استعادة الديموقراطية... وإن طال السفر

12 يونيو 2014
+ الخط -
لو لم يدخل الجنرال عبد الفتاح السيسي عالم السياسة، وينصّب نفسه رئيساً لمصر، لظلّ على حالته تلك، يبهر ببزته العسكرية أكثر من مواقفه، مستفيداً من رمزية الزي العسكري، وتعبيره عن حالات النصر والدفاع عن حمى الوطن. وإذ يظن أنّه يحقق انتصاراً في الحالتين، فقد احتفظ بعقلية العسكر القائمة على الاستئثار بكل شيء، عندما أجبره زيف التشبّه بالديموقراطية على خلع الزي العسكري.
بعد ستة عقود، لم يكن في مقدور مصر مفارقة حكم العسكر، فبضربة واحدة، أطاح الجنرال السيسي حكماً مدنياً منتخباً، ليدخل أضابير السياسة بإرث المؤسسة العسكرية التي نُسجت خلال عقود على النمط التاريخي القديم، من لدن جنرالات سابقين، بدءاً بمحمد نجيب، مروراً بجمال عبد الناصر وأنور السادات وحتى عهد حسني مبارك.
تكوّن الجيش المصري كمؤِسسة دولة، من رحم النضال، عبر مخاض وطني وعربي عسير، خصوصاً في سنوات القتال في إطار النزاعات العربية ـ الإسرائيلية. ووفقاً لهذه التركيبة التي استلزمت التجنيد الإجباري، ضم بين جنباته نماذج من جميع مكونات شرائح المجتمع المصري. وبوصفه جيش الشعب العربي، لطالما حظي بقدر عظيم من الإعجاب، ليس في مصر وحدها، وإنما في الوطن العربي بأجمعه.

عندما جاء هذا الانقلاب المتعلق بأهداب السياسة، لفت نظر الشارع المصري إلى مؤسسة الجيش وعمقها، باعتبارها صمام أمان، يذكّرها في النكسات، كما الانتصارات بتقدير واحترام كثيرين. لكن النظرة الأخيرة تعرضت فيها قومية الجيش، باعتباره حاضناً لكل أطياف الشعب وألوانه وتياراته، إلى التلاشي، كما تبدّت أسراره للعلن، خصوصاً في صراعه مع سلطة منتخبة، وعزلها، وبروز أنيابه لحراسة أسوار سلطة مغتصبة.
لن يكون في مقدور الغرب الذي صوّر عملية التحوّل الديموقراطي في مصر نموذجاً للدول العربية الأخرى، أن يشير إليه، مرة أخرى، بعدما استأثر العسكر بكل شيء، وبعد ممالأته هذا الاستئثار. ولن تحتاج المؤسسة العسكرية لبسط سيطرتها على الحكم من خلف ستار، بعدما استولت عليه مباشرة.
خرج المارد من ثكناته واستيقظ، وأخرج أذرعه المستقوية بمرافق اقتصادية حيوية ومناصب قيادية، امتلكها ستين عاماً. ولا بد من التركيز على أنّ ثورة 25 يناير هي التي أجبرت مبارك على التنحي، ولكن، عندما تم استدعاء المجلس العسكري، بقيادة المشير حسين طنطاوي، لاستعادة النظام، كان حريصاً على عدم التورط في الأمر. وبمعنى أوضح، زهد الجنرال طنطاوي في السلطة، بينما استطعمها الجنرال السيسي، وعند استطعام السلطة، تعزّ المفارقة.
وعلى أثر توقعات أن يكون تأثير الجيش واضحاً في تشكيل الحكومة بعد انتخابات ما بعد ثورة 25 يناير، ولمّا لم يكن متاحاً بسط سيطرته في ظل الديموقراطية، قام بالانقلاب على الشرعية. الآن، يبحث السيسي عن الجدارة، بعيداً عن البزة العسكرية، وعن كفاءة فضحتها اللجان الانتخابية، معبّرة بشكل بليغ عن شعب غير راضٍ، لأنّه يعرف جلياً ثمن صوته، وأين وضعه من قبل.
ونظراً للحالة المزرية التي ظهرت فيها مراكز الاقتراع، بات صعباً الجزم بمقدار العذاب الذي سوف يتعيّن على المصريين أن يتلقوه نظير سجل السيسي الرئاسي، وأيامه المقبلة. كما أنّ هذا النمط في الاستيلاء على السلطة، والفشل في قيادة حملة انتخابية، لن يؤهل لقيادة شعب متنوعٍ طبقياً وطائفياً وأيديولوجياً، ناهيك عن إنجاز غايةٍ حقيقية، هي حكم دولة بحجم وأهمية مصر.
ليس هناك من مبرر ينزع التسمية الحقيقية لما تم من انقلاب، بل ما هو آتٍ ينذر بمواصلة موازاة قوات الأمن لحماية حكم العسكر، كتفاً بكتف وسلاحاً بسلاح، اعتقاداً بمقولة ماو تسي تونغ: "تأتي القوة من فوهة البندقية". وبهذا، لن يكون تحدي الجنرال مع الشعب فحسب، وإنّما مع مؤسسة وقوات الأمن والاستخبارات سيئة السمعة، لتكون الحصيلة جيشاً وأمناً مُسيّسين، لأنّ الصراع سيكون على منطقة اختصاص، هي قهر الشعب، فسيتجاوز الصراع الأفقي إلى مستوىً آخر رأسي بدأ بالانقلاب.
والواقع أنّ مراقبين مطلعين يشككون، على نحو مماثل، في أنّ صنمية الجنرال السيسي الموروثة من السلطة العسكرية، بحيث لا يُرى شخص بالقرب منه، قد تصعّب مهمته أكثر من صعوبة تدخل الجيش في الحياة السياسية، ومحاولة إعادة ترتيب شكل الحكم. فلن يكون هناك غير المرارات الحائلة دون سماع صوت الشعب، ولو كان هناك ثمة رهافة في السمع، لأيقن الحاكم الحالي أنّ الشعب الثائر قال كلمته الفصل في 25 يناير.
لا أحد يستطيع أن ينكر تلك الحالة من الاستياء إزاء الحيّز السياسي الهائل الذي احتله الانقلاب العسكري في مصر، فضلاً عن الخطر المتمثل في احتمالات حدوث ردود أفعال لاستعادة الديموقراطية.
 
 
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.