استثمارات الطاقة العراقية والتغيرات المجتمعية

31 ديسمبر 2014
ارتفاع الحاجة الاستثمارية لتلبية الطلب العالمي (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن التحولات المجتمعية التي مر بها المجتمع العراقي منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة، وصولاً إلى مرحلة سقوط النظام السياسي إبان 9 أبريل/نيسان 2003، بيّن أن هذا المجتمع قد شهد تحولات كبيرة من حيث نمط التفكير والإدارة للحياة العامة والقدرة على الاستمرارية، على الرغم من اختلافات المراحل التاريخية، وفترات الأزمات التي مر بها التاريخ السياسي العراقي الحديث. 
إذ إن تأسيس مشروع الدولة العراقية الجديدة شهد الكثير من المعوقات التاريخية؛ حيث تكشف الدراسات أن البريطانيين لم يكونوا متحمسين لنشوئها آنذاك، وفقاً لما روي عن لورنس العرب الذي كانت له علاقات فعالة مع صناع القرار في العراق وبريطانيا العظمى، والذي مال إلى إنسانيته أكثر من السياسة، فسعى إلى دعم عائلة الشريف علي، وناصر الملك فيصل لنشوء الدولة العراقية الجديدة إبان عام 1921.
وما أن جاء التغيير والتحول بعد 9 أبريل/نيسان 2003 حتى أذن للمجتمع للتحول والانتقال نحو نمط جديد من الحياة، والانتقال من نظام سلطوي إلى نظام اتحادي، وفق ما أقر في الدستور العراقي الدائم. وعلى الرغم من أن التشريع الدستوري الدائم قد أشار إلى أن نمط التنمية متواز، وثروة النفط والغاز ملك لكل العراقيين، إلا أن نمط توزيع الريع المالي من عائدات النفط استمر وفق المسار غير المباشر. وعلى الرغم من الإرهاب واللاستقرار الذي ساد بعد انتهاء الحرب في عام 2003 ولغاية عام 2007، إلا أن الجهود العراقية انصبت على نشوء أول مسودة قانونية للنفط والغاز شملت أيضاَ أربعة ملاحق، وطرحت في 15 فبراير/شباط 2007.
إلا أن الصناعة النفطية في الدولة العراقية الاتحادية اتخذت مسارين: المسار الأول في سلطات الإقليم في كردستان العراق التي عملت بعد عدم القدرة على تشريع قانون للنفط والغاز الاتحادي، على تشريع قانون للنفط والغاز في برلمان إقليم كردستان عام 2007. واتخذت أنموذجاً للعقود التجارية قائماً على المشاركة في الإنتاج.
في حين عملت الحكومة الاتحادية ووزارة النفط الاتحادية العراقية وفق مسار ثان، اعتمد على وضع نموذج جديد للاستثمار الأمثل للطاقة قائم على عقود الخدمة الفنية. وتطورت الصناعة النفطية العراقية، بحيت وصلت السلطة الاتحادية إلى رفع الإنتاج بواقع 900 ألف برميل. في حين من المتوقع أن يصل الإنتاج في نهاية عام 2015 بين 3.4 و4.5 ملايين برميل يومياً. في حين تقدم إقليم كردستان في الإنتاج إلى أكثر من 250 إلى 400 ألف برميل يومياً، ما عدا كركوك التي سيبقى إنتاجها ضمن الإنتاج الاتحادي.
ثم تلت بعد ذلك محاولة البرلمان، عبر لجنة الطاقة، لطرح مسودة قانون للنفط والغاز في عام 2011، ثم بعد ذلك، وفي العام ذاته، طرحت مسودة من وزارة النفط الاتحادية في شهر أغسطس/آب، لكن المسودات الثلاث لم تنجح في إطلاق قانون اتحادي للنفط والغاز، في حين كانت تطلعات العراقيين تصب في خانة إكمال القانون وصولا إلى تنفيذه.
ويبقى المستقبل المجهول في بناء العلاقة الثلاثية بين المجتمع والدولة والنفط. إذ يجب أن تخدم عائدات النفط مسار واحتياجات المجتمع، ومن ثم العمل على تطوير تجربة الدولة الاتحادية الجديدة ما بعد عام 2003، والتي شهدت تطوراً لا بأس به، على الرغم من الاختلالات الهيكلية التي ما زالت تحجب عن أدائها الكلي لتطوير الحياة العامة وتعظيم الفرص المستقبلية للعراق خلال السنوات العشر المقبلة.
وأخيراً ونحن نودع عام 2014 وندخل في أعياد العام الجديد، لا بد أن نشير إلى انشغال مؤسسات المال والطاقة، بأسواق النفط وتقلباتها. حيث تلقى هذه القضية اهتمام العالم أجمع لتأثيرها المباشر على استمرارية وتكلفة الإنتاج. ومن المتوقع أن تستمر الأسعار في التقلب على المدى القصير، بسبب الأوضاع في مناطق الإنتاج، خاصة في المنطقة العربية. وما يفسر هذه التقلبات ضعف الاستثمارات الجديدة في الأسواق النفطية وتوجهها إلى أسواق أخرى أكثر استقراراً.
وتشير البيانات الدولية في قطاع الطاقة إلى أن الإنتاج العالمي من النفط سيحتاج إلى استثمارات تتعدى 6% من الناتج العالمي بين اليوم وسنة 2030 حتى يلبى الطلب على النفط. مما سيجعل شكل الأسعار للنفط ومشتقاته مشوهة في السوق العالمية، مما سينعكس بصورة كبيرة على السوق العربية في مرحلة ثانية.
المساهمون