هل يُمكننا أن ننزع الضيافة من مجال التعاطف، لكي نصنع منها قانوناً، كما أراد لها كانط؟ وهل سيكون ذلك أمراً ممكناً، كما تأمل ذلك الفيلسوفة سيلا بنحبيب التي تطرح سؤال السيادة الوطنية انطلاقاً من الحقّ الإنساني في الهجرة؟ وماذا سيتبقّى من الضيافة إذا تجاوزت لا مشروطيّتها التي دافع عنها دريدا؟ تلك أسئلةٌ تُلخّص بعضاً من القضايا التي طرحها للنقاش عدد تمّوز/ يوليو – آب/ أغسطس من مجلّة "روح" (Esprit) الفرنسية.
إذا طلبنا تعريفاً مبسَّطاً للضيافة، يُمكننا أن نقول إنها تقف على النقيض ممّا سمّاه إدوارد غليسون "إغراء الجدار"؛ لأن سياسة الجدار هوية؛ هوية هي سيادة، في حين تُؤسّس الضيافة لإيتيقا عابرة للهويات، إن لم تتحقّق ضدّها.
ترى الفيلسوفة الأميركية، ويندي براون، أن سياسة الجدران تطلب منح السيادة القومية قوّة لم تكن لها، وأن الجدران لا ترتفع إلّا حين تتعرّض السيادة الوطنية إلى التصدُّع. ومثل هذه السياسة تطلب عرقلة التحاق الغريب بالفضاء القومي، والمحافظة عليه كـ "رجل ـ حدود" كما يُسمّيه الأنثروبولجي الفرنسي ميشيل آجيي، وبلغة أخرى الإبقاء عليه لامرئياً، وتلك وظيفة الجدران والملاجئ؛ فهي لا تستضيف الغريب بل تُخفيه عن الأنظار، وهو أشبه بما سمّاه فوكو في عمله المتقدّم بالأماكن الهامشية للانحراف.
يُطالب كلٌّ من فابيان بروجير وغيليوم لوبلون بالذهاب أبعد ممّا كتبه دريدا عن الضيافة باعتبارها علاقة إيتيقية منفتحة على الآخر، وباعتبار أن هذا الفهم "الشخصي" يعوق الفهم السياسي للضيافة، وبلغة أخرى يَحول دون مأسستها، أي الانتقال بها من مجرّد عمل فردي إلى عمل مؤسّساتي.
لكن الانتقال من الأمر الإيتيقي بإنقاذ الضيف إلى الأمر السياسي باستقباله، لن يكتمل برأيهم دون أمر ثالث وهو الانتماء؛ فلا شيء أسوأ من أن يستمرّ الغريب ضيفاً بشكل دائم. إنه يحتاج في النهاية إلى مكان خاص به. وقد نعترض هنا، ونقول بأن الأمر الإيتيقي غير المشروط للضيافة كما صاغه دريدا يتضمّن بُعداً سياسياً، يتجاوز المنطق الداخلي الذي هو الانتماء للمونوديمقراطيات الغربية؛ يتعلّق الأمر بسياسة لا تتحقّق كسيادة، وبمواطنة تقبل القسمة.
أجل، فالانتماء يعني على مستوى سياسي الاعتراف بالمواطنة، لكنها مواطنة مشروطة بحدود وهوية ونظام قانوني. وفي سياق متّصل، يفهم فيلسوف فرنسي آخر هو إتيان باليبار المواطنة، ليس باعتبارها انتماءً إلى جماعة تاريخية محدّدة، بل باعتبارها توسيعاً من مدى "الحق في أن تكون لنا حقوق"، وبلغة أخرى، كممارسة ديمقراطية خارج منطق الانتماء الهويّاتي.
الضيافة إيتيقا لليومي، فهي التزام يومي اتجاه الآخرين، ولا يمكنها أن تُصبح سياسة ما لم تُواجِه الطابع العنصري لسياسات الهجرة الغربية، والتي هي في النهاية انتماء قومي يُعبّر عن نفسه في معجم عرقي.