالي تأهيل العراق إلى إيجاد مصادر طاقة بديلة غير النفط.
سيجعل التأسيس لسياسات الطاقة في ظل الاعتماد على القوانين التشريعية، الفلسفة الاقتصادية، واستراتيجية واضحة للطاقة، من العراق في مصاف الدول المؤثرة في اقتصاديات العالم وسوق الطاقة، التي تشهد تنافساً كبيراً بين الدول المنتجة، وانهياراً في الأسعار. يمتلك العراق فرصاً كبيرة جداً في أن يكون دولة ذات قدرة إنتاجية كبيرة. وإذا ما وظفت عائدات النفط في التنمية، فسيحصل كل مواطن عراقي على حصة نقدية من سهمه الخاص في شركة النفط الوطنية، التي في حال تأسيسها ستدمج الشركات المملوكة للدولة من أجل تطوير القدرة الانتاجية ‏والتصديرية.‏
يمتلك العراق ثالث احتياطي عالمي للنفط، بكمية تبلغ 143.1 مليار برميل مثبت. وتمثل أراضي المحافظات العراقية ثروة هائلة للبلاد، لما تحتويه من العديد من التراكيب الجيولوجية النادرة بنسب عالية، الأمر الذي قد يرفع من الاحتياطي العراقي للنفط إلى أربعة أضعاف، أي أن يصل إلى 600 مليار برميل نفط.
ومن هنا سيكون العراق عملاق النفط النائم في سبات التحول والتغير، وسيكون مستعداً للانطلاق في مرحلة ما بعد "داعش". وسيكون تنظيم العلاقة ما بين المركز والإقليم عاملاً مهماً من عوامل التحول الكبير في بناء سياسة نفطية جديدة للدولة. حيث تحتاج الدولة العراقية إلى أكثر من ترليون وربع ترليون دولار لإعمار البلاد، التي تهدمت بناها التحتية نتيجة الحرب والعمليات العسكرية على تنظيم "داعش".
المساهمون